هل حقاً الشعوب العربية ضائعة تائهة ولم تعد لديها قضية قومية؟ هذا السؤال يُطرح بقوة كل فترة، وخاصة هذه الأيام مع ما يحدث من ضجيج وصخب وتعصب إعلامي وشعبي في مصر والجزائر.
فمنذ شهرين وطبول الحرب يدقها الإعلام ويتفاعل معها الشارعان المصري والجزائري في انتظار مباراة كرة القدم المرتقبة بين الفريقين، والتي تقام مساء اليوم، وكلما اقترب موعد المباراة ازداد الوضع الإعلامي والشعبي في كلا البلدين سخونة وتعصباً حتى وصل الأمر إلى صدور تصريحات سياسية للتهدئة، بل أخبار متفرقة عن حضور الرئيسين المصري والجزائري المباراة. العجيب أنها مباراة في كرة القدم، تلك الكرة الجلدية المنفوخة بالهواء التي يتصارع كل لاعب من أجل ركلها وتنظيم اللعب بها حتى الوصول إلى شبكة الخصم ليعلن فرحته بالهدف. والذي يشاهد الشارعين المصري والجزائري لا يصدق أنها مباراة في كرة القدم، فقد بلغ التعصب للمباراة أعلى معدل له حتى لم يعد هناك حديث للكبير والصغير الشباب والنساء والأطفال في العمل وفي كل مكان إلا الحديث عن المباراة. الحقيقة أنها مباراة في كرة القدم في لعبة رياضية وليست صراعاً على أرض أو مقدسات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من المستفيد من الخصومة والتعصب بين شعبين مسلمين عربيين إلى هذا الحد من الكراهية والبغضاء، أليس أعداء الأمة وأعداء نهضتها وتقدمها هم المستفيدون، وماذا يحدث لو انتصر الفريق المصري أو الجزائري، هل سيفنى بالهزيمة شعب الفريق المهزوم، أو تحصل دولة الفريق المنتصر على السلاح النووي وقوى الردع وتحجز مكاناً في مجلس الأمن ويكون لها حق الفيتو مع الدول الخمس لتصبح ست دول بينها دولة عربية مسلمة، أم هل بالانتصار الكروي ستخاف دولة الاحتلال الصهيوني وتنسحب من فلسطين، ويحرر الأقصى، ويتحرر عشرة آلاف أسير فلسطيني، ويهرب الصهاينة إلى البحر ليعودوا إلى بلادهم، أم هل ترتعد فرائص دول الاحتلال في العراق وأفغانستان وينسحبون سريعاً؟ الإجابة: أبداً لن يحدث أي شيء من ذلك، نعم لن يحدث شيء مطلقاً، بل مجرد فرحة للفائز ومن ورائه الشعب ينسى همومه لبعض الوقت، وحزن للمهزوم يزيد شعبه هموماً لبعض الوقت ثم يرجع كل شيء لما سبق.
ويبقى أنني لا أنكر أن لعبة كرة القدم لعبة جميلة ومسلية، وقبل كل شيء رياضة لعبناها صغاراً وشباباً، ولما كبر السن وزادت الأعباء اكتفينا بالمشاهدة نشجع ونسعد بالنصر الكروي، ولكننا لا ننسى همومنا بالكرة، ولا أهدافنا وقضايانا القومية بلعبة الكرة، فلايزال الأقصى أولى القبلتين محتلاً، بل يسعى الصهاينة لهدمه، ولاتزال الدول العربية من دول العالم الثالث المتأخر المتخلف.
وأخيراً... اليوم سأشجع الفريق المصري وأسعد بانتصاره، وأحزن لهزيمة الفريق الجزائري الشقيق المسلم العربي، ولكن كل ذلك يبدأ وينتهي تماماً خلال 90دقيقة فقط وليس شهرين قبل المبارة وشهرين بعدها. مع خالص تمنياتي أن يفوق كل متعصب في الإعلام والشعبين المصري والجزائري ويدرك أنها مباراة في الكرة وليست حرباً يا إخوة الإسلام والعروبة.


ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com