| كتب مدحت علام |
تبدو الصور الشعرية في قصائد الشاعر محمد امين العمر ذات ايقاعات انسانية تتوهج فيها الرؤى بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء.
كما ان التجارب التي تحتويها هذه القصائد ذات ابعاد حسية، تتضمن مدلولات يسقطها الشاعر في كثير من الاحوال على القضية المهمة في حياته، تلك التي تمثلها في تحد وحضور القضية الفلسطينية، وعلى هذا الاساس ومن خلال مفاهيم العمر جاء ديوانه الاول تحت عنوان لافت «جداريات على جدار القهر» وبالتالي فقد كان مدلول هذا العنوان جامعا، ومسيطرا على محتوى الفكرة.
والعنوان في صورته الجمالية يشير إلى ما يود الشاعر طرحه من رؤى يدخل في نسقها تشكيل المعنى في «جداريات» وبالتالي فإن هذه الجداريات الرافضة ستوضع على جدار القهر، وهو الجدار الذي اقامه الكيان الصهيوني كحد يقسم الاراضي الفلسطينية المغتصبة وعلى هذا الاساس فإن الموضوع بدا واضحا، كما ان الرؤية بدأت في التشكل من خلال هذا العنوان.
وفي سياق الاهداء، فإننا نستطيع وضع ايدينا على قضية الشاعر التي يريد ان يبرزها عبر هذا العنوان، هذا الاهداء الذي توجه به إلى «التي احنت ظهرها الايام حتى كادت جبهتها تقبل الارض التي عاشت عليها ولها» وسنجد ان العمر انه يقصد والدته «التي اثرت ان تبقى صامدة خلف الجدار العازل في بيتها وتحت ظلال زيتونها». وكتب استاذ النقد الادبي الحديث المساعد في جامعتي عين شمس والكويت الاستاذ الدكتور وجيه يعقوب السيد رؤية نقدية في مقدمة الديوان اشار فيها إلى القضية التي عبر عنها العمر عبر قصائد الديوان، وهي القضية الفلسطينية في حبه وغضبه وعشقه وبغضه ليقول «هذا شيء طبيعي من انسان موجوع عاش محنة وطن وضياع ذاكرة، وبقي مغتربا يزور وطنه من آن لآخر كلما سنحت له الظروف وقد جسد ذلك في شعره بصورة واضحة».
واوضح السيد ان لغة الشاعر مليئة بالتحدي وتصف الواقع المرير الذي تعيشه الامة وصفا دقيقا كما يستمر بشكل فني وادبي ثقافته الدينية وموروثه الشعبي الاصيل.
... وتسألني متى اغضب، هي استهلال العمر لقصائد ديوانه وبالتالي فقد حفلت بالكثير من المفردات التي تهدر في وجه الظلم متحدية ثائرة:
وتسألني متى اغضب
متى البركان في صدري يثور
فيبلع الربان والركاب والمركب
وينفث غيظه حمما
فلا يخبو... ولا ينضب
وفي نسق شعري رصين جاءت قصيدة «وعد وشهد» هذا النسق الذي تتوالد فيه الافكار والرؤى بمفردات شيقة تتماثل فيها المشاعر بقوة وشدة ليقول:
طوفت في طول البلاد وعرضها
حتى سئمت وملني تطوافي
وبسطت اشرعتي وسرت إلى غدي
طابت رياحي او غدون سوافي
لم الق في كل البقاع طريدتي
مهما زهون فكلهن منافي
ورغم ما يتبدى في قصيدة «وعد العيون» من عاطفة ورومانسية الا ان المتأمل لها سيجد ان الشاعر يصف وطنا، او ارضا او حلما، وبالتالي جاءت الاسقاطات التي اخذ محتوها من المرأة:
«ولقد اتيتك آملا ومعاتبا
عيناك وعد والشفاه تماطل»
وتواصلت المعاني في سياق ما طرحه الشاعر من قصائد لنقرأ قصيدة «محراب الشعر» تلك التي ينتصر فيها للشعر: «ما الشعر الا صائد وطريدة/فبغان طير او صقور الغاب» بالاضافة إلى قصيدة «قبلة الوداع» التي كتبها علي خلفية الحادثة الشهيرة والتي رمى فيها منتظر الزيدي بحذائه في وجه الرئيس الاميركي السابق بوش: «هذا العراق وهذا فعل فارسه/ ان اسرج الخيل جرت ذيلها البقر».
