| ترجمة وتعليق حمد العيسى * | البروفيسور روجر آلن... هو أول طالب يحصل على الدكتوراه في الأدب العربي المعاصر من جامعة أوكسفورد العريقة عام 1968. وهو حاليا أستاذ «اللغة العربية والأدب المقارن» ورئيس قسم «اللغات وحضارات الشرق الادنى» في جامعة بنسلفانيا الأميركية. وهو مؤلف كتاب «الرواية العربية»، الطبعة الثانية، 1995. و«مقدمة للأدب العربي»، 2000، وهو ايضا مترجم للعديد من الأعمال الأدبية العربية بما في ذلك خمس روايات لنجيب محفوظ رحمه الله. وهذه الورقة تم تقديمها لتنشر في عدد خاص (من دون تاريخ) من نشرة «وجهات نظر» («يو بوينتس» View Points) بعنوان «حالة الأدب والفنون في الشرق الأوسط» التي يصدرها بصورة غير دورية معهد الشرق الأوسط The Middle East Institute الاستشراقي الشهير في واشنطن دي سي. وحسب بحث المترجم، يبدو أن الورقة كتبت في صيف 2008. هذا وقد أضاف المترجم ملحقا بعد الورقة عبارة عن ترجمة لرسالة الدكتورة الدكتورة مارلين بوث، مترجمة «بنات الرياض» إلى الإنكليزية التي أرسلتها إلى ملحق تايمز الأدبي TLS بجريدة تايمز اللندنية حول اشكالية ترجمة هذه الرواية.
الورقة:
عندما كنت أشارك في مؤتمر الرواية العربية في إمارة الشارقة عام 2008 سألني صحافي عربي خلال مقابلة معي عن رأيي في رواية صدرت لها عدة طبعات عربية أخيرا وهي «بنات الرياض» لرجاء الصانع وقبل أن أجيبه، سألته: لماذا اختار هذه الرواية بالذات. أجابني قائلا: إنه كان من ضمن نقاد عدة مهتمين بأنماط الرواية العربية الحديثة والذين أدهشهم كيف ان رواية كتبتها طبيبة أسنان سعودية عمرها 23 سنة فقط، على هيئة رسائل الكترونية متبادلة بين 4 فتيات يعشن في السعودية أصبحت، تستحق الترجمة والنشر باللغة الانكليزية وبواسطة ناشر شهير ليس أقل من «بنغوين بوكس»!
أجبته ان هذه الرواية يمكن تشخيصها كنوع من «البوح الفضائحي» lid-off وتعرية المجتمعات في كتابات الشرق الاوسط، أي أنها رواية يتلهف على خطفها الناشرون الغربيون، لكي يمونوا سوقا من القراء الفضوليين المهتمين جدا بالحصول على إضاءات «لعالم غامض ومغلق بالنسبة لهم». أيضا أشرت إلى أن «بنات الرياض» نقدتها الصحافة الأدبية البريطانية باستمرار وقسوة حول امر جوهري وهو التشكيك في انتمائها لجنس الكتابة الخيالية Fiction (تعليق المترجم: أي عدم انتمائها للجنس genre الأدبي المسمى «رواية»، ولهذا قد يصح وصفها كـ «كتاب» لا «رواية»! صورة مع التحية لمعالي الدكتور غازي القصيبي، وطبعا لا ننسى أستاذنا الدكتور عبد الله الغذامي) وأن هذا العمل يبدو جزءا من ظاهرة عريضة في عالم النشر، وهي ظاهرة تفرض تحديات مثيرة ومهمة لمعايير التقييم النقدي، خصوصا في مجال «البين - ثقافي» intercultural في عالمي الترجمة والنشر.
بالإضافة إلى ذلك، اقترحت عليه عملين آخرين: «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغنامي، و«عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الاسواني وهو مثل الصانع طبيب أسنان أيضا! وهما عملان يثيران قضايا مشابهة. وبعد شهر واحد من هذه المحادثة استخدم الدكتور تيتز روك من جامعة غوتبورغ بالسويد هذا الثالوث الروائي نفسه ليشرح فكرة «انبعاث البست سيلر العربي» في بحث قدمه للمؤتمر الاوروبي الخاص بأساتذة الأدب العربي المعاصر عقد في مدينة أوبلاسا بالسويد.
هنا أيضا نجد انفسنا نواجه حالة بها 3 روايات من مناطق مختلفة في العالم العربي حصلت على تقييمات نقدية متفاوتة من مجتمعاتها النقدية المحلية، ومع هذا، بل وبالرغم من ذلك، باعت جميعها نسخا كثيرة جدا بالعربية بطريقة غير معتادة، وبعد ذلك، ترجماتها باعت أيضا بطريقة ممتازة للغاية في الاسواق الغربية.
