يبدو أن بعض الفضائيات العربية قطعت على نفسها عهداً بأن تجعل من «إيران» قضية العرب الأولى على شاشاتها وليست فلسطين, خصوصاً بعد وسام الشرف الذي منحته لها وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني عندما أعلنت بأنها لم تعد تستطيع التفريق بين الأسئلة التي توجهها لها هذه الفضائيات العربية والأسئلة التي تأتي لها من الإسرائيليين! أو ربما بعد «صك الغفران» الذي قدمته هذه الفضائيات للكيان الصهيوني أبان الاعتداء الأخير على غزة عندما ساوت في نشراتها الإخبارية بين الضحية الفلسطيني والجلاد الإسرائيلي!
فمنذ الأحداث الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية, تابعنا كيف أن بعض الفضائيات العربية لم تنفك لحظة واحدة، حتى اليوم، من اتباع أسلوب التأليب والتحريض ضد نظام الجمهورية الإسلامية لأسباب لم تعد خافية على المراقب للوضع الإقليمي أو الصراع الدولي, والمصيبة إصرار هذه الفضائيات على رفع شعار الحيادية والمهنية، وهي الشعارات التي تذكرنا ببائعة الهوى عندما تحمل شعار «شرف» المهنة!
آخر صيحات مسلسل التأليب والتحريض الإعلامي على إيران, هو ما تم نشره على أحد المواقع الالكترونية التابعة لإحدى الفضائيات العربية حول وجود نحو «ثلاثة آلاف عميل إيراني في الكويت من أصل أربعين ألف جاسوس إيراني في منطقة الخليج»! وهو خبر منسوب إلى شخص إيراني من الأهواز كان يعمل جاسوساً لجهاز الحرس الثوري بحسب ادعاء الموقع! من جملة ما جاء في الخبر أن هذا العميل السابق أقر بوجود خلايا إيرانية في دول الخليج, رافضاً تسميتها بـ«النائمة»، باعتبار أنها: «خلايا واعية تماماً وليست نائمة, وتقوم بجمع المعلومات عن المنشآت العسكرية والمؤسسات الاقتصادية والبنى التحتية»! وأضاف هذا العميل بحسب ما نقله الموقع الالكتروني أن: «هذه الخلايا تحاك بالمهارة نفسها التي تحاك بها السجادة الفارسية، فهي خلايا خماسية تتكون كل خلية من أربعة أشخاص، ولهم قائد يسمى آمر الخلية, وأفراد الخلية الواحدة لا يعلم منهم أحد شيئاً عن طبيعة المهام الملقاة على عاتق رفيقه». وأوضح العميل أن هذه: «الخلايا تتكون من مخبرين مرتزقة يتلقون مبلغاً مالياً نظير كل خبر يقدمونه لمسؤوليهم في الحرس الثوري»، فضلاً عن: «جواسيس نظاميين ينتمون للسلك العسكري»! وأوضح العميل أنه قرر: «التوقف عن العمل التجسسي بعدما رأيت العنصرية الإيرانية في التعامل مع الأهوازيين ذوي الأصول العربية الذين كانوا يقاتلون مع إيران ضد العراق، حيث كان يوضع جرحى الأهوازيين على الأرض، بينما يوضع الإيرانيون أصحاب الأصول الفارسية على الأسرة»!
