نظم «ملتقى الثلاثاء» في جلسته الأخيرة، محاضرة عنوانها «الشعر القديم: قراءة جديدة» حاضر فيها الدكتور أيمن بكر، وقدمها الشاعر الزميل نادي حافظ.
/> وجاءت مقدمة حافظ تحت عنوان «أيمن بكر... سطوة الحب» قال فيها: «صدقا، أنا في ورطة، لا أعرف كيف أقدم لكم صديقي الدكتور أيمن بكر في هذه الأمسية، فهذه هي المرة الأولى التي نتقاسم فيها المنصة، ويكون عليّ الحديث عنه، وليس العكس كما جرت العادة في مرتين سابقتين. تتزاحم في رأسي أفكار كثيرة، وتعتمل في ذاتي مشاعر متداخلة، فذكريات صداقتنا «تعرّش» على 20 سنة من المحبة... أتذكر تلك اللحظة الفارقة، لحظة نيله رسالة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في كلية الآداب في جامعة القاهرة»... أتذكر كيف فرحت كما لو أني لم أفرح من قبل. كنت في الكويت، وهو في القاهرة، قدت مظاهرة فرح وابتهاج على شبكة الإنترنت».
/>وقال المحاضر: «يبدو لي أن التناول الجديد هو شرط ضمني وضروري لمقاربة أي مادة تراثية، سواء في مجال الإبداع الأدبي أو غيره من جوانب التراث الاجتماعية والسياسية والفلسفية... الخ؛ إذ أحسب أن استخدام المناهج الجديدة في مراجعة التراث يحقق أمرا ويدعم آخر: أما الأمر الذي يحققه فهو تجنب التكرار الذي أفضى بنا إلى دروب التكلس الفكري والثقافي عموما، ومداومة التواصل الراغب في إعادة إنتاج التراث بغرض فهمه، والتعامل بانتقائية مع قيمه الثقافية بصورة تفيد من الأفهام السابقة ولا تكررها. ذلك الفهم الإبداعي للتراث هو جانب رئيس من فهم الذات الثقافية بما يقبع فيها من مكونات واعية أو غير واعية. وأما الأمر الذي يدعمه التعامل المجدد مع التراث فهو قدرة الوعي النقدي العربي على التواصل مع الأفق الفكري الإنساني للعصر الذي نعيشه والإضافة إليه، إن لم يكن بالتنظير، فبالتطبيق؛ حيث لا أرى فارقا كبيرا بينهما؛ فلا تنظير بلا نماذج تطبيقية وإن تكن مضمرة، ولا تطبيق من دون أطر نظرية كامنة خلفه»
/>وأضاف: «من زاوية هذه الندوة يمثل الشعر القديم مستودع القيم الجمالية التي لعبت الدور الرئيس في تأسيس الحس الجمالي العربي تجاه العالم عموما، أليس الشعر هو ديوان العرب، أي مخزن قيمها وأساليبها ورؤاها التي تتشكل في النص الشعري تشكلا جماليا بالأساس؟ الشعر القديم والجاهلي تحديدا- مؤثر في تصوراتنا عن الشعر عبر تراثنا كله، وصولا إلى لحظتنا الراهنة، حتى في أكثر أشكال التجارب الشعرية تمردا وجموحا».
/>واستطرد قائلا: «تتشكل الأزمة الآن في أن التعامل مع العقلية ذات الأساس الشفوي التي يعبر عنها الشعر القديم والجاهلي تحديدا، يتم عبر عقلية الباحث التي تنتمي للعقلية ذات الأساس الكتابي بكل ما بين العقليتين من فروق، الأمر الذي يدعونا للبدء بصورة مزدوجة: أولا التخفف من الثقة التي تمنحنا إياها أعراف عصرنا، وخاصة الثقة المتصلة بعلمية تناول التاريخ والتراث الأدبي، وثانيا التوجه ناحية الذات أو العقلية التي نظن أننا ننتمي إليها، بالتحليل النقدي اللازم لاكتشاف آلياتها، وتعثراتها تحديدا، وذلك قبل أن نتحرك ناحية المادة التراثية بغرض التحليل».
