روى لي أحد الثقات في أواخر الثمانينات أن الشيخ عمر الأشقر سئل في درس عن مدى شرعية «ستايل» جديد من الحجاب بدأ في الانتشار وقتها، وهو ما كان يسمى في تلك الفترة بحجاب (بوتنته)، وهو أن تظهر المرأة مقدمة شعرها، المهم أن الشيخ الأشقر رد على السائل بأن يكف عن هذا السؤال لأن القضية الآن، في وقتها بالطبع، ليست قضية شعر بسيط يخرج من تحت الحجاب، بل القضية قضية نحور، وصدور، وسيقان، وما فوق السيقان!
تذكرت هذه الحادثة بعد ما أثاره النائب المحترم محمد هايف بشأن حجاب النائبتين المحترمتين رولا دشتي وأسيل العوضي، وليسمح لي النائب الفاضل بمناقشته في ذلك الموضوع الذي أثار ضجة في غير محلها ولا توقيتها:
أولا: أنا أرى أن الحجاب واجب على المرأة المسلمة حسب الشروط المعروفة، كما أن إنكاره والاستهزاء به يعتبر إنكاراً لمعلوم من الدين بالضرورة، كمن ينكر وجوب الصلاة، أو يقول إن الخمر والربا حلال، وحكم من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة معلوم عند أهل العلم والمسلمين.
ثانياً: لو افترضنا جدلاً أن المحكمة الدستورية قضت بالأخذ بالفتوى الشرعية كتفسير لقانون الانتخابات، وحكمت بإلزام النائبتين بالحجاب الشرعي كاملاً، فماذا عن الآلاف المؤلفة ممن هن خارج المجلس ممن لا يرتدين الحجاب ويمارسن التصويت وقت الانتخابات.
ثالثاً: ألا يعلم النائب الفاضل أن الأمر سيتعدى النائبتين إلى الناخبات غير المحجبات، ولا أعني هنا ممن لا تغطي شعر رأسها فقط، ولكن كل من لم تلتزم بالحجاب الشرعي، وهنا تدخل المرأة ذات حجاب (بو نفخة)، وتندرج تحتها المنقبات اللاتي يُظهِرن من زينتهن أكثر مما يخفين، من خلال عباءة ضيقة ومزركشة ونقابات مثيرة، تحيل القبيحة الدميمة إلى ملكة جمال في أذهان الكثيرين، أليس كذلك؟!
رابعاً: يا أبا عبدالله... إن دور نائب الأمة يختلف عن دور الإمام والخطيب، فوضعك كسياسي ومشرع تحت قبة البرلمان يتعدى مسألة إقامة الحجة والدليل، لأن من سكن الكويت ودرس في مدارسها وعاش بين أهلها، بل حتى أهل الغرب والشرق من الدول التي تتواجد فيها جاليات إسلامية، يعلمون أن الحجاب الشرعي واجب، وهو شعيرة من شعائر الإسلام، لا ينكر ذلك إلا من في قلبه مرض، وكان إلهه هواه.
خامساً: لا يصلح أن يفرض الحجاب فرضاً من خلال قانون في بيئة مثل الكويت حتى لو تمسكنا بنصوص دستورية أو مواد قانونية، وكيف تفرضه خارج المجلس، وداخل البيوت، بل كيف تفرضه خارج دولة الكويت، إن المسألة يا سيدي الفاضل مسألة اقتناع، ولعلك يا أبا عبدالله ساهمت حالياً في زيادة عناد بعض من أخواتنا الفاضلات من غير المحجبات، ممن في قلوبهن خير كثير، وحب للدين وأهل الخير والأعمال الصالحة... وهن كثر.
سادساً: بعض المنكرين والمعارضين للحجاب وجدها فرصة سانحة لبث أفكاره، وأنه حرية شخصية والمسألة مختلف فيها، وأن هذا الأمر فيه تعد على اختيارات الأفراد، مما يناقض أبسط قواعد الدستور، والمهم في المرأة أخلاقها وليس قطعة قماش تستر شعرها، وغير ذلك من ترهات فكرية تخالف أبسط قواعد الشرع، وهؤلاء لا يجب مناقشتهم في الحجاب أصلاً لأن بعضهم ينكر حجية القرآن والسنة من الأساس، فالنقاش معه مضيعة للوقت وتبديد للجهود.
سابعاً: أعتقد أن النواب الإسلاميين يتفقون في كثير من القضايا مع النائبتين كالقضايا الوطنية والأخلاقية والاقتصادية والتنموية، ولو ركزوا على تلك القضايا لكان الأمر أفضل.
ثامناً: أتمنى يا أبا عبدالله أن تركز مع إخوانك النواب المحافظين على تطبيق أكثر حزماً في قانون منع الاختلاط في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، وكذا السعي إلى منع الاختلاط في المدارس الخاصة فهو أشد وأنكى خصوصاً لمن هم في مرحلة المراهقة.
تاسعاً: أرجو يا أبا عبدالله أن توجهوا جهودكم مع زملائكم من النواب المحافظين وهم كثر نحو إصدار قانون يفرض الاحتشام في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة.
عاشراً: من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن الأمر إذا قاد إلى منكر أكبر منه فهو حرام، لأن النتيجة خالفت المقصود منه، وكلنا يعلم أن إثارة هذا الموضوع بهذه الطريقة وبهذا التوقيت لن يؤدي إلى نتيجة، بل جرَّنا إلى صراع نحن في غنى عنه.
الحادي عشر: أؤكد مرة أخرى انني لست ضد الحجاب، كما انني أثق بصدق نيتك، ونبل مقصدك يا أبا عبدالله، ولكني أرى المسألة من وجهة نظر أخرى، فالكويت مليئة بالدعاة والمصلحين، ممن يمكن أن يقوموا بمهمة الدعوة إلى الحجاب الشرعي وغيره من الفضائل من موقع أفضل مما أنت فيه حالياً، ولربما تقوم أنت بما لا يستطيعون هم القيام به من التشريع والرقابة لأمور لا تقل أهمية عن حجاب نائبتين فقط.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وسدد على الخير خطاكم، نقطة آخر السطر.
في الأفق:
قاعدة تربوية: نريد بالمكث ما تريد بالحث.


د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com