كنت عن قرب ولشهور متتالية أراقب من الأعلى تلك الأقلام الكثيرة التي احتشدت بخيلها ورجلها وعدتها وعتادها ومالها ونفوذها ثم خرجت من جبهات مختلفة لتحارب مجتمعة ضد قلم واحد!
هل قلت أنا: ضد قلم واحد؟ نعم، أي والله ضد قلم واحد! والمضحك أن هذا القلم كانوا يقصفونه بقوة وعنف ووحشية بالأسلحة كافة التي تقع في أيديهم، سواء المشروع منها أو المُحرّم دولياً! فكل هذا لا يهمهم، الأهم عندهم أن ذلك القلم لا بد أن يُسحق أو على الأقل يطيح طيحة ما يقوم منها! لكن ذلك القلم كان الحصان الجامح الأصيل، الذي كلما شعر بصعوبة المرحلة أخذ يصهل بشدة وكأنه يقول حينها للمدى: سيطول (بهم) درب المضمار، وسيعرف كل واحد منا قيمته.
ذلك القلم لم يروضه كرباج الدرهم والدينار، ولم تستطع يد المصالح والرشاوى أن تنال من شموخه. وهذا ما حدث مع قلم الكاتب محمد عبد القادر الجاسم وبعض الأقلام التي اجتمعت ضده في خندق واحد. كان الجاسم لوحده (يحاربهم) لنحو من ستة أشهر! وعلى أقل من مهله وبكل هدوء وحنكة وصبر وثقة وثقافة وتفنن كان يحقق فيهم خسائر فادحة ويعطب فيهم، على الرغم من كثرتهم وعدتهم، ورغم الإمكانات التي سُخرّت لهم ورغم الأموال التي دفعت إليهم! وفي آخر أنفاس المعركة الإعلامية وبعد انجلاء غبارها ظهر الجاسم مبتسماً في المشهد وهو يضع كلتا يديه حول خصره يشاهد أمام ناظره تلك الأقلام تنكس راياتها خاسرة خائبة خارجة من المولد بلا حمص أو كنار أو حتى لومي أسود!
لا شك أن تجربة الكاتب الجاسم هذه شيء جديد من نوعه حصوله في الكويت، ولا شك أن في تجربة هذا الكاتب مع تلك المجموعة الخاسرة التي حاربته إعلامياً، أشياء عديدة نستفيدها، منها: أنه فعلاً في الكويت إعلام فاسد رخيص ظهر في الوقت الحالي احتضنته بعض الجرائد والقنوات الفضائية الجديدة، التي لم تظهر بالمظهر المُشرّف ولم تهتم بأقل أخلاقيات الإعلام الحقيقي الهادف والمسؤول. إن الكاتب الجاسم استطاع بكتاباته في هذه التجربة أن يرفع حرية سقف الكتابة في الكويت. إن الأقلام أمانات، وإن القلم الذي ينقش ليس كالقلم الذي يُخرّبش. إن الكاتب يحتاج في رحلته إلى ثلاثة أشياء، الصدق والشجاعة والأمل. إن أقلام الباطل ضعيفة لا يطول عُمر مدادها ولو صُب عليها المال صباً وذُللت أمامها كل الحواجز. إن الكاتب الحقيقي هو ذلك الكاتب الذي لا يخنع بذل السكوت، لا لشيخ، ولا لأي مسؤول كبير مها كان منصبه في هذه الدولة التي تقوم على قانون يكفل للجميع ماله وما عليه. إن قوة القلم الحقيقية مرتبطة في مدى ثقافة صاحبه، وعلميته وقوة روحه، وإيمانه المطلق في القضية التي جرّد قلمه لأجلها.
أرى أن البطولة الحقيقية لا تكمن في المكسب أو الخسارة، بل هما مجرد نقطتين حتميتين في آخر المطاف، فربما تتعرض للخسارة وأنت تناضل من أجل الحق، وربما تكسب أنت رغم أنك من جنود الباطل، أرى أن الإقدام وكسر حاجز الخوف وفض هالة الرهبة والمضي الجاد نحو تحقيق ما تؤمن به هو البطولة الحقيقية.
* * *
أشكر كل القراء الذين بعثوا لي بإيميلات تحمل معلومات عن تجاوزات شتى في أكثر من وزارة، وأعدكم أن تلك الإيميلات سوف تصل إلى المسؤولين، أو النشر إن لم تجد التجاوب منهم.


حسين الراوي
كاتب كويتي
alrawie1@hotmail.com