| إعداد - حسين إبراهيم |
لدى وارن بافيت قاعدتان اساسيتان. القاعدة رقم 1: لا تخسر مالا ابدا. القاعدة رقم 2: لا تنس القاعدة الاولى. لكن الكثير من القواعد القديمة القيت جانبا عندما ضربت الازمة.
في سن التاسعة والسبعين وصل بافيت الى السنة الاصعب في حياته العملية الطويلة والمثيرة. دفتريا، خسر بافيت شخصيا ما يقدر بـ 25 مليار دولار منذ اندلاع الازمة المالية في اواخر العام 2008، وهو ما كان كافيا لينزع عنه لقب اغنى رجل في العالم (صديقه وشريكه في لعبة البريدج بيل غيتس يحمل هذا اللقب حاليا بحسب مجلة «فوربس»).
ومع ذلك، فان قليلا من الناس استطاعوا التعامل مع الازمة بالمهارة التي تعامل بها بافيت. فقد نصح الحكومة الاميركية بالتدخل لانقاذ صناعة المال، وحضها علنا على شراء الاسهم حين كانت الاسواق تترنح، كما سعى هو نفسه للاستفادة من فوضى السوق، مثل عمليات الانقاذ الحكومية الممولة من دافعي الضرائب، وهكذا ضمن موقعه كواحد من اعظم المستثمرين في كل الاوقات.
وعندما كان الاخرون يهربون خوفا في الخريف الماضي، استثمر بافيت مليارات الدولارات في غولدمان ساكس، وحصل على صفقة افضل بكثير مما حصلت عليه الحكومة في ضخ اموال الانقاذ. ثم وضع مليارات الدولارات في «جنرال الكتريك». وفي حين ان بافيت نفسه لم يتلق اي اموال انقاذ من دافعي الضرائب، فان كثيرا من المؤسسات التي يملك في اسهمها تلقت مثل هذه الاموال، مثل «غولدمان» و «اميريكان اكسبرس» و «بنك اوف اميركا» و «ويلز فارغو» و «بانكورب»، واستفاد المستثمرون في هذه المؤسسات مثله بالنتيجة من هذه الاموال.
واذا كان بافيت قد احسن الاختيار، ويبدو حتى الان انه فعل، فان ما سيجنيه سيكون ضخما. ولكن الان، وبعد عام من الازمة، يبدو بافيت قلقا من ان سوق الاسهم قد ينهار مجددا. وبعدما كان يشتري بجسارة عندما كان الكثيرون يبيعون الاصول، يبدو ان امبراطوريته «بيركشاير هاثاواي» تقوم بالانسحاب، وهي تشتري عددا اقل من الاسهم بينما تستثمر في ديون الشركات وديون الحكومة. ويحذر بافيت من ان الاقتصاد، ورغم انه يتحسن، ما زال يواجه مشكلة عميقة.
وقال بافيت في مقابلة «لم نخرج من المشاكل بعد. يجب انتظار عودة اداء الاقتصاد الى طبيعته».
غداة اندلاع الازمة التي وصفها بانها المعادل المالي لبيرل هاربر، لم يكن بافيت يشعر بصدمة (ربما لان ثروة صافية قدرها 37 مليار دولار تمثل بلسما لنفسية اي شخص).
وقال بافيت «السنة ونصف السنة الماضية كانت فترة مثيرة للاهتمام بشكل غير معقول. انها دراما. مشاهدة الفيلم كانت ممتعة، والمشاركة في الفيلم كانت احيانا ممتعة ايضا، ولكن ليس في ما حصل لحياة الناس».
المستثمرون، كبارا وصغارا، ينتظرون ما يقوله بافيت ولديهم اسباب جيدة لذلك اذ لو كنت قد استثمرت الف دولار في اسهم «بيركشاير» في العام 1965، لكنت كسبت ملايين الدولارات حتى العام 2007.
ورغم هذا السجل الهائل، فقد وجهت الازمة ضربة قاسية لبافيت. وفي حين انه لم يغير في توجهه نحو الاستثمار في القيمة، ويقول انه يحب ان يشتري البضائع ذات النوعية الجيدة بسعر جيد، سواء كانت جوارب او اسهما، يتساءل الذين يتابعون بافيت عن العوامل التي ستحدد الفصول النهائية من حياته العملية.
وتحيط الشكوك خصوصا بمستقبل «بيركشاير» بعد بافيت. فالشركة المزدهرة التي يتركز عملها الرئيسي في قطاع التأمينات، خسرت نحو خمس قيمتها السوقية خلال العام الماضي وهي نسبة مماثلة للنسبة التي خسرها السوق عموما. وفي حين ظلت الشركة تشكل قاعدة للعمل المؤسسي، فانها سجلت 1.53 مليار دولار خسائر في الربع الاول من العام الحالي ثم خسرت تصنيفها على القمة، قبل ان تعود الى الربحية في الربع الثاني.
