حضرت حلقة نقاشية حول المفاهيم المعاصرة للقيادة وكيف أنها قد اختلفت عن الأنماط التقليدية التي ما زال البعض في مجتمعاتنا يتغنى بها.
كان محور النقاش يدور حول مسببات الأزمة المالية، التي لم يكن متوقعاً أن يكون أكثر الناس احترافية في مجال الأعمال (المحاسبين والماليين) من أسباب حدوثها كنتاج عن سلوكياتهم السيئة غير الأخلاقية التي أدت إلى تدهور الوضع المالي لكبرى الشركات العالمية، وقد يعتقد البعض أن الاستراتيجيات الخاطئة كانت وراء ذلك التدهور الذي شهدته أسواق المال العالمية بينما واقع الأمر يؤكد أن السبب يعود إلى انحراف معيار القيادة المعنوية التي تميز بين الأمر الجيد والسيئ عند اتخاذ القرار.
يقول بروفيسور ريتشارد ثورب في حديثه الجانبي معي (وهو المشرف على رسالة الدكتوراه التي نعمل عليها): إن ما يحزنني أن يكون قادة البنوك من محاسبين وماليين طرفاً في الموضوع، فطبيعة مراكزهم توجب توافر حالة من أخلاقية ممارسة المهنة، وهي مستأثرة بالحالة المعنوية لكل قيادي يشغل تلك المراكز، وهي حالة محكمة بمعايير سلوكية عالية المواصفات وصعب انتهاكها... ومن المؤسف أنها حصلت وتضرر على ضوئها المساهمين والمستثمرون في تلك الجهات.
عندها سألت: ألا توجد محكمات مؤسسية (Corporate Governance)، ومسؤوليات اجتماعية (Social Responsibilities)، ومعايير للسلوك (Standards) تعمل وفقها هذه الشركات؟ فلو حصلت في إحدى الدول النامية كالكويت وغيرها لكان الأمر مختلفاً لاختلاف ثقافة الشعوب، ولكن الغرب يختلف عنا ونحن نتعلم من الغرب؟
وكان رد البروفيسور: ما عليه... أخبرني عما توصلت إليه بالنسبة لمراجعتك الدراسات الغربية وكيف ترى الفجوة بين ما هو مطبق هناك وثقافة مجتمعكم؟
ومن هنا يبدأ الحديث لكم عما توصلنا إليه، وما يقوم إخواننا من المهتمين بالقيادة والفكر الاستراتيجي في تعليمه لقادة الغد لدينا.
إن نظريات القيادة القديمة ركزت على مواصفات القائد الناجح وكيف تصبح قائداً ناجحاً؟ وتعلم قادتنا مفاهيم قيادية غربية تعددت أشكالها ففيها على هيئة تقارير، مقالات، كتب، وتقارير دورية وغيرها ومعظمها استبدل بمفاهيم جديدة كالقيادة التحولية، والقيادة المؤثرة والقيادة المتزعة والقيادة الأخلاقية أخيراً وغيرها.
الدراسات الغربية معظمها قد جرى تطبيقه على عينات عشوائية من خلال استبيانات، والباحثين الجدد أكدوا أنها لم تلامس روحانية وسلوك ومشاعر المشاركين في الدراسات السابقة ودفعوا إلى وجوب عمل دراسات نوعية من خلال مقابلات شخصية تستشعر ما كان مفقوداً في تلك الدراسات وهو السبب وراء تدهور المنظومات الإدارية لشركات كبرى.
إن التابعين لأي قائد يجدوا فيه مثالاً يحتذى به «فإن كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص والغناء» لذلك صلاح القائد يحدد هوية طبيعة التابعين له وهي سلسلة تتحدر من أعلى الهرم إلى أصغر موظف في المنظومة.
انظروا إلى المستوى القيادي في مؤسساتنا وعاينوا طبيعة النمط القيادي فيها، فنحن في حاجة ماسة إلى معرفة ما يمكن تطبيقه مع الأخذ بعين الاعتبار كل عامل مؤثر في سياق ثقافة أي مؤسسة كالثقافة العامة (معتقدات وقيم) أولاً، وإن لم تكن متوافرة «فسلم على القرارات» فهي غير مبنية على حالة معنوية سليمة.
