| القاهرة - من وليد طوغان |
يلاحق الناس... النجوم والمشاهير... في أعمالهم وحياتهم العامة، وكثيرا في حياتهم الخاصة. يسألون عن أسرارهم وتحركاتهم... غرامياتهم وزيجاتهم، وماذا يفعلون... وكيف يعيشون.
إنها «الملاحقة»... التي قد تؤذي النجوم والمشاهير أحيانا... خصوصا إذا كانت في أمور خاصة جدا.
ولعل من بين خصوصيات النجوم والمشاهير «سياسيون وديبلوماسيون وإعلاميون وفنانون ورياضيون وأدباء»... خطاباتهم «رسائلهم»... خصوصا في أمورهم الشخصية أو العائلية، أو حتى في حياتهم المهنية والعملية.
وفي هذه الرسائل... وكونها تخص نجوما ومشاهير سوف تتوالى المفاجآت... وقد تكون المفاجآت غرامية ملتهبة، أو خلافات حادة، أو طلبات غريبة.
و«الراي» تقلب في كثير من رسائل وخطابات النجوم «الورقية» طبعا، لأن ما قصدناهم لم يكونوا على صلة بـ «الإيميل» أو الفاكس في الغالب.
وجدنا في هذه الرسائل... غزلا وعشقا وهياما، كما عثرنا على ألغاز ومفاجآت وأسرار، وأحزان وأفراح وآمال وأحلام ومحطات إخفاق.
وفيها أيضا أسرار شخصية واجتماعية، ولم تسلم من السياسة ومعارك الديبلوماسية والأعمال المخابراتية، ودقائق أسرار الثورات.
ووجدناها مغموسة في دقائق الأمور في الزواج الأول، وفي الطلاق، وحكايات الزواج الثاني، والعلاقات المجتمعية، والأحداث الطريفة والغريبة.
ولا يسلم الأمر... من رسائل سببت حين إرسالها أزمات، أو حتى عندما كشف عنها بعد سنوات طوال، أو كشفت عن أسرار، أو غيرت في مسار حدث أو في سيرة شخص ذاتية.
بالفعل... في رسائل المشاهير والنجوم... الكثير من الحكايات، التي يمكن الوقوف عندها، والسطور التي لا يمكن إغفالها، والأشخاص الذين لا يمكن أن نمر عليهم مرور الكرام.
إنها رسائل وتوقيعات... لا يمكن إهمالها، ولهذا اقتربنا منها، وقلبنا في كلماتها، وعثرنا على أصولها، أو حتى صور منها، ولعل في إعادة النظر إفادة، وهذا ما قد تجده في السطور التالية:
كانت مصر بحاجة إلى يد صادقة. تمتد لتداري جسدها العاري وتلبسها ثوبا وتنمقه، وجاء أنور السادات. ذلك الطفل الذي كان ينام فوق الفرن ملتمسا الدفء في ليالي الشتاء، وكانت جدته ـ حتى مات ـ هي قدوته.
وهي المرأة نفسها التي أهانها هيكل في كتابه «خريف الغضب»... لأنه كان يعرف أنها كانت عزيزة على قلب السادات.
حكت الجدة للطفل محمد أنور... عن أدهم الشرقاوي ومصطفى كامل، والفتى زهران... الذي شنقه المستعمر الإنكليزي في حادثة دنشواي، وحلم أنور السادات بأن يكون «زهران»، وكره الإنكليز قبل أن يراهم.
استطاع هذا الفلاح الأسمر... أن يبهر العالم بانتصاره، ثم صدمه. بكامب ديفيد سواء الرافضين أو المؤيدين، ورأت ابنته الكبرى «رقية» أن العالم كله لم يعرف أن السادات على حق إلا بعدما مات.
رقية مثل السادات - في صلابته وفي جرأته وطريقة كلامه - هي عاشقة لأبيها إلى حد الاندماج... متمسكة بمبادئه وآرائه إلى حد الانتصار... تزهو وتفخر به.