الوقت قصير. وفي حين ان ليس لدى بافيت خطط فورية للتقاعد، فانه يعد عددا من الخلفاء المحتملين، ومن بينهم خصوصا ديفيد سوكول الذي يرأس شركة للطيران الخاص واخرى للطاقة تابعتين لـ «بيركشاير».
وبعد ان بحث من دون جدوى عن استثمارات جيدة خلال سنوات الازدهار، استخدم بافيت العام الماضي للقيام باستثمارات قد تحمل بذور الارباح مستقبلا.
وقال جاستين فولر الذي يدير مدونة الكترونية عن بافيت ان احداث العام الماضي التي كانت مؤلمة على الكثيرين وفرت لبافيت فرصة كان ينتظرها.
اضاف «لقد وضع طنا من الاموال في الاسواق. الازمة اعطت بافيت امكانية وضع لمسة اخيرة ودائمة على بيركشاير هاثاواي».
مع ذلك يبدو ان بافيت يعيد التموضع قليلا. ومثل معظم الناس، فوجئ بافيت بالضربة التي تلقاها سوق الاسكان الاميركي ومن ثم الركود الذي تبعها واللذين اصابا شركاته المالية وذات الطبيعة الاستهلاكية. واقر بانه ارتكب قسطه من الاخطاء. ومن بين اخطائه: الاستثمار في شركة طاقة في الوقت الذي كانت اسعار النفط في ذروتها، وفي بنكين ايرلنديين حتى عندما كان النظام المالي في البلاد يهتز.
ورفض بافيت توقع مسار اسواق الاسهم على المدى القصير، ولكن معلومات من شركة «بيركشاير» تقول ان شركته كانت تبيع من الاسهم اكثر مما تشتري في نهاية الربع الثاني للعام الحالي، بحسب «بلومبيرغ». وانخفض انفاق الشركة على الاسهم الى ادنى مستوياته في 5 سنوات، رغم ان الشركة ما زالت تختار ببراعة اسهما في بعض الشركات وتشتري ديونا حكومية وديون شركات.
ومن بين الاسهم التي كان بافيت يبيعها في الاونة الاخيرة، اسهم «موديز» التي تحتل موقع الجد الكبير في صناعة التصنيفات الائتمانية. واعلنت «بيركشاير»، المساهم الاكبر في «موديز»، الاسبوع الماضي انها خفضت حصتها في الازمة بواقع اثنين في المئة.
وقالت اليس شرودر، كاتبة سيرة بافيت «سنوبول» ان التحول في استثمارات «بيركشاير» يشير الى ان بافيت يشعر بقلق. ولكن شرودر اوضحت ان بافيت يشعر بالقلق خصوصا حول كيف سيتذكره الناس وانه يريد ان يكون فاعلا في نهاية حياته المهنية، ويأخذ دورا اكثر بروزا على الساحة، وهذا يعطي فرصة للمستثمرين للحصول على نصائحه اكثر، ولكنه في الوقت نفسه يحمل شيئا من المخاطر.
واوضحت شرودر «في السابق كان يحرص دائما على اعطاء النصيحة بالقطارة» مضيفة «كان بافيت يقول انه من الخطأ الاعتقاد انك اذا كنت خبيرا في مجال معين فان الناس سيستمعون لك في مجالات اخرى».
ومهما كانت اخطاؤه الاخيرة، فان الكثير من الناس، من الرئيس باراك اوباما فما دون، يحرصون على الاستماع لما يقوله بافيت. فهو مهم لانه ملياردير ولكن ايضا لان ملايين المستثمرين العاديين يستمعون الى اقواله المأثورة وينسخون استراتيجياته الاستثمارية وينتظرون اعلاناته عن الاسواق.
ورفض بافيت القول الى اين تتجه الاسهم ولكنه حذر من مخاطر الاستثمار بمال مستدان والذي اثبت انه كارثي عندما تضرب الازمة.
اما ما يندم عليه بافيت. فهو قليل. وهو يعترف انه اخطأ في التوقيت وانه كان يجب ان يبيع الاسهم قبل انهيار الاسواق. وقدم بافيت احدى حكمه ردا على سؤال عما اذا كان هناك شيء يبقيه مستقيظا في الليل، اذ قال انه «لا يوجد شيء» وانه «اذا كان هناك شيء يمكن ان يقلقه في الليل فلن يفعله».
