لا يتوقف البعض عن إلقاء اللوم على مجلس الأمة وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع في هذا البلد، والترويج لفكرة حل المجلس وتعليق بعض مواد الدستور وتفرد السلطة التنفيذية بإدارة البلاد، وأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للخروج من الوضع الحالي للبلد. أتت قضية التجنيس الأخيرة بمثابة رد جديد ومن أرض الواقع على هؤلاء ولتضرب مثالاً واضحاً لكيفية إدارة البلد تحت ظل هذه الحكومة وبهذه العقلية التي تنتهجها، أو بمعنى أصح بهذه الإمكانات التي تمتلكها، فالتخبط كان واضحاً للجميع، والتجاوزات التي كانت تمتلئ بها كشوف التجنيس كانت مثل الشمس في وضح النهار، وتراجع الحكومة تحت ضغط الرقابة البرلمانية عن الكثير من التجاوزات في تلك الكشوف كان دليل إدانة قبل أن يكون دليل تأكيد، ولك أن تتخيل كيف سيكون شكل كشف التجنيس لو أنه لم تكن هنالك رقابة برلمانية يخشاها الوزير ويضع المسؤول لها حساباً؟ لنرجع معاً إلى ذلك التاريخ الطويل من عمر مجالس الأمة منذ بداية الستينات وحتى اليوم، ونعيد تقييم القوانين التي ضغط المجلس بقوته كلها في سبيل إقرارها ونقارنها مع القوانين التي حاربت وناضلت من أجلها الحكومات السابقة والحكومة الحالية، وسنجد أن غالبية المكتسبات الشعبية التي ينعم بها المواطن الكويتي لم تكن لتأتي لولا وجود هذا المجلس! قوانين مثل تأميم النفط وقانون التأمينات الاجتماعية ورعاية المعاقين ودعم العمالة الوطنية وقانون ديوان المحاسبة وقوانين حماية الأموال العامة وقانون تأسيس شركة اتصالات لكسر الاحتكار وغيرها من القوانين التي كانت ومازالت تصب في مصلحة المواطن، وبالإضافة إلى الدور الرقابي المهم الذي يلعبه مجلس الأمة. وفي المقابل ما الذي جنته الكويت وشعبها من تفرد الحكومة بالدورين التشريعي والتنفيذي في غياب مجلس الأمة؟ التاريخ الذي لا يجامل يسطر لنا قائمة طويلة تبدأ بأزمة سوق المناخ الاقتصادية واختلاسات الناقلات والاستثمارات ولا تنتهي عند أكبر كارثة مرت على هذا البلد ألا وهي كارثة الغزو العراقي!طريقة تعامل الحكومة الحالية مع ملف التجنيس ليست إلا جزءاً بسيطاً من مسلسل طويل من الإخفاقات الحكومية المتواصلة ودليلا آخر على أن المعضلة الكبرى لم تكن أبداً في مجلس الأمة ولا في الدور الذي يلعبه نواب وممثلو الشعب، بل في سوء الأداء الحكومي الذي قاد البلد إلى الانحدار، وغياب الرقابة البرلمانية عن مثل هذه الحكومات المتخبطة والضعيفة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانحدار.
سعود عبدالعزيز العصفور
كاتب ومهندس كويتي salasfoor@yahoo.com