فرضت جائحة فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19) واقعاً جديداً على مستوى العالم أجمع، فلم يعد بعده التواصل الجمعي الطبيعي في مختلف الفعاليات والممارسات الدينية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والسياسية كما كان، وأصبح التباعد مقدماً على التواصل والاتصال عبر الوسائط أكثر حضوراً من الاتصال المباشر في مختلف المناسبات والأنشطة.

وليس ببعيد عن أن أي مناسبة أو نشاط جماهيري، تأثر الموسم الانتخابي لـ «أمة 2020» بهذا الواقع الجديد، فلم يعد تواصل المرشحين بناخبيهم مباشراً، كما كان، بل أضحى بغالبيته عبر وسائط إعلامية وإلكترونية.

وعلى الرغم من التيسير الذي تتيحه هذه الوسائط للمرشحين والناخبين على حد سواء، من حيث توفير الوقت والجهد والانتشار، إلا أن التجربة الجديدة «في تواصل المرشحين والناخبين عبر الوسائط» لم يظهر بعد مدى نجاحها وآثارها على حجم المشاركة والتغيير والاستقطاب في مجمل العملية الانتخابية.

ولعل مما يتبادر للذهن كيف للمرشح الذي يعوّل في خطب ود ناخبيه على «حذفه عقاله» و«تكفون يا ربعي» وقياسه لتفاعلهم عبر تبادلهم معه ذات الحركة بحذف «عُقلهم» أن يفعلها في هذا الموسم الانتخابي؟ وهل ستوفر وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائطها «ايموجي» للتعبير عن هذه الحالة من التواصل والتفاعل؟ وكذلك كيف لمرشح يعول على «دمعة في لحظة انفعال ضمن خطاب جماهيري عاطفي في مقره الانتخابي» أن يفعلها ويصل لذروة حماسه عبر خطاب «تلفزيوني أو يوتيوبي»؟ وكذلك كيف لمرشح أن يترك أثراً في نفوس وذاكرة بعض «ناخبيه» من دون بوفيه بـ«غوزي مشوي» وحلوى فاخرة؟ وهل سيستعاض عن «الاستحسان المباشر بالتصفيق وكلمة كفو باللايك والرتويت والكومنتات»؟ الكثير من التساؤلات التي فرضها الواقع الجديد للعملية الانتخابية سعت «الراي» للإجابة عنها عبر طرق باب أساتذة علم الاجتماع والإعلام في جامعة الكويت لتقييم التجربة الجديدة، ومدى إمكانية اعتمادها بالمواسم الانتخابية المقبلة «في حال نجاحها» وآثارها على حظوظ المرشحين من الوجوه الجديدة والنواب السابقين، ممن كونوا قواعد جماهيرية على مر السنين، عبر التواصل المباشر، وقياس أيضاً مدى استجابة الناخبين وقبولهم أو رفضهم للبرامج المطروحة في ظل انعدام اللقاء المباشر.



محمد الحداد: لا يمكن قياس التفاعل مع المرشح عبر وسائط الاتصال... لأنها تفبرك

- المرشحون الجدد سيواجهون صعوبةفي تعريف الناخبين ببرامجهم

- في الواقع الجديد تتلاشى أدوات الاختبار الحقيقي للمرشح


قال أستاذ الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور محمد الحداد «نحن أمام آلية جديدة في العملية الانتخابية لم نعتد عليها، فغاب عن المشهد الانتخابي الاتصال المباشر واللقاءات الشخصية والزيارات، وظهر بدلاً عنها اللقاءات مدفوعة الأجر عبر الصحف والتلفزيون ووسائل الاتصال الحديثة».

وأوضح الحداد أن معظم المرشحين يحرصون الآن على الحديث المنمق الإعلامي الدعائي في إطار احترافي إعلامي، ويظهر لنا المرشح كأنه عنتر زمانه في الاقتصاد والسياسية والتربية، مبيناً أنه في ظل الواقع الجديد تتلاشى أدوات الاختبار الحقيقي لأي مرشح لغياب اللقاء المباشر والأسئلة التي تطرح من الناخبين وتقطع حديث المرشح.