رقية لا تعمل... ربت أولادها «محمد وأنور وأشرف وسها». على القيم والتقاليد الأصيلة، وإضافة إلى رسالتها في تربية أولادها، تحتفظ رقية بخطابات أبيها، والرسائل التي كتبها قبل ثورة يوليو 1952 وبعد ثورة يوليو.
ولابد أن تمتلئ هذه الخطابات بالحنان والدفء والاهتمام بأطفاله الصغار، وذلك لأن محمد أنور السادات. نشأ وتربى في القرية... وابن القرية تمنحه البيئة الهادئة الدافئة الممتلئة احتواء لأهلها «حنية» وطيبة وودا.
والمتأمل لسيرته الذاتية في كتابه «البحث عن الذات» الذي أعده موسى صبري ولم يكتب اسمه على الكتاب يرى اهتمامه بالحديث عن نشأته من خلال قوله: كل شيء في القرية كان في الحقيقة مصدر سعادة لي لا تماثلها سعادة أخرى عندما نخرج لنشتري الجزر لا من بائع الجزر... بل من الأرض نفسها.
ويكمل: عندما أضع بصلة في. محماة الفرن وهم يخبزون العيش ثم أعود آخر النهار فأخرج البصلة وآكلها. وحينما كنت ألعب مع أقراني في القرية في ليالي القمر أو نسهر على المصطبة. نحن والطبيعة من حولنا والسماء فوقنا لا فاصل بيننا.
حركة الفلاحين
في رسائله كتب الرئيس المصري الراحل: وشروق الشمس... عندما كنت أسير مع عشرات الصبية والفتيان والرجال أصحب الدواب والبهائم في موكب خروج الفلاحين للعمل وسط خُضرة لا يحدها البصر وبسطة الأرض التي تبدو كأن لا أرض بعدها.
كل شيء كان يسعدني في ميت أبوالكوم... قريتي الوديعة القابعة في أحضان دلتا النيل نحو «90 كيلو مترا شمال القاهرة» حتى برودة الماء في الشتاء عندما كنت أخرج في الفجر. لأن الترعة امتلأت بالمياه ولكن الفترة لا تتعدى الخمسة عشر يوما هي «النوبة» أو نصيب قريتنا في الريّ... ولذلك كان الإسراع بالعمل والمشاركة فيه أمرا ضروريا فنحن كل يوم في أرض واحد منا نرويها بطنبوره أو بطنبور غيره. لا يهم... المهم أنه بانتهاء النوبة تكون أرض القرية كلها ارتوت.
ويكمل: هذا العمل الجماعي مع الغير، ومن أجل الغير دون أن أنتظر منه ربحا أو فائدة لي جعلني أشعر أنني لا أنتمي إلى أسرتي الصغيرة في دارنا أو أسرتي الكبيرة في قريتنا... بل إلى شيء أكبر وأهم هو الأرض.
ولذلك ففي رحلة العودة مع الغروب. والدخان ينبعث من البيوت مؤذنا بعشاء شهيّ ينتهي بعده اليوم في القرية... والهدوء يخيم على الجميع والسلام يعمر قلوبنا... كنت أتأمل الشجر والزرع وأحس برباط خفي من الحب والصداقة تربطني بكل ما حولي.
ست البرين
وكانت تربط السادات بجدته «ست البرين»، علاقة من نوع خاص... وكان دوما يردد قولها: «لا شيء يساوي أنك ابن الأرض... فالأرض هي الخلود لأن الله أودعها كل سره...».
وكان يصفها في رسائله... وكتب يقول: «كم كنت أحب هذه السيدة... كانت شخصية في غاية القوة بالإضافة إلى الحكمة... حكمة الفطرة... والتجربة... والحياة... وطوال فترة نشأتي في القرية كانت هي رأس العائلة، فقد كان والدي يعمل مع الجيش في السودان... وكانت هي ترعانا وتخرج وراء الأنفار كأي رجل. تتعهد الفدانين ونصف الفدان. التي اقتناها والدي».