ما لفت انتباهي في هذا الخبر ليس المحتوى المنسوب إلى هذا «العميل السابق», وإنما ما لفت انتباهي الجهة التي نشرت هذا الخبر بشكل حصري! دعونا الآن نعود إلى شعار الحيادية والمهنية ولنطرح هذه الأسئلة حتى نعرف أكثر: هل من الحيادية التركيز على أخبار المعارضين لدولة ما بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وهل من المهنية نشر خبر بهذه الأهمية، على فرض صحته، من دون الكشف عن اسم هذا العميل بدل من التذرع بـ «الخوف» على حياته، وهل من الحيادية دس السم في العسل عبر الإصرار على تكرار عبارات مثل «عرب الأهواز» و«الإيرانيين من ذوي الأصول العربية»، أم هي المهنية التي تبيح نشر أخبار من دون التحقق من صحتها، أو تقديم دليل ملموس عليها بدلاً من إثارة البلبلة الرخيصة؟
لا شك ولا ريب بأن الهدف الحقيقي من نشر مثل هذه الأخبار ليس الحيادية ولا المهنية، بل هو التأليب والتحريض اللذان يأتيان ضمن سلسلة تصفية حسابات سياسية معينة الهدف منها تأليب وتحريض الرأي العام الخليجي ضد الجمهورية الإسلامية من خلال الإيحاء عبر خبر «حيادي» و«مهني» بأن إيران تزرع جواسيس في دول الخليج وتجند عملاء ولديها خلايا نائمة!
لكن ما أسعدني أن هذه «الحيادية» و«المهنية» التي لطالما تغنت بها بعض الفضائيات العربية، خصوصاً تلك التي لم تنفك من تلميع صورة بعض الأنظمة القمعية، أو بعض الأنظمة التي لن تجد في قاموسها السياسي أي أثر لكلمة «حرية» أو «احترام الآخر», بل ستجد فيها سجلاً حافلاً من انتهاك حقوق الإنسان الذي لا تجرؤ هذه الفضائيات، من باب ادعائها بالحيادية والمهنية، حتى على مجرد التلميح بتلك الممارسات! ما أسعدني، كما ذكرت، أن هذه الشعارات المزيفة لم تعد تنطلي على شعوب المنطقة, وبات الكثيرون على قناعة بأن شعارات «الحيادية» و«المهنية» عندما تصل إلى الجمهورية الإسلامية تصبح شعارات حق يراد بها باطل!
وهنا أود الاستشهاد بمقال رئيس تحرير جريدة «الصباح» الكويتية الزميل د. بركات الهديبان والذي علق على هذا الموضوع بكل «حيادية» و«مهنية» حقيقية! يقول الهديبان في مقاله ان: «أحداً لم يدقق في كون الجاسوس السابق للحرس الثوري ينتمي إلى منطقة الأهواز، والمعروف أن بين أهل هذه المنطقة والنظام الإيراني حساسيات وأزمات، وبالتالي فإن كلام هذا الجاسوس يظل موضع شك كبير، أو على الأقل ينبغي ألا يؤخذ على عواهنه». ثم يردف الهديبان قائلاً: «نخشى أن وراء تسريبها في هذا الظرف بالذات قوى لا تريد الخير للدول الخليجية أو لإيران، وتسعى للوقيعة بين الطرفين، وممارسة أقصى أشكال التحريض ضد إيران التي تظل في النهاية جارة لنا»!
بعد ذلك حذر الهديبان الجميع من التعاطي بمثل الأخبار من دون تأكيد أو نفي الجهات الرسمية, لأن المستفيد الأكبر في النهاية هو إسرائيل! يقول الهديبان: «نعلم يقيناً أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من التحريض ضد إيران، لحشد دول العالم كله ضدها، وإظهارها دولة عدوانية مارقة تخطط لإيذاء جيرانها وزرع الفتن والقلاقل في كل دول المنطقة... هذا التصور الذي تروج له إسرائيل لن تستفيد منه سوى الدولة العبرية... وبالتالي فعلينا أن نكون حذرين ونحن نتعاطى مع تلك الأخبار»!
شخصياً اتفق مع الدكتور الهديبان في «اليقين» الذي وصل إليه بأن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من هذا التحريض ضد إيران, لكني أود أن أضيف عليه أنه إذا كانت إسرائيل هي المستفيد الأكبر من التحريض ضد إيران, فإن التجارب أثبتت أن أفضل وأسرع «وسيلة» علنية للتحريض ضد الجمهورية الإسلامية ستكون عبر «الفضائيات» خصوصاً العربية منها! أما «الأداة» فستكون على شاكلة أخبار ومقابلات «العملاء السابقين» خصوصاً بعد أن جاء اعتراف «الوسيلة» بأن «الأداة» قد أبدى استعداده لعمل أي شيء يسلط الضوء على، ما أسماه، الظلم الإيراني للأهواز! والله من وراء القصد!