(عن «نيويورك تايمز»)
لدى وارن بافيت قاعدتان اساسيتان. القاعدة رقم 1: لا تخسر مالا ابدا. القاعدة رقم 2: لا تنس القاعدة الاولى. لكن الكثير من القواعد القديمة القيت جانبا عندما ضربت الازمة.
في سن التاسعة والسبعين وصل بافيت الى السنة الاصعب في حياته العملية الطويلة والمثيرة. دفتريا، خسر بافيت شخصيا ما يقدر بـ 25 مليار دولار منذ اندلاع الازمة المالية في اواخر العام 2008، وهو ما كان كافيا لينزع عنه لقب اغنى رجل في العالم (صديقه وشريكه في لعبة البريدج بيل غيتس يحمل هذا اللقب حاليا بحسب مجلة «فوربس»).
ومع ذلك، فان قليلا من الناس استطاعوا التعامل مع الازمة بالمهارة التي تعامل بها بافيت. فقد نصح الحكومة الاميركية بالتدخل لانقاذ صناعة المال، وحضها علنا على شراء الاسهم حين كانت الاسواق تترنح، كما سعى هو نفسه للاستفادة من فوضى السوق، مثل عمليات الانقاذ الحكومية الممولة من دافعي الضرائب، وهكذا ضمن موقعه كواحد من اعظم المستثمرين في كل الاوقات.
وعندما كان الاخرون يهربون خوفا في الخريف الماضي، استثمر بافيت مليارات الدولارات في غولدمان ساكس، وحصل على صفقة افضل بكثير مما حصلت عليه الحكومة في ضخ اموال الانقاذ. ثم وضع مليارات الدولارات في «جنرال الكتريك». وفي حين ان بافيت نفسه لم يتلق اي اموال انقاذ من دافعي الضرائب، فان كثيرا من المؤسسات التي يملك في اسهمها تلقت مثل هذه الاموال، مثل «غولدمان» و «اميريكان اكسبرس» و «بنك اوف اميركا» و «ويلز فارغو» و «بانكورب»، واستفاد المستثمرون في هذه المؤسسات مثله بالنتيجة من هذه الاموال.
واذا كان بافيت قد احسن الاختيار، ويبدو حتى الان انه فعل، فان ما سيجنيه سيكون ضخما. ولكن الان، وبعد عام من الازمة، يبدو بافيت قلقا من ان سوق الاسهم قد ينهار مجددا. وبعدما كان يشتري بجسارة عندما كان الكثيرون يبيعون الاصول، يبدو ان امبراطوريته «بيركشاير هاثاواي» تقوم بالانسحاب، وهي تشتري عددا اقل من الاسهم بينما تستثمر في ديون الشركات وديون الحكومة. ويحذر بافيت من ان الاقتصاد، ورغم انه يتحسن، ما زال يواجه مشكلة عميقة.
وقال بافيت في مقابلة «لم نخرج من المشاكل بعد. يجب انتظار عودة اداء الاقتصاد الى طبيعته».
غداة اندلاع الازمة التي وصفها بانها المعادل المالي لبيرل هاربر، لم يكن بافيت يشعر بصدمة (ربما لان ثروة صافية قدرها 37 مليار دولار تمثل بلسما لنفسية اي شخص).
وقال بافيت «السنة ونصف السنة الماضية كانت فترة مثيرة للاهتمام بشكل غير معقول. انها دراما. مشاهدة الفيلم كانت ممتعة، والمشاركة في الفيلم كانت احيانا ممتعة ايضا، ولكن ليس في ما حصل لحياة الناس».
المستثمرون، كبارا وصغارا، ينتظرون ما يقوله بافيت ولديهم اسباب جيدة لذلك اذ لو كنت قد استثمرت الف دولار في اسهم «بيركشاير» في العام 1965، لكنت كسبت ملايين الدولارات حتى العام 2007.
ورغم هذا السجل الهائل، فقد وجهت الازمة ضربة قاسية لبافيت. وفي حين انه لم يغير في توجهه نحو الاستثمار في القيمة، ويقول انه يحب ان يشتري البضائع ذات النوعية الجيدة بسعر جيد، سواء كانت جوارب او اسهما، يتساءل الذين يتابعون بافيت عن العوامل التي ستحدد الفصول النهائية من حياته العملية.
وتحيط الشكوك خصوصا بمستقبل «بيركشاير» بعد بافيت. فالشركة المزدهرة التي يتركز عملها الرئيسي في قطاع التأمينات، خسرت نحو خمس قيمتها السوقية خلال العام الماضي وهي نسبة مماثلة للنسبة التي خسرها السوق عموما. وفي حين ظلت الشركة تشكل قاعدة للعمل المؤسسي، فانها سجلت 1.53 مليار دولار خسائر في الربع الاول من العام الحالي ثم خسرت تصنيفها على القمة، قبل ان تعود الى الربحية في الربع الثاني.
