بعد أكثر من ثلاثة عقود على دراسة هوفستد (1970 1980) عن ثقافة عمل المؤسسات حول العالم والتي ظهرت نتائجها بعد ضم الدول العربية إلى القائمة في العام 1983، ما زالت الكويت على السمات القيادية نفسها.
تشير الدراسة إلى أن المجتمعات العربية (بما فيها الكويت) تقع تحت مظلة المجتمعات ذات ثقافة العمل الجماعي (Collectivist Society) والتي تبين أن كل فرد في مؤسسة العمل مجبر على الاهتمام في متابعة احتياجات / أفكار المجموعة التي ينتمي إليها، والقائد له اليد الطولى ولا يشاركه أحد رغم من أن معظم الدول المتطورة تحررت من هذا الفكر، وتحولت إلى العمل بالفكر الاحادي/ الأناني في الرأي (Individualist Society) أي أن الفرد يعبر عن قناعاته حتى وإن خالفت المجموعة، وأعضاء المجموعة يتقبلون هذا الاختلاف للمصلحة العامة للمجاميع بوجه أشمل.
ولو نظرنا إلى اطروحات الجهتين التشريعية والتنفيذية نجد التباين الذي وصف بعض النواب تحت تأثيره وزير المالية بعد تمسكه بـ «المعسرين» بالمعاند والمكابر: لماذا؟ هذا الأمر فقط بالنسبة لوجهة نظر بعض النواب حول «إقرار المديونيات»... ولو نزلنا الى العمل المؤسسي في وزارات الدولة، فإن نتائج دراسة هوفستد قد برهنت استمرار العمل المؤسسي لدينا بالفكر والثقافة نفسيهما قبل قرابة ثلاثة عقود من الزمان رغم أن الاقتصاد، التكنولوجيا، ووسائل الاتصال قد تغيرت نماذجها، وانفتحت الأسواق العالمية ليصبح العالم قرية واحدة.
والمثال هنا نلاحظه في سلوك وزارة الأشغال التي شكلت لجنة رقابية دائمة على مشاريع القطاع الهندسة الصحية (الصرف الصحي)، مع العلم أن الرقابة أمر مفروض اتباعه ولا يحتاج لظهور كارثة كي يتم تشكيل لجنة رقابية دائمة: فماذا عملت الحكومة في وزارات الاشغال (بقية القطاعات)، الصحة، التربية، وغيرها، بالنسبة لمراقبة المشاريع؟
الكل ينظر إلى نفسه أنه القائد ولا يشاركه القيادة كائن من كان، ويسمح بمشاركته في بعض القرارات أعضاء المجتمع المحيطة به، وهذا الفكر الثقافي يعد سبباً لتدني وتراجع مستوى الشفافية بالنسبة للبلد ككل حيث المعايير تطبق على كيفية التعامل مع طبيعة اتخاذ القرار والوضوح في التعامل مع القضايا العالقة.
لذلك نجد أن الكويت في حاجة إلى تفعيل العمل المؤسسي وفق ثقافة البعد المنخفض لسلطة القرار (Low Power Distance Culture) بجانب الفكر الأحادي، وهذا التحول يعطي الفرد ضمن المجموعة الحق في ابداء رأيه، ومنحه حرية إبداء الرأي تجاه القرار المتخذ دون خوف من سطوة صاحب القرار التي يعتقد القائد في مجتمعنا أنها خاصة فيه ولا يشاركه أحد فيها. أما على مستوى القيادة السياسية، فنعتقد بأن النواب مطالبون بالبعد عن استخدام مفردات تدفع ببعض الوزراء إلى حيز المكابرة والعناد، فالعمل بين السلطتين مرتبط بعلاقة دستورية، وحينما يلاحظ النائب وجود خلل فالأدوات الدستورية متوافرة بالإمكان استخدامها دون تصعيد إعلامي يؤثر على صفو العلاقة، وعلى الحكومة أن تلتفت الى هذا التصعيد ومسبباته بعيداً عن التضامن الوزاري الصرف!
إنها مسطرة المثالية التي نبحث عن الامساك بها كي نوقف مسيرة التوتر والاحتقان، انها مسطرة تقول للمخطئ أنت مخطئ وتحاسبه، وتوفر للمجد المساحة للعمل والابداع، وهذه المسطرة صعب العمل بها ما دامت النفوس غير صافية، وخيوط اللعبة يمسك بها البعض ولا يسمح بمشاركة الآخرين في التدخل خاصة في شؤون تهم العامة. والله المستعان!


تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com