وتابع الحداد «صحيح أن العالم الآن بدأ باستخدام تقنيات حديثة في الانتخابات، منذ تسعينات القرن الماضي، فمرشحو الكونغرس الأميركي على سبيل المثال دشنوا مواقع إلكترونية في تلك الفترة، لكن لم يبرز لدينا دور وسائط التواصل والاتصال إلا أخيراً بسبب الوضع الصحي»، مضيفاً «أصبح حضور وسائل التواصل حالياً غير مسبوق في الكويت، من حيث الدور الذي تلعبه في العملية الانتخابية، وقياس مدى نجاحها وفشلها يقاس بمدى نجاح حملات المرشحين في إيصال رسائلهم للجمهور، إلا أن المرشحين الجدد سيواجهون صعوبة في تعريف الناخبين بهم وببرامجهم بخلاف المرشحين التقليديين ممن كونوا قواعد انتخابية».

وبسؤاله عما إذا كان يمكن قياس مدى تفاعل وحظوظ نجاح أو سقوط المرشح من خلال تفاعل الناخبين عبر مختلف وسائط الاتصال الحديث، سواء باستخدام مشاهدات «اليوتيوب» و«اللايك» و«الريتويت» في «تويتر» و«إنستغرام»، قال الحداد إنه «لا يمكن قياس مدى نجاح وفشل المرشح في إيصال رسائله أو قبولها واستحسانها عبر وسائط الاتصال، لأنه بالإمكان فبركة النشاط الإلكتروني»، مشيراً إلى أن هذه العملية في علم الاجتماع من أقوى الطرق التسويقية للخدمات والمنتجات والفاعلية.



علي الزعبي: الواقع الجديد نتائجه سلبية على المرشح التقليدي

- أغلب المرشحين الجدد أذكياء في استخدام وسائل التواصل ومتحرّرون من الضغوط

- نوع الوسيلة المستخدمة يُحدّدها مضمون الرسالة والجمهور المستهدف


أكد أستاذ الانثروبولوجيا في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتور علي الزعبي أن الواقع الذي فرضه الوضع الصحي سيكون مؤثراً جداً على العملية الانتخابية وإلى أبعد الحدود، خاصة إذا ما وضعنا بالاعتبار أن زيارة المرشحين لدواوين الناخبين تعبر عن التقدير وتجديد الارتباط بينهم.

وأوضح أن هذه الآلية للتواصل تتم الآن الاستعاضة عنها من خلال اللقاء المختصر والذي يضم أفراد العائلة بالمرشح أو من خلال الديوانيات الافتراضية بعقد لقاء إلكتروني موسع، بين المرشح ورواد ديوانيته في غرف دردشة.

ولفت إلى أن واقع الاتصال الجديد المفروض بسبب جائحة «كورونا» سيؤثر سلباً على المرشح التقليدي، وسيكون لصالح المرشحين الجدد لأن أغلبهم أذكياء في استخدام وسائل التوصل بمختلف أنواعها، كما أنهم متحرّرون من الضغوط بخلاف المرشح التقليدي، ممن سجلت عليه مواقف سابقة.

وأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة المستخدمة ينبغي أن تختلف باختلاف مضمون رسالة المرشحين وجمهورهم المستهدف، فعلى سبيل المثال المرشح الراغب في إيصال رسالة لكبار السن أو عن التعليم يفضل أن يروّج لفكرته عبر «الواتساب»، في حين الراغب في إيصال رسالة عن الفساد وللشباب يفضل استخدام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وهكذا فإن نوع وسيلة الإعلام المستخدمة يحددها مضمون الرسالة والجمهور المستهدف.

وتوقع أن يعود التواصل المباشر بعد جائحة «كورونا» بين المرشح والناخب، لكن بالتأكيد تجربة الانتخابات البرلمانية الحالية ستُفعل دور وسائط الاتصال بشكل أكبر في المستقبل.