عمار تقي
كاتب كويتي
eng_ataqi@yahoo.com
فمنذ الأحداث الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية, تابعنا كيف أن بعض الفضائيات العربية لم تنفك لحظة واحدة، حتى اليوم، من اتباع أسلوب التأليب والتحريض ضد نظام الجمهورية الإسلامية لأسباب لم تعد خافية على المراقب للوضع الإقليمي أو الصراع الدولي, والمصيبة إصرار هذه الفضائيات على رفع شعار الحيادية والمهنية، وهي الشعارات التي تذكرنا ببائعة الهوى عندما تحمل شعار «شرف» المهنة!
آخر صيحات مسلسل التأليب والتحريض الإعلامي على إيران, هو ما تم نشره على أحد المواقع الالكترونية التابعة لإحدى الفضائيات العربية حول وجود نحو «ثلاثة آلاف عميل إيراني في الكويت من أصل أربعين ألف جاسوس إيراني في منطقة الخليج»! وهو خبر منسوب إلى شخص إيراني من الأهواز كان يعمل جاسوساً لجهاز الحرس الثوري بحسب ادعاء الموقع! من جملة ما جاء في الخبر أن هذا العميل السابق أقر بوجود خلايا إيرانية في دول الخليج, رافضاً تسميتها بـ«النائمة»، باعتبار أنها: «خلايا واعية تماماً وليست نائمة, وتقوم بجمع المعلومات عن المنشآت العسكرية والمؤسسات الاقتصادية والبنى التحتية»! وأضاف هذا العميل بحسب ما نقله الموقع الالكتروني أن: «هذه الخلايا تحاك بالمهارة نفسها التي تحاك بها السجادة الفارسية، فهي خلايا خماسية تتكون كل خلية من أربعة أشخاص، ولهم قائد يسمى آمر الخلية, وأفراد الخلية الواحدة لا يعلم منهم أحد شيئاً عن طبيعة المهام الملقاة على عاتق رفيقه». وأوضح العميل أن هذه: «الخلايا تتكون من مخبرين مرتزقة يتلقون مبلغاً مالياً نظير كل خبر يقدمونه لمسؤوليهم في الحرس الثوري»، فضلاً عن: «جواسيس نظاميين ينتمون للسلك العسكري»! وأوضح العميل أنه قرر: «التوقف عن العمل التجسسي بعدما رأيت العنصرية الإيرانية في التعامل مع الأهوازيين ذوي الأصول العربية الذين كانوا يقاتلون مع إيران ضد العراق، حيث كان يوضع جرحى الأهوازيين على الأرض، بينما يوضع الإيرانيون أصحاب الأصول الفارسية على الأسرة»!
ما لفت انتباهي في هذا الخبر ليس المحتوى المنسوب إلى هذا «العميل السابق», وإنما ما لفت انتباهي الجهة التي نشرت هذا الخبر بشكل حصري! دعونا الآن نعود إلى شعار الحيادية والمهنية ولنطرح هذه الأسئلة حتى نعرف أكثر: هل من الحيادية التركيز على أخبار المعارضين لدولة ما بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وهل من المهنية نشر خبر بهذه الأهمية، على فرض صحته، من دون الكشف عن اسم هذا العميل بدل من التذرع بـ «الخوف» على حياته، وهل من الحيادية دس السم في العسل عبر الإصرار على تكرار عبارات مثل «عرب الأهواز» و«الإيرانيين من ذوي الأصول العربية»، أم هي المهنية التي تبيح نشر أخبار من دون التحقق من صحتها، أو تقديم دليل ملموس عليها بدلاً من إثارة البلبلة الرخيصة؟
لا شك ولا ريب بأن الهدف الحقيقي من نشر مثل هذه الأخبار ليس الحيادية ولا المهنية، بل هو التأليب والتحريض اللذان يأتيان ضمن سلسلة تصفية حسابات سياسية معينة الهدف منها تأليب وتحريض الرأي العام الخليجي ضد الجمهورية الإسلامية من خلال الإيحاء عبر خبر «حيادي» و«مهني» بأن إيران تزرع جواسيس في دول الخليج وتجند عملاء ولديها خلايا نائمة!