/>وأوضح أنه «لعل أكثر الأفكار التي ينتقد فيها الفكر المعاصر نفسه، خصوصا الفكر التفكيكي الذي تستعين به قراءتنا، هي أفكار البنيوية بكل ما فيها من انغلاق وإطلاقية مستمدة من دعاوى العلمية والموضوعية التي أطلقها الفكر البنيوي على نفسه، غير أننا لن نقف هنا لنستعرض كل ما جاء في هذا المجال، بل نكتفي فقط بما يتناسب مع موضوعنا».
/>وأن دريدا يتكلم عن وقفة في تاريخ مفهوم البنية هذا، وقفة يسميها «حدثًا» event وهو حدث يُشبِّهه بالفتق rupture في تاريخ الدراسات الكلاسيكية للبنية، إنه إعادة التفكير في ما يسمى «بنيوية البنية» structurality of structure؛ أي مجموعة التفاعلات التي تمثل الخواص الأساسية لأي بنية، مجموعة المعادلات التي على أساسها تكتسب البنية صفاتها المميزة».
/>وقال: «نقطة الحضور أو الأصل الثابت، تعبيران يشيران إلى المركز، الذي تنسب إليه المسؤولية في الفكر البنيوي عن التشكلات المختلفة التي يمكن أن تتخذها البنية، وعن معادلات التفاعل التي تمارسها مفرداتها».
/>وأن الفكرة الثانية تتصل بمحاولة تفسير التوجه العقلي الذي ساد عمليتي جمع الشعر الجاهلي وشرحه. وهي فكرة غير منفصلة عن سابقتها في فلسفة دريدا.
/>كما إن مفهوم البنية ذات المركز- على الرغم من تقديمه لمفهوم التلاحم النموذج- هو مفهوم متلاحم على نحو تناقضي، وكما هو معروف، يعبر التلاحم التناقضي عن قوةِ رغبةٍ ما. إن مفهوم البنية ذات المركز هو في الواقع مفهومُ لعبٍ يقوم على أرضية يمكن وصفها بـ «الأصلية»، لعب يتكون على أساسِ ثباتٍ جوهري ويقينٍ مُطَمْئِنٍ، يقين لا يصل إليه اللعب
/>وكشف أنه «في المقابل تصبح الكتابة انتقاصًا لذلك الحضور، تصبح تشويشًا لشفافية التجلي العقلي المتحقق عبر الكلام الحي، إنها وسيط ينهي العلاقة المباشرة بين الوعي وذاته، وبين الوعي ومستقبله. العلامة المكتوبة طبقًا لهذا التصور هي وسيط خارجي، مادة غريبة تتم إحالة الوعي إليها لتمثله بصورة غير مباشرة.
/>* وبيّن أن «الكتابة تعد انتقاصًا للحضور المتحقق في الصوت الحي وتشويشًا له، لكنها من وجه آخر تمثل التضحية الضرورية لاستعادة ما فقد من ذلك الحضور، إنها إصلاح لما لم يستطع الخطاب الحي الحفاظ عليه في ذاته، وهو ما يقودنا لأنها جزء تكميلي وأساسي في الوقت نفسه، إنها جزء مما يمكن اعتباره هوية الخطاب الشفوي، تكمن فيه كلازمة لوجوده، تمامًا كما يكمن الموت في الحياة».
/>وإنه يمكن اعتبار رواة الشعر الجاهلي- الثقاة تحديدًا- وشراحه، قد لعبوا دور عالم الحفريات الذي يسعى للإمساك ببنية الشعر الجاهلي، وتثبيتها واختصار تفاعلاتها، وهو ما قاد عمليات التدوين والتحقيق والشرح جميعًا إلى اقتراح واعتماد فكرة النص الأصلي والروايات الهامشية، الأمر الذي يختزل ما أظنه جزءًا رئيسًا من التقاليد الشعرية الجاهلية؛ وأعني عدم ثبات النص على صورة وحيدة، وحركة المفردات داخله سواء من قبل الشاعر أو الثقافة ككل متمثلة في رواة الشاعر ومن روى عنهم... الخ، وهي الحركة التي يمكن اعتبارها لعبًا يهدف لاكتشاف ممكنات النص الجمالية وتوسيعها.
/>