أذكر أنني نصحت أحد طلبة الدراسات العليا طلب أن يبتعد عن الأنماط البحثية التقليدية وعليه إجراء مقابلات شخصية وجهاً لوجه مع القادة غير الخاضعين لضغوط سياسية فهذه النوعية، أي القادة المتأثرة مناصبهم بالسياسة، قد أثبت أكثر من باحث أن مفاهيم القيادة لا تنطبق عليها: لماذا؟
في الكويت نحتاج لمن ينتشل البلاد من آفة الواسطة والتسييس والمحسوبية في بادئ الأمر، وبعد ذلك يتم رصد المعايير والمواصفات المتماشية مع ثقافة مؤسساتنا، فليس كل ماهو مطبق بالغرب ممكن تطبيقه لدينا.
إن القيادة بين اليوم والأمس قد تم تعديلها وتجديدها لتتفق مع متغيرات المجتمعات الغربية ونحن ما زلنا نجهل الهوية التي تعمل وفقها مؤسساتنا العامة وكثير من الخاص منها، فالقرار بيد صاحب القرار الذي يعتبر الولاء من أهم ميزات المرشح للمنصب بغض النظر عن الكفاءة أو الحالة المعنوية له، فلو كان الأمر بيدي لنصحتهم بأخذ نموذج منتزبرغ حول مواصفات المدير القائد، حيث انه ليس كل مدير قائد و«القائد من دون أساسيات إدارية جيدة يكون أمراً مدمراً للمؤسسة»، كما ذكر جوسلنغ ومنتزبرغ... فالقيادي الإعلامي والذي يعمل بالعلاقات العامة مواصفاته تختلف عن القيادي في الموارد البشرية أو في الحقل الفني وهكذا الحال بالنسبة لبقية التخصصات.
انظروا ودققوا وستجدوا ما سطرناه بإيجاز ماثلاً في مجتمعنا وله اليد الطولى في كل شيء... والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com
كان محور النقاش يدور حول مسببات الأزمة المالية، التي لم يكن متوقعاً أن يكون أكثر الناس احترافية في مجال الأعمال (المحاسبين والماليين) من أسباب حدوثها كنتاج عن سلوكياتهم السيئة غير الأخلاقية التي أدت إلى تدهور الوضع المالي لكبرى الشركات العالمية، وقد يعتقد البعض أن الاستراتيجيات الخاطئة كانت وراء ذلك التدهور الذي شهدته أسواق المال العالمية بينما واقع الأمر يؤكد أن السبب يعود إلى انحراف معيار القيادة المعنوية التي تميز بين الأمر الجيد والسيئ عند اتخاذ القرار.
يقول بروفيسور ريتشارد ثورب في حديثه الجانبي معي (وهو المشرف على رسالة الدكتوراه التي نعمل عليها): إن ما يحزنني أن يكون قادة البنوك من محاسبين وماليين طرفاً في الموضوع، فطبيعة مراكزهم توجب توافر حالة من أخلاقية ممارسة المهنة، وهي مستأثرة بالحالة المعنوية لكل قيادي يشغل تلك المراكز، وهي حالة محكمة بمعايير سلوكية عالية المواصفات وصعب انتهاكها... ومن المؤسف أنها حصلت وتضرر على ضوئها المساهمين والمستثمرون في تلك الجهات.
عندها سألت: ألا توجد محكمات مؤسسية (Corporate Governance)، ومسؤوليات اجتماعية (Social Responsibilities)، ومعايير للسلوك (Standards) تعمل وفقها هذه الشركات؟ فلو حصلت في إحدى الدول النامية كالكويت وغيرها لكان الأمر مختلفاً لاختلاف ثقافة الشعوب، ولكن الغرب يختلف عنا ونحن نتعلم من الغرب؟
وكان رد البروفيسور: ما عليه... أخبرني عما توصلت إليه بالنسبة لمراجعتك الدراسات الغربية وكيف ترى الفجوة بين ما هو مطبق هناك وثقافة مجتمعكم؟
ومن هنا يبدأ الحديث لكم عما توصلنا إليه، وما يقوم إخواننا من المهتمين بالقيادة والفكر الاستراتيجي في تعليمه لقادة الغد لدينا.
