| وليد الرجيب |
هذا عنوان كتاب للشيخ عبد الجليل عيسى، عميد كليتي اللغة العربية وأصول الدين، وعضو مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر الشريف، «1888م 1984م»، وهو كتاب عقلاني يبحث في نقاط الخلاف وأصولها بين المذاهب الاسلامية المختلفة، والكتاب متاح لمن يريد قراءته، أو تحميله من الانترنت.
ويقول الشيخ عبد الجليل في مقدمة الكتاب: «كان بعضهم يفهم الآية أو الحديث فهماً، ويفهم غيره فهماً آخر، فيناقش كل صاحبه بالتي هي أحسن، فان كانت النتيجة اتفاقاً حمدا الله تعالى، وان كانت الأخرى عذر كل صاحبه، وانصرفا صديقين متحابين، ثم خلف من بعدهم خلق قدسوا هذه الآراء، وبالغوا في التعصب لها، والطعن فيما سواها، فتشعبت بهم الطرق، وتعرجت المسالك، وأبعدتهم عن الأصل (الكتاب والسنّة)، وتعادوا كما يتخاصم ويتعادى أتباع الديانات المختلفة». انتهى الاقتباس.
ويذكر عبد الجليل عيسى العديد من نقاط الخلاف الثانوية بين المسلمين، والتي لا تحتاج الا الى استخدام العقل والمنطق، مثل جواز تخليل اللحية أثناء الوضوء، والتسمية عند الوضوء، وحلق اللحية، ووصل الأمر الى التشكيك بايمان المذاهب لبعضها وتكفيرها، ففي فصل «بعض آثار هذه الخلافات المحزنة»، يذكر المؤلف أن أحد رجال الدين أفتى عندما سأل: «هل يجوز للحنفي الزواج من امرأة شافعية؟»، فأفتى: «يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية لا على أنها مؤمنة، بل بقياسها على الكتابية (اليهودية أو النصرانية)، التي تجوز للمسلم بالاتفاق» ص 71.
وللعلم أن للشيخ عبدالجليل مؤلفات عدة منها «المصحف الميسر»، وهو تفسير رائع وعقلاني للقرآن الكريم، لا يتمسك فيه بظواهر اللفظ، ويقرب الانسان من دينه، ويبسطه له، ولكنك ان بحثت عنه في المكتبات الاسلامية- في شارع بن خلدون- لن تجده، وكأنه كتاب محرم، كما أن له أيضاً كتابا بعنوان «اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم»، وهو منوه عنه في الانترنت، والمفترض أنه متاح للقراءة، ولكني زرت بعض المواقع، من أجل تحميل هذا الكتاب، فوجدت الملحوظة التالية باللغة الانكليزية، «أزيل الكتاب نظراً لمحتواه»، وهنا أعود للتذكير بأن المؤلف كان عميد كليتي اللغة العربية وأصول الدين، وعضو مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر الشريف.
ومثل هذا الكتاب، هناك كتب كثيرة في التفسير وغيره من الشؤون الدينية الاسلامية، تكاد تكون ممنوعة في بعض البلدان الاسلامية، رغم رصانتها العلمية، أو على الأقل مغيبة وغير متاحة للقارئ، بيد أن هذا التغييب يأتي من النفوذ الديني للجماعات المتشددة، والتي تؤثر حتى في قرارات وقوانين الحكومات، مثل منع بعض الكتب الدينية وغيرها، والتي تخالف آراءها من البيع في معارض الكتب.
وللمتتبع للكتاب الاسلاميين في الصحافة هذه الأيام، لا يجد مثلاً استشهادات بآراء الشيخ محمد عبده، خصوصا في موضوع شرعية الحجاب والنقاب، حيث قال ان «لا نص في الاسلام يوجب النقاب والحجاب «المجلدات - دار الشروق»، انما هي عادة اجتماعية عرضت عليهم من مخالطة الأمم فأخذوا فيها وبالغوا وألبسوها لباس الدين، كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء... وتغطية الوجه هي من العادات القديمة السابقة على الاسلام والباقية بعده» انتهى.
وواضح تماماً أنه صراع بين العلماء العقلانيين والمتشددين والأكثر تشدداً في الدين، كما هو حاصل دائماً، ففي نصف القرن الماضي وربما أبعد قليلاً، أصبح هناك نزوع أكثر نحو الانغلاق والغلو في الدين، واستبعاد كل ما هو عقلاني، وهناك حرب ضارية ضد مظاهر التسامح الديني والفرح وحتى البشاشة والابتسامة، والاخاء بين الشعوب والأديان. فالكويتيون السنّة الذين نزحوا من نجد وأرجاء الجزيرة العربية منذ مئات السنين كان معظمهم يتبع المذهب المالكي، وهو مذهب متسامح نسبياً، وأصبح هذا المذهب لاحقاً مذهب الدولة، لكن من نزح في بدايات القرن الماضي أو قبلها بقليل، كان كثير منهم يتبع المذهب الحنبلي، وهو مذهب الشيخ محمد عبد الوهاب، والذي يعتبر مذهباً متشدداً كما هو معروف، يرى أنه الأصح بالاتباع، وانتشر هذا الاتجاه المتشدد في الدول الاسلامية لظروف تاريخية موضوعية وذاتية معينة.
لكن عند قراءة متأنية للتاريخ الاسلامي، نجد أن هذا التشدد ليس أبدياً، ولن يكتب له النجاح كنمط حياة للمسلمين، بل هو حقبة تمر على الأمة الاسلامية، مثلما مرت من قبل، ثم يعود الانسان الى فطرته وطبيعته، فدماغ البشر موجود، والعقل في اتساع بسبب تراكم المعرفة، وما التناحر بين الفرق الاسلامية، الدامي أحياناً، وما الخسارة التي يمنى بها الغلو في كل يوم، الا دليل على رسوخ أصل الأديان وتعاليمها الانسانية والأخلاقية في ضمائر البشر.


osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com
www.osboha.blogspot.com