ونقرأ قصيدة عنوانها «حماة الضاد» والتي ألقاها العمر في حفل تخرج منتسبي دورات مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين في مسرح مكتبة الشعر العربي.
وبدت التجربة الشعرية في قصيدة «ام خالد» مزدانة بالاحساس المفعم بالاسى، هذا الاحساس جاء متوافقا مع ما يريد الشاعر ان يطرحه من آلام تخص فلسطين، وهذه القصيدة استوحاها الشاعر من أم افتقدت وليدها بعد سفره ليقول:
يا أم خالد هذا الدهر غدار
يدني الغريب ويقصي من له دار
يا أم خالد والايام ديدنها
يوم بصفو ويوم فيه اكدار
وينتقد الشاعر في قصيدة «الفنجان الصيني» بعض الاوضاع السياسية التي تشي بالفساد، وبالتالي فقد جاءت القصيدة مفعمة بالرفض، اما قصيدة «عيونا قانا» فإنها تصور الألم العربي في صوره الحزينة ليقول:
يا ربوة بدماء الطهر سابحة
والدمع يغرقها ارضا وجدرانا
يجري فيصبح انهارا ليغرقنا
فالارض تكرهنا شيبا وشبانا
وجاءت قصيدة «العودة إلى الذات» في حس ديني شفاف، ومن خلال فلسفة انسانية تمجد الخير وتنبذ الشر، اما قصيدة «المسقوفة» وهي بلدة صغيرة على تلة تشرف على السهل الساحلي قرب طولكرم وتتبع دير الغصون - فهي عبارة عن رؤى تتواصل فيها المشاهد في حيوية وحركة وفيها الكثير من الحنين والذكريات التي يحاول الشاعر ان يصورها في ابيات شعرية جميلة:
يا دوحة النرجس البري عابقة
منه الكؤوس بعطر حالم شبم
احن للوز، للزيتون دانية
حباته السود كالياقوت في العصم
وللعصافير أحيت حفل زقزقة
عادت بطانا إلى «الكينا» لكي تنم
اما قصيدة «الضمير العربي» فقد عبر فيها الشاعر عن الكثير من المواقف العربية التي يؤمن بها ويدافع عنها «اما الحدود فشيء لا وجود له/ مثل السراب ومثل الماء في الشهب» في حين جاءت قصيدة «جدارية على جدار الفصل» ممهورة بالحزن ومتفاعلة مع الرفض الذي جاء هادرا مدويا:
يا حائط العار مهما قام من جدر
لن تحجب الارض عن ابصار من سلبوا
ان تقطع اللحم فالشريان متصل
او تكسر العظم فالقامات تنتصب
وتوالت القصائد التي عبر فيها الشاعر عن الكثير من الرؤى المتعلقة بالحياة والانسان وكذلك بقضايا تهم المجتمع العربي والاسلامي مثل قضية فلسطين والوحدة العربية والتمسك بأرض الوطن وغيرها، إلى جانب قصائد تحمل في مفرداتها وابياتها الحكمة مثل قصيدة «كنت ولدي» والتي تتحدث عن ولد عق والده الذي احبه واعطاه كل شيء ليقول:
كالشوك انت على قلبي وفي كبدي
اشقيت روحي وما إلاك اشقاها
وجئت عند نضوب الماء تطلبه
فالبئر جفت وطين الأرض غطاها
بينما احتوت قصيدة لوحات معلقة على الجدار على مقاطع شعرية تبدو فيها عاطفة الرفض مسيطرة، وبالتالي فقد جاء الوصف متماسكا في مفرداته ومعانيه «هذا الجدار يطول/ كلما قصر النهار/ لكنه سيذوب في صيف/ يطول به النهار».
وختم الشاعر محمد امين العمر ديوانه بقصيدة «رحلة إلى الذات» تلك التي وضع فيها الشاعر فلسفته الخاصة تجاه الحياة والانسان.
«هي الاماني والآمال تحملني
في وحشة الدرب ان كلت مطياتي»