لكن ما أسعدني أن هذه «الحيادية» و«المهنية» التي لطالما تغنت بها بعض الفضائيات العربية، خصوصاً تلك التي لم تنفك من تلميع صورة بعض الأنظمة القمعية، أو بعض الأنظمة التي لن تجد في قاموسها السياسي أي أثر لكلمة «حرية» أو «احترام الآخر», بل ستجد فيها سجلاً حافلاً من انتهاك حقوق الإنسان الذي لا تجرؤ هذه الفضائيات، من باب ادعائها بالحيادية والمهنية، حتى على مجرد التلميح بتلك الممارسات! ما أسعدني، كما ذكرت، أن هذه الشعارات المزيفة لم تعد تنطلي على شعوب المنطقة, وبات الكثيرون على قناعة بأن شعارات «الحيادية» و«المهنية» عندما تصل إلى الجمهورية الإسلامية تصبح شعارات حق يراد بها باطل!
وهنا أود الاستشهاد بمقال رئيس تحرير جريدة «الصباح» الكويتية الزميل د. بركات الهديبان والذي علق على هذا الموضوع بكل «حيادية» و«مهنية» حقيقية! يقول الهديبان في مقاله ان: «أحداً لم يدقق في كون الجاسوس السابق للحرس الثوري ينتمي إلى منطقة الأهواز، والمعروف أن بين أهل هذه المنطقة والنظام الإيراني حساسيات وأزمات، وبالتالي فإن كلام هذا الجاسوس يظل موضع شك كبير، أو على الأقل ينبغي ألا يؤخذ على عواهنه». ثم يردف الهديبان قائلاً: «نخشى أن وراء تسريبها في هذا الظرف بالذات قوى لا تريد الخير للدول الخليجية أو لإيران، وتسعى للوقيعة بين الطرفين، وممارسة أقصى أشكال التحريض ضد إيران التي تظل في النهاية جارة لنا»!
بعد ذلك حذر الهديبان الجميع من التعاطي بمثل الأخبار من دون تأكيد أو نفي الجهات الرسمية, لأن المستفيد الأكبر في النهاية هو إسرائيل! يقول الهديبان: «نعلم يقيناً أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من التحريض ضد إيران، لحشد دول العالم كله ضدها، وإظهارها دولة عدوانية مارقة تخطط لإيذاء جيرانها وزرع الفتن والقلاقل في كل دول المنطقة... هذا التصور الذي تروج له إسرائيل لن تستفيد منه سوى الدولة العبرية... وبالتالي فعلينا أن نكون حذرين ونحن نتعاطى مع تلك الأخبار»!
شخصياً اتفق مع الدكتور الهديبان في «اليقين» الذي وصل إليه بأن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من هذا التحريض ضد إيران, لكني أود أن أضيف عليه أنه إذا كانت إسرائيل هي المستفيد الأكبر من التحريض ضد إيران, فإن التجارب أثبتت أن أفضل وأسرع «وسيلة» علنية للتحريض ضد الجمهورية الإسلامية ستكون عبر «الفضائيات» خصوصاً العربية منها! أما «الأداة» فستكون على شاكلة أخبار ومقابلات «العملاء السابقين» خصوصاً بعد أن جاء اعتراف «الوسيلة» بأن «الأداة» قد أبدى استعداده لعمل أي شيء يسلط الضوء على، ما أسماه، الظلم الإيراني للأهواز! والله من وراء القصد!
عمار تقي
كاتب كويتي
eng_ataqi@yahoo.com