إن نظريات القيادة القديمة ركزت على مواصفات القائد الناجح وكيف تصبح قائداً ناجحاً؟ وتعلم قادتنا مفاهيم قيادية غربية تعددت أشكالها ففيها على هيئة تقارير، مقالات، كتب، وتقارير دورية وغيرها ومعظمها استبدل بمفاهيم جديدة كالقيادة التحولية، والقيادة المؤثرة والقيادة المتزعة والقيادة الأخلاقية أخيراً وغيرها.
الدراسات الغربية معظمها قد جرى تطبيقه على عينات عشوائية من خلال استبيانات، والباحثين الجدد أكدوا أنها لم تلامس روحانية وسلوك ومشاعر المشاركين في الدراسات السابقة ودفعوا إلى وجوب عمل دراسات نوعية من خلال مقابلات شخصية تستشعر ما كان مفقوداً في تلك الدراسات وهو السبب وراء تدهور المنظومات الإدارية لشركات كبرى.
إن التابعين لأي قائد يجدوا فيه مثالاً يحتذى به «فإن كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص والغناء» لذلك صلاح القائد يحدد هوية طبيعة التابعين له وهي سلسلة تتحدر من أعلى الهرم إلى أصغر موظف في المنظومة.
انظروا إلى المستوى القيادي في مؤسساتنا وعاينوا طبيعة النمط القيادي فيها، فنحن في حاجة ماسة إلى معرفة ما يمكن تطبيقه مع الأخذ بعين الاعتبار كل عامل مؤثر في سياق ثقافة أي مؤسسة كالثقافة العامة (معتقدات وقيم) أولاً، وإن لم تكن متوافرة «فسلم على القرارات» فهي غير مبنية على حالة معنوية سليمة.
أذكر أنني نصحت أحد طلبة الدراسات العليا طلب أن يبتعد عن الأنماط البحثية التقليدية وعليه إجراء مقابلات شخصية وجهاً لوجه مع القادة غير الخاضعين لضغوط سياسية فهذه النوعية، أي القادة المتأثرة مناصبهم بالسياسة، قد أثبت أكثر من باحث أن مفاهيم القيادة لا تنطبق عليها: لماذا؟
في الكويت نحتاج لمن ينتشل البلاد من آفة الواسطة والتسييس والمحسوبية في بادئ الأمر، وبعد ذلك يتم رصد المعايير والمواصفات المتماشية مع ثقافة مؤسساتنا، فليس كل ماهو مطبق بالغرب ممكن تطبيقه لدينا.
إن القيادة بين اليوم والأمس قد تم تعديلها وتجديدها لتتفق مع متغيرات المجتمعات الغربية ونحن ما زلنا نجهل الهوية التي تعمل وفقها مؤسساتنا العامة وكثير من الخاص منها، فالقرار بيد صاحب القرار الذي يعتبر الولاء من أهم ميزات المرشح للمنصب بغض النظر عن الكفاءة أو الحالة المعنوية له، فلو كان الأمر بيدي لنصحتهم بأخذ نموذج منتزبرغ حول مواصفات المدير القائد، حيث انه ليس كل مدير قائد و«القائد من دون أساسيات إدارية جيدة يكون أمراً مدمراً للمؤسسة»، كما ذكر جوسلنغ ومنتزبرغ... فالقيادي الإعلامي والذي يعمل بالعلاقات العامة مواصفاته تختلف عن القيادي في الموارد البشرية أو في الحقل الفني وهكذا الحال بالنسبة لبقية التخصصات.
انظروا ودققوا وستجدوا ما سطرناه بإيجاز ماثلاً في مجتمعنا وله اليد الطولى في كل شيء... والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com