أم الأفندي... هكذا كانوا يطلقون عليها في القرية... ولهذا قصة.
ويروي السادات القصة. في إحدى رسائله لأحد أصدقائه: «كان منتهى أمل القروي عندنا أن يدخل الأزهر... ولكن جدي. الذي كان يعرف الكتابة والقراءة وهو أمر نادر في وقته... أراد أن يشق لأبي طريقا آخر... فأدخله التعليم العام حيث حصل على الشهادة الابتدائية... وكانت في ذلك الوقت تعتبر مؤهلا مهما... فالاحتلال البريطاني كان في أولى مراحله... وجميع المواد كانت تدرس باللغة الإنكليزية.
والدي أول من حصل على الشهادة الابتدائية في قريتنا... ولذلك بالرغم من أن بقريتنا الآن مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات، إلا أنه عندما يأتي ذكر الأفندي وأولاد الأفندي يعرف كل إنسان أنه والدي وأبناؤه.
وقد أدخلت «ست البرين» حفيدها محمد أنور كُتّاب القرية فحفظ القرآن الكريم ثم نقلته إلى مدرسة الأقباط بطوخ. حيث يوجد دير قديم مشهور، ومطرانه هو مطران دير وادي النطرون نفسه.
موال زهران
ويكمل في رسالة لصديقه: استمع الطفل إلى حكايات جدته عن أدهم الشرقاوي وبطولاته وكفاحه ودهائه في محاربة الإنكليز والسلطة... لكن لعل ما ترك في نفسي أثرا عميقا موال زهران بطل دنشواي... وأنا أستمع إليه من أمي. وقد اعتليت سطح الفرن الدافئ إلى جانب الأرانب وإخوتي الصغار... وقد استغرقوا جميعا في النوم. أما أنا فكنت بين اليقظة والمنام.
كان هذا الموال يستهويني في كل مرة أستمع إليه... فدنشواي قرية لا تبعد عن قريتنا بأكثر من خمسة كيلو مترات... والموال يحكي كيف أن عساكر الإنكليز. عندما شاهدوا أبراج الحمام في دنشواي أطلقوا عليها الرصاص.
وطاشت طلقة أحرقت جرنا من أجران القمح... وتجمع الفلاحون فأطلق عليهم الرصاص أحد عساكر الإنكليز وجرى... جرى الفلاحون وراءه وأمسكوا به وحصلت معركة مات فيها العسكري الإنكليزي... وفي الحال قبضوا على الأهالي... وشكلت محكمة عسكرية في القرية... وعلقت المشانق قبل صدور الأحكام التي قضت بجلد عدد من الفلاحين وشنق عدد آخر.
وكان زهران بطل المعركة التي قامت مع الإنكليز وكان أول من حكموا بشنقه... ويحكي الموال عن شجاعة زهران وصموده في المعركة وكيف أنه تقدم إلى المشنقة مرفوع الرأس فخورا مزهوا بنفسه. لأنه استطاع أن يتصدى للمعتدين وأن يقتل أحدهم.
كنت أستمع إلى الموال «ليلة بعد ليلة»، وأنا بين النوم واليقظة ـ كما قلت ـ ولعل هذا ما جعل عقلي الباطن يختزن القصة... وأطلق العنان لخيالي فكم رأيت زهران وعشت بطولته في الصحو وفي المنام... وكم تمنيت لو كنت زهران.
وهكذا أدركت من فوق سطح الفرن، في دارنا بالقرية أن هناك خطأ ما في حياتنا... وقبل أن أرى الإنكليز... وأنا مازلت داخل قريتي... تعلمت أن أكره المعتدين الذين قتلوا وجلدوا أهلنا.
ولكن لم يكن هذا كل ما تعلمته في ميت أبوالكوم، فقد تعلمت ما بقي بعد ذلك معي طول العمر. وهو أنني أينما ذهبت وفي أي مكان كنت فسوف أعرف دائما أين أنا... لن أضل الطريق أبدا... إني أعرف أن جذوري هناك حية متأصلة في أرض قريتي التي أنبتتني كما تنبت الزرع والشجر.