الوقت قصير. وفي حين ان ليس لدى بافيت خطط فورية للتقاعد، فانه يعد عددا من الخلفاء المحتملين، ومن بينهم خصوصا ديفيد سوكول الذي يرأس شركة للطيران الخاص واخرى للطاقة تابعتين لـ «بيركشاير».
وبعد ان بحث من دون جدوى عن استثمارات جيدة خلال سنوات الازدهار، استخدم بافيت العام الماضي للقيام باستثمارات قد تحمل بذور الارباح مستقبلا.
وقال جاستين فولر الذي يدير مدونة الكترونية عن بافيت ان احداث العام الماضي التي كانت مؤلمة على الكثيرين وفرت لبافيت فرصة كان ينتظرها.
اضاف «لقد وضع طنا من الاموال في الاسواق. الازمة اعطت بافيت امكانية وضع لمسة اخيرة ودائمة على بيركشاير هاثاواي».
مع ذلك يبدو ان بافيت يعيد التموضع قليلا. ومثل معظم الناس، فوجئ بافيت بالضربة التي تلقاها سوق الاسكان الاميركي ومن ثم الركود الذي تبعها واللذين اصابا شركاته المالية وذات الطبيعة الاستهلاكية. واقر بانه ارتكب قسطه من الاخطاء. ومن بين اخطائه: الاستثمار في شركة طاقة في الوقت الذي كانت اسعار النفط في ذروتها، وفي بنكين ايرلنديين حتى عندما كان النظام المالي في البلاد يهتز.
ورفض بافيت توقع مسار اسواق الاسهم على المدى القصير، ولكن معلومات من شركة «بيركشاير» تقول ان شركته كانت تبيع من الاسهم اكثر مما تشتري في نهاية الربع الثاني للعام الحالي، بحسب «بلومبيرغ». وانخفض انفاق الشركة على الاسهم الى ادنى مستوياته في 5 سنوات، رغم ان الشركة ما زالت تختار ببراعة اسهما في بعض الشركات وتشتري ديونا حكومية وديون شركات.
ومن بين الاسهم التي كان بافيت يبيعها في الاونة الاخيرة، اسهم «موديز» التي تحتل موقع الجد الكبير في صناعة التصنيفات الائتمانية. واعلنت «بيركشاير»، المساهم الاكبر في «موديز»، الاسبوع الماضي انها خفضت حصتها في الازمة بواقع اثنين في المئة.
وقالت اليس شرودر، كاتبة سيرة بافيت «سنوبول» ان التحول في استثمارات «بيركشاير» يشير الى ان بافيت يشعر بقلق. ولكن شرودر اوضحت ان بافيت يشعر بالقلق خصوصا حول كيف سيتذكره الناس وانه يريد ان يكون فاعلا في نهاية حياته المهنية، ويأخذ دورا اكثر بروزا على الساحة، وهذا يعطي فرصة للمستثمرين للحصول على نصائحه اكثر، ولكنه في الوقت نفسه يحمل شيئا من المخاطر.
واوضحت شرودر «في السابق كان يحرص دائما على اعطاء النصيحة بالقطارة» مضيفة «كان بافيت يقول انه من الخطأ الاعتقاد انك اذا كنت خبيرا في مجال معين فان الناس سيستمعون لك في مجالات اخرى».
ومهما كانت اخطاؤه الاخيرة، فان الكثير من الناس، من الرئيس باراك اوباما فما دون، يحرصون على الاستماع لما يقوله بافيت. فهو مهم لانه ملياردير ولكن ايضا لان ملايين المستثمرين العاديين يستمعون الى اقواله المأثورة وينسخون استراتيجياته الاستثمارية وينتظرون اعلاناته عن الاسواق.
ورفض بافيت القول الى اين تتجه الاسهم ولكنه حذر من مخاطر الاستثمار بمال مستدان والذي اثبت انه كارثي عندما تضرب الازمة.
اما ما يندم عليه بافيت. فهو قليل. وهو يعترف انه اخطأ في التوقيت وانه كان يجب ان يبيع الاسهم قبل انهيار الاسواق. وقدم بافيت احدى حكمه ردا على سؤال عما اذا كان هناك شيء يبقيه مستقيظا في الليل، اذ قال انه «لا يوجد شيء» وانه «اذا كان هناك شيء يمكن ان يقلقه في الليل فلن يفعله».
(عن «نيويورك تايمز»)