فواز العجمي: تلقي الناخب رسائل المرشح أصبح اختيارياً وليس إجبارياً

- وسائط الاتصال غيّبت التأثير الفعلي للمرشح لغياب التفاعل المباشر

- سيعود الاتصال المباشر بالمقار وزيارات الدواوين كما كان بعد «كورونا»


أكد أستاذ الإعلام في جامعة الكويت الدكتور فواز العجمي أن الواقع الذي فرضته الحالة الصحية على العملية الانتخابية وفقدان الاتصال المباشر بعدم وجود مقار انتخابية وعدم زيارة الدواوين سيؤثر سلباً على حظوظ المرشحين للانتخابات البرلمانية.

وأوضح العجمي أن هذه الحالة غيّبت التأثير الفعلي للمرشح بالناخبين، كالاجابة عن تساؤلاتهم وتغيير قناعاتهم، ومما لا شك فيه حرص الكثير من المرشحين على استخدام وسائط الاتصال، لكن هذه الوسائط تعرض المرشح ورسائله للناخب بشكل اختياري وليس إجبارياً، كما هو الحال بالاتصال المباشر.

وأكد أنه في حال عودة الوضع الصحي لطبيعته، لا شك سيعود الاتصال المباشر كما كان وستعود المقار الانتخابية وزيارات الدواوين، وستستخدم وسائط الاتصال كعامل مساعد في العملية الانتخابية.

التفاعل لا يدل على الشعبية

شدد الدكتور فواز العجمي على أن التفاعل والأرقام مع رسائل المرشحين عبر وسائط التواصل ليست دلالة على حظوظ وشعبية المرشحين، كما هو الحال في زيارات الدواوين، ولا يعد مقياساً لمدى قناعة وتفاعل الناخبين مع المرشح، لافتاً إلى أنه في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال متابعو الرئيس دونالد ترامب في وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» يفوق عدد متابعي الرئيس المنتخب جو بايدن، ورغم ذلك كان الفوز من نصيب بايدن، وبالتالي عدد المتابعين أو التفاعل عبر وسائط التواصل ليس مقياساً ولا دليلاً على حظوظ مرشح على آخر.

مواقع التواصل غير موثوقة

قال الدكتور محمد الحداد «إن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون مباشراً وكبيراً في المجتمعات الديموقراطية، لكنها في واقعنا المحلي غير موثوقة، وكذلك طبيعة المجتمع وقناعة الناخبين والمؤثرات فيها مختلفة»، كاشفاً عن أن المستفيد الأكبر من الوضع الانتخابي الحالي الذي فرضه الواقع الصحي سيصب لصالح المرشح التقليدي وليس المرشح الجديد، لأنه كوّن قواعد انتخابية على مر السنين بخلاف المرشح الجديد الساعي لتكوين قواعد انتخابية.

سيف ذو حدين

أكد الحداد أن الكثير من المرشحين التقليديين ممن يجهلون كيفية مخاطبة الناخبين وممارسة الإعلام الانتخابي التقني على وسائل التواصل يلجأون للمكاتب الإعلامية، معتبراً أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والخطاب الانتخابي التقني «سيف ذو حدين وقد يكون مفيداً وغير مفيد، وتتمثل خطورته في استخدام هذه الوسائل وأخلاقيات التعامل مع الجمهور، ويتضمن الاستخدام السلبي، لهذه الأداة في الإساءة للمرشحين، ونشر خطاب الكراهية والتشهير بهم».

وأوضح أن «قياس مدى تأثير مواقع التواصل على الناخبين يختلف باختلاف المجتمعات، ومن وجهة نظري فإن أثر الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الناخبين ستكون محدودة جداً، وعلى الرغم من أنه لا توجد دراسات علمية حتى الآن بهذا الشأن نظراً لحداثة التجربة في الانتخابات الحالية، إلا أنه يجب أن نضع في الاعتبار الأثر القبلي والطائفي والاجتماعي على اتجاهات الناخبين».