يكمل السادات في رسائله: قضيت السنوات الأولى من حياتي في قريتي الوادعة إلى أن كان يوم. وجدت نفسي فيه أنتقل فجأة مع أسرتي إلى القاهرة لأن والدي ـ كما قالوا لي ـ قد عاد من السودان.
كوبري القبة وهتلر
انتقل السادات إلى القاهرة العام 1925... في أعقاب مقتل السردار الإنكليزي سيرل ستاك، وفي سنة 1924... واستقر مع أسرته في بيت صغير بكوبري القبة «شرق القاهرة».
وبدأ وعيه السياسي يتشكل أثناء دراسته في المرحلة الثانوية لدرجة أن غاندي مر بمصر في طريقه إلى إنكلترا... وأعجب السادات بغاندي لدرجة أنه خلع ملابسه وغطى نصفه الأسفل بإزار وضع فيه مغزلا واعتكف فيه فوق سطح بيتهم بالقاهرة عدة أيام إلى أن تمكن والدي من إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة خاصة وأن الوقت كان شتاء.
ونكمل مع رسائل السادات، أو مدوناته - والتي تحولت إلى مذكرات - ويقول: عندما زحف هتلر من ميونخ على برلين ليخلص بلاده من آثار هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. ويعيد بناءها كنت في ذلك الوقت أقضي الصيف في القرية... فجمعت أقراني وقلت لهم إننا يجب أن نفعل كما فعل هتلر وأنني أنوي الزحف على القاهرة من ميت أبوالكوم... كان عمري في ذلك الوقت «12» سنة فضحكوا مني وانصرفوا عني.
ويضيف: كنت أبحث عن ملهم أو زعيم يأخذ منحاه ليخلص بلاده من المستعمر... وجاء دخولي الكلية الحربية التي كانت تعتمد على «الواسطة»... ولكن من أين لي بالواسطة ووالدي مجرد - باشكاتب - بالقسم الطبي.
ويقول: استطاع والدي التوصل إلى اللواء إبراهيم باشا خيري. رئيس اللجنة التي تقبل الطلبات بالكلية الحربية... كما توصل والدي إلى حكيمباشي الجيش المصري وهو إنكليزي. يدعى فيتس باتريك... وتخرجت في الكلية الحربية العام 1938 وكان موضع إعجابه في هذه الفترة أحمد عرابي ومصطفى كامل وأتاتورك... وانتقل إلى منقباد وكانت تتم اجتماعات معي والزملاء الضباط لمناقشة أوضاع البلد والقيام بدور لأجل تحريرها من الاستعمار... وكان ينقلنا أتوبيس عسكري خاص من منقباد إلى أسيوط «وسط صعيد مصر»، والتقيت هناك للمرة الأولى بجمال عبدالناصر وكان انطباعي عنه أنه شاب جاد لا يميل إلى المزاح مثل غيره من الزملاء. ولا يقبل أن يضاحكه أي إنسان لأنه كان يرى في هذا مساسا بكرامته ما جعل أغلب الزملاء يبتعدون عنه بل ويتحاشون الكلام معه حتى لا يسيء فهمهم.
ويكمل السادات: كان ينصت إلى مناقشاتنا باهتمام ولكنه لا يتكلم إلا في القليل النادر... وقد توسمت فيه الجدية للوهلة الأولى وكنت تواقا إلى المزيد من التعرف عليه... ولكن كان من الواضح أنه يقيم بينه وبين غيره من الناس حاجزا من الصعب اجتيازه... فقد كان منطويا على نفسه بشكل يلفت النظر ولذلك فكل ما قام بيننا - في تلك المرحلة - لم يخرج عن نطاق الاحترام المتبادل ولكن عن بعد.
واعتقل السادات أكثر من مرة. إذ اتهم في قضية مقتل أمين عثمان الشهيرة وهرب من المعتقل أكثر من مرة، وقامت ثورة يوليو فأججت نيران الثورات في العالم العربي.
