| محمد سامي البوهي |
جاء رد الشاعرة المصرية إيمان مرسال في موقع جريدة الراي الالكتروني، و«الفيس بوك» على مقالي المنشور في عدد الإثنين الموافق 19 أكتوبر الجاري تحت عنوان «إيمان مرسال... تصنع جغرافيا بديلة فوق الخطوط الحمراء»، غريباً جداً، وغير مبرر، وكأنها أرادت أن تفسر الماء بعد الجهد بالماء، هذا لأن نقاط اعتراضها على نشر المقال الذي انتقدتُ فيه موافقتها على ترجمة ديوانها «جغرافيا بديلة» إلى العبرية عن مترجم اسرائيلي، وصدور الترجمة عن دار نشر اسرائيلية تدور حولها شكوك كثيرة عن آرائها المؤيدة لفكرة الاستيطتان، وقد جاء ردها كالآتي: «كنت أتمنى أن يتم توضيح أنني رفضت إقامة حوار لجريدة الرأي كما لكل الجرائد الأخرى وصيغة اعتذاري هي التي وضعها الأستاذ البوهي بين قوسين في أول مقالته. بعد ذلك فكل ما كتبه الأستاذ البوهي جاء من حوارات سابقة ومنشورة أو من حوار شخصي معه «وبتصرف» وليس للجريدة. «وهذا الرد لا يؤدي إلا أن أصفع كفاً بكف مبدياً اندهاشي، فكل ما تعترض عليه «مرسال» هو بالفعل مدرج ومصدق بالمقال السالف ذكره، فقد ذكرت رفضها لإقامة حوار معي،أو الرد على أي أسئلة موجهة إليها من قبلي بشكل رسمي بعد أن أكدت لها أنني سأنشر الحوار في جريدة الراي الكويتية وهذا مسجل عندي في الرسائل الالكترونية بيني وبينها، ولم أحجب عنها ذلك ولم أخدعها بتقديم نفسي بصفة أخرى، وإلا كنت نجحت في الحصول على إجابات لأسئلتي بشكل شخصي، وقد ضمنت صيغة رفضها بمقدمة مقالي تضميناً حرفياً، ومنصصاً بعلامات التنصيص المعروفة، وهي نفسها اعترفت بذلك واعترفت بأن هذا الكلام منسوب إليها بالفعل، فأين تكمن المشكلة إذاً، فهي بردها هذا تناقض نفسها وكأنها تريد أن تترك رأس الموضوع وتمسك بالذيل، أما ما نقلته من حوارات دارت على لسانها في صحف أخرى فقد نقلته بكل ما يستوجب أمانة النقل من تنصيص الكلام المنسوب إليها، وذكر لأسماء المصادر، والصحافيين أصحاب الحوارات وبهذا أظن أنني التزمت بالأخلاق الصحافية التي تتهمني بمخالفتها، وتحاول بذلك التشكيك في مصداقيتي، لتفريغ القضية وتحويل مجراها إلى قضية مخالفة أخلاق صحافية، لا مخالفة أخلاق عربية ارتكبتها هي، فتجذب تعاطفاً زائفاً من مسانديها، وتبعد الأنظار عن صلب الموضوع محور المقال، ومحور الضجة المثارة ضدها، والغريب في الأمر أنها تنفي عن نفسها تهمة الإدلاء بالتصريحات الصحافية لأي جهة رسمية، وحرصت على تأكيد ذلك أكثر من مرة بشكل يثير الكثير من علامات الاستفهام، لماذا لا ترد إيمان مرسال على التصريحات والمقالات المناهضة لموقفها بشكل رسمي؟ هل لأنها لا تعتبر نفسها متهمة فعلاً؟ أم أن هناك شيئاً آخر لا نعلمه يمنعها من حق الرد، ويلزمها الصمت؟
نعود إلى صلب الموضوع ولا نحاول الانجراف إلى تفريعه كما أرادت هي، والسؤال الآن : لماذا ديوان «جغرافيا بديلة» بالذات الذي اختاره البروفيسور الاسرائيلي «ساسون سوميخ» لترجمته إلى العبرية، وإعطائه كل هذا القدر من الاهتمام في وسائل الإعلام الاسرائيلية؟ فقد ذكر المترجم في تقديم الديوان كما ورد بجريدة المصري اليوم بأن ديوان «جغرافيا بديلة»: «ابتعدت قصائده عن معالجة القضايا الأيديولوجية والسياسية، وتمحورت حول العلاقة بين الوطن والمهجر، وأحوال العائلة المصرية، وتدهور أوضاع المرأة، والعلاقة بين الشاعرة والمثقفين المصريين أثناء عملها بالصحافة الأدبية، وتحركها فى دوائر اليسار، وكل ذلك يتم عبر منظار شعري يختصر المسافات، ويجسد رحلة الإنسان المهاجر الذي خرج للبحث عن «جغرافية بديلة» تعالجه وتشفيه، فافتقد دفء الوطن، وزادت الرحلة من معاناته وشقائه الإنساني. «وهنا نجد أنفسنا ندخل إطاراً جديداً من العلمانية الثقافية بفصل الثقافة، والمثقف نفسه عن الوطن، وهذا ما يريد أن يجذبنا إليه البعض من المثقفين بدعوى الليبرالية، وهذا ما أكدته إيمان مرسال في حوارها مع جريدة الجريدة عندما سألها الزميل أحمد جاد: كيف تستلهمين موضوعاتك في المهجر؟ فأجابت: «كندا بالنسبة إليّ ليست «مهجراً»، إنها مكان آخر أعيش فيه «وجاء تصريح «ساسون سوميخ» في إذاعة صوت إسرائيل يعتذر فيه بكل تبجح عن تلك الضجة التي أثارتها ترجمته لديوان مرسال في مصر، معرباً عن حزنه لرفض المصريين التطبيع مع اسرائيل، أي أنه يعترف ضمنياً بأن الترجمة هي نوع من أنواع التطبيع، وهذا ما صرح به الدكتور جابر عصفور الذي يرأس المركز القومي للترجمة في مصر، مؤكداً عدم التعامل مع أي ناشر أو مترجم اسرائيلي، لأنه يعتبر ذلك نوعاً من أنواع التطبيع، وأنه سيسعى للحصول على موافقة ناشرين باللغة الانكليزية أو الفرنسية في دول أخرى غير إسرائيل للحصول على حق الترجمة منها، لكن إيمان مرسال وغيرها يعتبرون أن الترجمة في حد ذاتها لا دخل لها بالتطبيع، ولكن السؤال الآن يطرح نفسه: هل علينا أن نقبل ترجمة أي نص حتى لو كان يظهر سوءاتنا كعرب؟ وهل علينا قبول الترجمة من أي جهة حتى لو كانت جهة رسمية اسرائيلية؟ وهل علينا قبول أي ترجمة حتى لو كان المستفيد منها هو الفرد الإسرائيلي وحده؟ في النهاية أنا لا أشكك في وطنية أحد، ولا أوزع رحمة الوطنية على أحد كما ذكرت إيمان مرسال، ولكني أحاول التحقق، للوصول لإجابة: هل حقاً أصبحت اسرائيل أمرا واقعاً يجب التعامل معه رغم أنف أمل دنقل وزملائه، ورغم أنف الثرى المبلل بدماء الشهداء؟

blkbohy@hotmail.com