تتداخل معاني الإصلاح التي تحمل في طياتها رغبة الإفساد، ويلتحف الخير بالشر، وتتضافر قوى الأخير لتخريب الأسرة المسلمة التي تمثل نواة المجتمع الصالح في الأمة المسلمة.
وقد بدأت محاولات تخريب العلاقة بين المرأة والرجل في ظلال بيت يقدم لمجتمع مسلم منذ أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري العام 23 وجعلت أول أهدافه منع الزواج بأكثر من واحدة! ثم أسست حزبها النسائي العام 45 لذات الهدف، وأكملت درية شفيق من خلال حزب بنت النيل مسيرة التخريب وفصم العلاقة الزوجية عما أراده الخالق لمن خلق.
فالمعركة طويلة ومستمرة بين الذين يريدون فرض القيم الغربية في بلاد المسلمين وبين المقاومين لم تنته بعد، وتجيء محاولات تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية في مصر التي يتولاها دعاة التغريب لتصب في اتجاه ما يطلقون عليه «العصرنة» و«قيم الحداثة».
والعجيب أن سن تلك التعديلات جرى بعيداً عن المؤسسات الدينية المنوط بها أمر النظر في القوانين التي تحكم إيقاع الأسرة من خلال الشريعة الإسلامية، أو العلماء والفقهاء المعتبرين، لكن الصادم أن الذي قام على أمر تلك التعديلات حتى أوصلها البرلمان المصري جمعيات نسائية وأخرى تعني بحقوق الإنسان ممن لا يجيدون معرفة شروط الطهارة شرعاً أو الوضوء الصحيح!
كانت حجتهم منذ قديم الأزل أو قل منذ بدأت المعركة إلغاء التمييز ضد المرأة والاهتمام بقضايا المرأة، وجميع الفعاليات التي انعقدت بمصر طوال الأعوام الأخيرة لتنفيذ الأجندة الدولية في مصر هي منظمات دولية المفترض أنها تعني بحقوق الإنسان... فالفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان ومقرها باريس عقدت مؤتمراً في القاهرة تحت شعار «القضاء على التمييز ضد النساء في الدول العربية»، ومنظمة «هيومان رايتس وتش» الأميركية لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً تحت شعار «تمييز ضد النساء في حق الطلاق في مصر» أي يتعرضون لأمور مقررة في الشريعة الإسلامية! هذه المساعي الدولية الخبيثة انطلقت ساعية لتنفيذ مقررات مؤتمرات السكان الدولية التي انعقدت تحت مظلة الأمم المتحدة في بوخارست 74، وفي القاهرة 94، وفي بكين 95، وصدقت عليها كثير من الحكومات العربية مثل الحكومة المصرية، وللأسف فإن الشغل الشاغل لمقررات تلك المؤتمرات هدم أركان البيوت المسلمة وتخريب العلاقات الزوجية فيها.
وإذا كان بعض الجمعيات تعمل مستترة تحت شعارات القضاء على التمييز ضد المرأة ليخدعوا المرأة العربية المسلمة، فإن القائمين على مقررات مؤتمرات السكان خرجوا بصورة أكثر سفوراً وجرأة يدعون إلى الإباحية الجنسية، وإطلاق الحمل خارج إطار الزواج، وإباحة الإجهاض، وزواج المثليين، وحق الإنسان في تغيير هويته الجنسية، والتحول من ذكر إلى أنثى والعكس، والاعتراف بحق الشواذ، وحق المرأة والفتاة في التمتع بحرية جنسية آمنة مع من تشاء وليس بالضرورة في إطار الزواج.
جاء المشرعون الجدد في بلادنا ليقدموا للمجتمع تعديلاً مقترحاً لقانون الأحوال الشخصية يرمي إلى تحقيق هذه المساعي أو المقررات بصياغات أقل جرأة، فقالوا نريد رفع سن الزواج وتجريم زواج الفتاة أقل من 18 عام! طبعاً هم يريدون تحقيق مقررات «وثيقة بكين» التي تحدثت عن إباحة العلاقة الجنسية الآمنة! واضعو تعديل القانون يريدون نقل الثقافة الغربية إلى العالم الإسلامي. كما أوضح الدكتور رأفت عثمان في تعليقه على هذا التعديل الكارثي، وهو تعديل مرفوض تماماً من الناحية الشرعية، وفي الإطار نفسه أو فلسفة التعديل المقترح يسعى إلى تقييد إمكانية تعدد الزوجات! رغم ارتفاع معدلات العنوسة في مصر التي حددتها إحصاءات رسمية بـ «14» مليون عانس في مصر، لا يجوز أبداً تقييد هذا الحق بقانون وضعي لأن الشريعة أباحته بقول الله سبحانه: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة». لكن المولى سبحانه أبان في الآية نفسها: «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك» أو ذلك معناه، لا ينبغي النظر إلى التشريع المقترح الذي يرمي إلى تقييد عدد الزوجات باعتباره اجتهاداً فلا يجوز الاجتهاد مع النص.
نقاط أخرى كثيرة تخالف الشريعة في التعديل الكارثة، مثل إلغاء الطلاق الغيابي ومنح الزوجة حق توثيق طلاقها في المحكمة بالاستعانة بشاهدين... وقد حذر «مجمع البحوث الإسلامية» من إعطاء المرأة حق ادعاء تطليق زوجها لها لأن الذمم الخربة وتغير الأخلاق يعطي الفرصة للزوجة الادعاء كذباً وكتابة عنوان وهمي.
يمكن لهؤلاء أن يتكلموا في جواز قيادة المرأة لسيارتها، أو في حق المرأة في التصويت أو الترشيح في الانتخابات... تلك أمور يجوز الحوار فيها، لكن التعرض بالتشريع في أمور هي خالصة لله تعالى فلا يجوز لأي جهة أن تتدخل في تقرير الحظر أو الإباحة إلا بأدلة الشريعة.
العام 79 حاولت حرم الرئيس المصري الراحل السيدة جيهان السادات تمرير مشروع قانون مماثل يتضمن تعدياً على الشريعة، لكن كان للأزهر شيخ، وكان هناك رجال من العلماء زمجروا وعبروا عن غيرتهم حتى تم إحباط المشروع. فليكن للدين رجال يقولون كلمة حق يحبطون به محاولات مشبوهة لم تزل تحاول أن تفسد على الناس دينهم ودنياهم.

منتصر الزيات
كاتب ومحام مصري