قالت رقية السادات في حوار منشور لها بجريدة الأهرام: بعد أن خرج والدي من السجن الذي قضى فيه 31 شهرا متواصلا بدأ مع زملائه في الإعداد للثورة بعد أن عاد إلى القوات المسلحة في 15 يناير برتبة يوزباشي، وهي الرتبة نفسها التي خرج بها وكان أول من زاره وفرح بعودته إلى الجيش... جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأخذهم الحديث عن تنظيم الضباط الأحرار ومدى قوته واتساعه وكشف له عبدالناصر عن خريطة الضباط الأحرار في وحدات الجيش وقامت بينهم علاقات وطيدة.
وتذكر أنه كتب لها ذات مرة عن هذه الفترة، وقال: بدأ عبدالناصر في تكوين الهيئة التأسيسية واختيار أعضائها ممن اقترب منهم شخصيا في حرب فلسطين مثل: كمال الدين حسين وصلاح سالم وعبدالحكيم عامر»، وكذلك قادة التنظيم قبل أن يتسلمه وهم «عبدالمنعم عبدالرؤوف وعبداللطيف بغدادي وخالد محيي الدين وحسن إبراهيم وأنا... نظرا للعلاقة القوية التي كانت بيننا.
ويكمل: استطعت اختراق القصر الملكي ومعرفة خبايا الملك ونواياه عن طريق صداقته بيوسف رشاد... وأخبر عبدالناصر أن الملك بدأ ينهار بعد حريق القاهرة.
وتكمل رقية الحكاية من خلال ما تركه والدها من خطابات وتقول: سافر والدي إلى العريش، لكن عبدالناصر أرسل له رسالة مع حسن إبراهيم يطلب منه فيها النزول إلى القاهرة يوم 22 يوليو. لأن الثورة تحدد قيامها بين 22 يوليو و5 أغسطس، وعليه أن يعود في 22 يوليو... ولما عاد أبي لم يجد عبدالناصر يستقبله كالعادة فأخذ «طنط جيهان»... وذهب إلى السينما، ولما عاد وجد بطاقة يطلب فيها لقاءه في منزل عبدالحكيم في الحادية عشرة مساء... وقد أخبره البواب أن الذي ترك البطاقة عاد مرتين لزيارته.
ووصل لعبدالحكم عامر... بصعوبة وتوجه إلى رئاسة الجيش حيث طلب منه عبدالناصر الاتصال تلفونيا بجميع الوحدات ليعرف أن كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة حتى قاموا بثورتهم وحرّروا البلد التي حلموا بها... خالية من المستعمر.
يلاحق الناس... النجوم والمشاهير... في أعمالهم وحياتهم العامة، وكثيرا في حياتهم الخاصة. يسألون عن أسرارهم وتحركاتهم... غرامياتهم وزيجاتهم، وماذا يفعلون... وكيف يعيشون.
إنها «الملاحقة»... التي قد تؤذي النجوم والمشاهير أحيانا... خصوصا إذا كانت في أمور خاصة جدا.
ولعل من بين خصوصيات النجوم والمشاهير «سياسيون وديبلوماسيون وإعلاميون وفنانون ورياضيون وأدباء»... خطاباتهم «رسائلهم»... خصوصا في أمورهم الشخصية أو العائلية، أو حتى في حياتهم المهنية والعملية.
وفي هذه الرسائل... وكونها تخص نجوما ومشاهير سوف تتوالى المفاجآت... وقد تكون المفاجآت غرامية ملتهبة، أو خلافات حادة، أو طلبات غريبة.
و«الراي» تقلب في كثير من رسائل وخطابات النجوم «الورقية» طبعا، لأن ما قصدناهم لم يكونوا على صلة بـ «الإيميل» أو الفاكس في الغالب.
وجدنا في هذه الرسائل... غزلا وعشقا وهياما، كما عثرنا على ألغاز ومفاجآت وأسرار، وأحزان وأفراح وآمال وأحلام ومحطات إخفاق.
