سرعان ما تحول المبادئ الإصلاحية في غالب الأحيان إلى برغماتية (نفعية)، وذلك بتقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة، فالإيمان بالفكرة والمبدأ الإصلاحي في دولتك أو في حكومتك أو في وزارتك أو حتى في منزلك يعني احترام وتقدير وولاء أفراد هذه المؤسسة لك.في قصة أصحاب الأخدود التي ذكرها النبي (صلى الله عليه وسلم) على سبيل المثال تجد فيها أن غلام الملك انطلق من مبدأ وواجه مشاكل وتحديات ومغريات، لكنه كان يفكر في المصلحة العامة، وهو انتشال هؤلاء الناس من عبادة الملك إلى عبادة رب السماوات والأرض ثم ماذا؟ ثم إن إيمانه بالمبدأ جعل الثمن روحه حتى يحقق ما يصبو إليه، وهو إيمان الناس، وفعلاً قُتل الغلام وآمن الناس بالله رب السماوات والأرض. لكن هنا سؤال: هل مات المبدأ وانتهى بموت الغلام؟ الجواب: لا، بل انتقلت المبادئ الإصلاحية بالكامل إلى الناس بدليل أن الملك أمر بمحاكم التفتيش وأمر بالأخاديد أن تخد وأمر الجنود أي يلقوا بالناس في النار إلا من يرجع عن دينه ومبدئه.الغريب أن النواميس الكونية يسخرها الله لأصحاب المبادئ الإصلاحية، ففي هذا الحديث جيء بمرضعة مع رضيعها وأمرها جنود الملك أن تلقي نفسها في النار مع رضيعها فخافت على صغيرها من وهج النار وصوتها فأنطق الله الرضيع تأييداً لهذا المبدأ الإصلاحي النبيل، فقال الرضيع: يا أماه أصبري فإنك على الحق، فتشجعت الأم ورمت نفسها في النار. يحفظ الله البلاد والعباد بمثل أصحاب هذه المبادئ الإصلاحية.أنا لا أريد أن أقعد وأنظّر في هذه المسألة، لأن المقال لا يسعه المجال لكن أريد أن أقول إن الإيمان بالفكرة والانطلاق من مبدأ، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في مؤسستك يعني أن تكون موطن احترام وتقدير وإنجاز والعكس صحيح. ومما يُكمد القلب أن ترى البرغماتي النفعي يسوس العباد ويسرق البلاد ولا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة شعاره: «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ».وبذلك تعلن المؤسسات إفلاسها وتفقد الدولة هيبتها وولاء شعوبها وينقم المواطن على بلده بسبب هؤلاء النفعيين.ولو وضعنا المجهر على هذا البلد الكريم كمثال حي لوجدنا الصنف الآخر، وهو النفعي المحض الخالي من المبادئ موجود في هذه البلاد أيضاً، فلا حسبة على ارتفاع الأسعار (لأن التجار هم أصحاب النفوذ...) ولا حسبة على الانفلات الأخلاقي (لأن حاميها حراميها وشرطتنا أكبر مغازلجية) ولا حسبة على الانفلات الأمني (لأنه لا هيبة للقانون ولا لأفراده) وانتشرت حالات التسول وتجارة الرقيق الأبيض (بسبب تجار الإقامات)، مع العلم أن أصحاب المبادئ السامية والغيورين على بلادهم هم أكثر من هؤلاء القليل، فأتمنى من كل من كان في موقع المسؤولية أن يتخلص من هؤلاء النفعيين الذين عفا عليهم الزمن، وأن يستفيد من الكفاءات الشابة والدماء الجديدة وأصحاب المبادئ الإصلاحية الذين بهم النهضة وبهم صلاح البلاد. حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.راجح سعد البوص
كاتب كويتي