وبينما كما أسلفت لست مهتما هنا بتقييم هذه الروايات الثلاث، من المهم أن أذكر إنه من بين هذه الروايات العربية البست سيلر الثلاث فإن رواية مستغانمي حصلت على أكثر استقبال إيجابي من مجتمع النقاد الغربيين على الأقل في نقاش محتواها. ويجب التنويه كذلك أن الأسواني كان موضوع مقال مهم في مجلة الأحد لجريدة نيويورك تايمز بعنوان «من أين يكتب علاء الأسواني» في 27 أبريل 2008.
في الفقرات التالية، أود ان افحص هذه الحالة بتفصيل اكثر، وعند فعل ذلك، المساحة لا تكفي لإضافة رأي إضافي عن التقييمات النقدية الأخرى التي ظهرت بالفعل. وبدلا من ذلك سوف أركز على بعض المضامين لحالة يكون فيها جمهور القراءة العام لكل من الرواية الاصلية والمترجمة يبدو أنه يصل إلى استنتاجات تقييمية عبر تطبيق معايير مختلفة للغاية عن مجتمعات النقد المحلية سواء في المجال الأدبي العام أو الأكاديمي.
وفي مقاربة نظرية للقضايا المطروحة، أتذكر أنه في مؤتمر أوبلاسا المذكور سابقا، لفت الدكتور ستيفن غوث من جامعة اوسلو الانتباه لمشروع جديد عن «ما بعد بعد الحداثة» post postmodernism. وضمن سياق الرواية العربية، لاحظ «عودة» أنماط كتابة تقليدية لـ «ما قبل بعد الحداثة» للواقعية النقدية، والكرونولوجي (الزمن) البسيط، وعدم التشظية، والراوي العليم» بينما كما قلت سابقا يأتي هؤلاء الروائيون الثلاثة من مناطق مختلفة من العالم العربي وينتهجون طرقا مختلفة للسرد إلا أنهم متحدون في تجنب الغموض، والشك، وتعقيد الأسلوب وتعقيد الجنس الأدبي genre الذي يعتبر خاصية مميزة للإنتاج الروائي العربي في السنوات الاخيرة وبواسطة كتاب مختلفين تماما مثل إلياس خوري وابراهيم نصر الله وإبراهيم الكوني على سبيل المثال لا الحصر.
خلال عقد الثمانينات عرّف الروائي المصري إدوارد خراط خاصية اخرى خلال المناقشات النقدية عن الحداثة عندما ابتكر مصطلح «الحساسية الجديدة» لكي يصف موضات حديثة في أنماط كتابة الرواية العربية لعل أهمها العودة إلى الكتابة «عبر النوعية» trans-generic للجنس الأدبي، والتعقيد الأسلوبي المتعمد (مقدما أمثلة عديدة في إنتاجه الروائي)، وفي سياق كهذا فإن الروايات الثلاث السابقة يبدو أنها بالفعل تقدم «عودة إلى التقليد» (مستعملين وصف غوث)، وابتعادا عن الغموض والتعقيد لرواية ما بعد الحداثة، والتحول من الاسلوب الحواري إلى دور الراوي والسرد في الرواية (إذا استعملنا مصطلح ميخائيل باختن الشهير) لصالح أسلوب المونولوج. بينما بعض هذه الروايات يستخدم السرد لوصف وجود أكثر من صوت، وهذه دعوة للقارئ لكي يرتاح ويترك السارد يروي له بدلا من أن يشرح له.
ومع هذا وضمن المستوى النظري، فإن عددا من القضايا تبرز بخصوص ترجمات هذه الروايات، وأسباب اختيارها وعمليات الترجمة ذاتها.
واتذكر هنا المقال الشهير عن طريقة الترجمة للفيلسوف الالماني فريديرك شلايرماخر الذي اقترح احد الاحتمالين: «إما أن يترك المترجم المؤلف بسلام قدر الإمكان وينقل القارئ نحوه. أو يترك المترجم القارئ بسلام قدر الإمكان وينقل المؤلف نحوه».


* كاتب ومترجم سعودي
hamad.alissa@gmail.com


* الكلمات الموضوعة بين هلالين، كذا (...)، هي للمترجم. كما أن علامات التعجب/ التأثر من وضع المترجم أيضا.
* إهداء من المترجم إلى الروائية الكويتية المبدعة ميس خالد العثمان.