وفيها أيضا أسرار شخصية واجتماعية، ولم تسلم من السياسة ومعارك الديبلوماسية والأعمال المخابراتية، ودقائق أسرار الثورات.
ووجدناها مغموسة في دقائق الأمور في الزواج الأول، وفي الطلاق، وحكايات الزواج الثاني، والعلاقات المجتمعية، والأحداث الطريفة والغريبة.
ولا يسلم الأمر... من رسائل سببت حين إرسالها أزمات، أو حتى عندما كشف عنها بعد سنوات طوال، أو كشفت عن أسرار، أو غيرت في مسار حدث أو في سيرة شخص ذاتية.
بالفعل... في رسائل المشاهير والنجوم... الكثير من الحكايات، التي يمكن الوقوف عندها، والسطور التي لا يمكن إغفالها، والأشخاص الذين لا يمكن أن نمر عليهم مرور الكرام.
إنها رسائل وتوقيعات... لا يمكن إهمالها، ولهذا اقتربنا منها، وقلبنا في كلماتها، وعثرنا على أصولها، أو حتى صور منها، ولعل في إعادة النظر إفادة، وهذا ما قد تجده في السطور التالية:
كانت مصر بحاجة إلى يد صادقة. تمتد لتداري جسدها العاري وتلبسها ثوبا وتنمقه، وجاء أنور السادات. ذلك الطفل الذي كان ينام فوق الفرن ملتمسا الدفء في ليالي الشتاء، وكانت جدته ـ حتى مات ـ هي قدوته.
وهي المرأة نفسها التي أهانها هيكل في كتابه «خريف الغضب»... لأنه كان يعرف أنها كانت عزيزة على قلب السادات.
حكت الجدة للطفل محمد أنور... عن أدهم الشرقاوي ومصطفى كامل، والفتى زهران... الذي شنقه المستعمر الإنكليزي في حادثة دنشواي، وحلم أنور السادات بأن يكون «زهران»، وكره الإنكليز قبل أن يراهم.
استطاع هذا الفلاح الأسمر... أن يبهر العالم بانتصاره، ثم صدمه. بكامب ديفيد سواء الرافضين أو المؤيدين، ورأت ابنته الكبرى «رقية» أن العالم كله لم يعرف أن السادات على حق إلا بعدما مات.
رقية مثل السادات - في صلابته وفي جرأته وطريقة كلامه - هي عاشقة لأبيها إلى حد الاندماج... متمسكة بمبادئه وآرائه إلى حد الانتصار... تزهو وتفخر به.
رقية لا تعمل... ربت أولادها «محمد وأنور وأشرف وسها». على القيم والتقاليد الأصيلة، وإضافة إلى رسالتها في تربية أولادها، تحتفظ رقية بخطابات أبيها، والرسائل التي كتبها قبل ثورة يوليو 1952 وبعد ثورة يوليو.
ولابد أن تمتلئ هذه الخطابات بالحنان والدفء والاهتمام بأطفاله الصغار، وذلك لأن محمد أنور السادات. نشأ وتربى في القرية... وابن القرية تمنحه البيئة الهادئة الدافئة الممتلئة احتواء لأهلها «حنية» وطيبة وودا.
والمتأمل لسيرته الذاتية في كتابه «البحث عن الذات» الذي أعده موسى صبري ولم يكتب اسمه على الكتاب يرى اهتمامه بالحديث عن نشأته من خلال قوله: كل شيء في القرية كان في الحقيقة مصدر سعادة لي لا تماثلها سعادة أخرى عندما نخرج لنشتري الجزر لا من بائع الجزر... بل من الأرض نفسها.
ويكمل: عندما أضع بصلة في. محماة الفرن وهم يخبزون العيش ثم أعود آخر النهار فأخرج البصلة وآكلها. وحينما كنت ألعب مع أقراني في القرية في ليالي القمر أو نسهر على المصطبة. نحن والطبيعة من حولنا والسماء فوقنا لا فاصل بيننا.
حركة الفلاحين
في رسائله كتب الرئيس المصري الراحل: وشروق الشمس... عندما كنت أسير مع عشرات الصبية والفتيان والرجال أصحب الدواب والبهائم في موكب خروج الفلاحين للعمل وسط خُضرة لا يحدها البصر وبسطة الأرض التي تبدو كأن لا أرض بعدها.
كل شيء كان يسعدني في ميت أبوالكوم... قريتي الوديعة القابعة في أحضان دلتا النيل نحو «90 كيلو مترا شمال القاهرة» حتى برودة الماء في الشتاء عندما كنت أخرج في الفجر. لأن الترعة امتلأت بالمياه ولكن الفترة لا تتعدى الخمسة عشر يوما هي «النوبة» أو نصيب قريتنا في الريّ... ولذلك كان الإسراع بالعمل والمشاركة فيه أمرا ضروريا فنحن كل يوم في أرض واحد منا نرويها بطنبوره أو بطنبور غيره. لا يهم... المهم أنه بانتهاء النوبة تكون أرض القرية كلها ارتوت.
ويكمل: هذا العمل الجماعي مع الغير، ومن أجل الغير دون أن أنتظر منه ربحا أو فائدة لي جعلني أشعر أنني لا أنتمي إلى أسرتي الصغيرة في دارنا أو أسرتي الكبيرة في قريتنا... بل إلى شيء أكبر وأهم هو الأرض.
ولذلك ففي رحلة العودة مع الغروب. والدخان ينبعث من البيوت مؤذنا بعشاء شهيّ ينتهي بعده اليوم في القرية... والهدوء يخيم على الجميع والسلام يعمر قلوبنا... كنت أتأمل الشجر والزرع وأحس برباط خفي من الحب والصداقة تربطني بكل ما حولي.
ست البرين
وكانت تربط السادات بجدته «ست البرين»، علاقة من نوع خاص... وكان دوما يردد قولها: «لا شيء يساوي أنك ابن الأرض... فالأرض هي الخلود لأن الله أودعها كل سره...».
وكان يصفها في رسائله... وكتب يقول: «كم كنت أحب هذه السيدة... كانت شخصية في غاية القوة بالإضافة إلى الحكمة... حكمة الفطرة... والتجربة... والحياة... وطوال فترة نشأتي في القرية كانت هي رأس العائلة، فقد كان والدي يعمل مع الجيش في السودان... وكانت هي ترعانا وتخرج وراء الأنفار كأي رجل. تتعهد الفدانين ونصف الفدان. التي اقتناها والدي».
أم الأفندي... هكذا كانوا يطلقون عليها في القرية... ولهذا قصة.
ويروي السادات القصة. في إحدى رسائله لأحد أصدقائه: «كان منتهى أمل القروي عندنا أن يدخل الأزهر... ولكن جدي. الذي كان يعرف الكتابة والقراءة وهو أمر نادر في وقته... أراد أن يشق لأبي طريقا آخر... فأدخله التعليم العام حيث حصل على الشهادة الابتدائية... وكانت في ذلك الوقت تعتبر مؤهلا مهما... فالاحتلال البريطاني كان في أولى مراحله... وجميع المواد كانت تدرس باللغة الإنكليزية.
والدي أول من حصل على الشهادة الابتدائية في قريتنا... ولذلك بالرغم من أن بقريتنا الآن مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات، إلا أنه عندما يأتي ذكر الأفندي وأولاد الأفندي يعرف كل إنسان أنه والدي وأبناؤه.
وقد أدخلت «ست البرين» حفيدها محمد أنور كُتّاب القرية فحفظ القرآن الكريم ثم نقلته إلى مدرسة الأقباط بطوخ. حيث يوجد دير قديم مشهور، ومطرانه هو مطران دير وادي النطرون نفسه.
موال زهران
ويكمل في رسالة لصديقه: استمع الطفل إلى حكايات جدته عن أدهم الشرقاوي وبطولاته وكفاحه ودهائه في محاربة الإنكليز والسلطة... لكن لعل ما ترك في نفسي أثرا عميقا موال زهران بطل دنشواي... وأنا أستمع إليه من أمي. وقد اعتليت سطح الفرن الدافئ إلى جانب الأرانب وإخوتي الصغار... وقد استغرقوا جميعا في النوم. أما أنا فكنت بين اليقظة والمنام.
كان هذا الموال يستهويني في كل مرة أستمع إليه... فدنشواي قرية لا تبعد عن قريتنا بأكثر من خمسة كيلو مترات... والموال يحكي كيف أن عساكر الإنكليز. عندما شاهدوا أبراج الحمام في دنشواي أطلقوا عليها الرصاص.
وطاشت طلقة أحرقت جرنا من أجران القمح... وتجمع الفلاحون فأطلق عليهم الرصاص أحد عساكر الإنكليز وجرى... جرى الفلاحون وراءه وأمسكوا به وحصلت معركة مات فيها العسكري الإنكليزي... وفي الحال قبضوا على الأهالي... وشكلت محكمة عسكرية في القرية... وعلقت المشانق قبل صدور الأحكام التي قضت بجلد عدد من الفلاحين وشنق عدد آخر.
وكان زهران بطل المعركة التي قامت مع الإنكليز وكان أول من حكموا بشنقه... ويحكي الموال عن شجاعة زهران وصموده في المعركة وكيف أنه تقدم إلى المشنقة مرفوع الرأس فخورا مزهوا بنفسه. لأنه استطاع أن يتصدى للمعتدين وأن يقتل أحدهم.
كنت أستمع إلى الموال «ليلة بعد ليلة»، وأنا بين النوم واليقظة ـ كما قلت ـ ولعل هذا ما جعل عقلي الباطن يختزن القصة... وأطلق العنان لخيالي فكم رأيت زهران وعشت بطولته في الصحو وفي المنام... وكم تمنيت لو كنت زهران.
وهكذا أدركت من فوق سطح الفرن، في دارنا بالقرية أن هناك خطأ ما في حياتنا... وقبل أن أرى الإنكليز... وأنا مازلت داخل قريتي... تعلمت أن أكره المعتدين الذين قتلوا وجلدوا أهلنا.
ولكن لم يكن هذا كل ما تعلمته في ميت أبوالكوم، فقد تعلمت ما بقي بعد ذلك معي طول العمر. وهو أنني أينما ذهبت وفي أي مكان كنت فسوف أعرف دائما أين أنا... لن أضل الطريق أبدا... إني أعرف أن جذوري هناك حية متأصلة في أرض قريتي التي أنبتتني كما تنبت الزرع والشجر.
يكمل السادات في رسائله: قضيت السنوات الأولى من حياتي في قريتي الوادعة إلى أن كان يوم. وجدت نفسي فيه أنتقل فجأة مع أسرتي إلى القاهرة لأن والدي ـ كما قالوا لي ـ قد عاد من السودان.
كوبري القبة وهتلر
انتقل السادات إلى القاهرة العام 1925... في أعقاب مقتل السردار الإنكليزي سيرل ستاك، وفي سنة 1924... واستقر مع أسرته في بيت صغير بكوبري القبة «شرق القاهرة».
وبدأ وعيه السياسي يتشكل أثناء دراسته في المرحلة الثانوية لدرجة أن غاندي مر بمصر في طريقه إلى إنكلترا... وأعجب السادات بغاندي لدرجة أنه خلع ملابسه وغطى نصفه الأسفل بإزار وضع فيه مغزلا واعتكف فيه فوق سطح بيتهم بالقاهرة عدة أيام إلى أن تمكن والدي من إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة خاصة وأن الوقت كان شتاء.
ونكمل مع رسائل السادات، أو مدوناته - والتي تحولت إلى مذكرات - ويقول: عندما زحف هتلر من ميونخ على برلين ليخلص بلاده من آثار هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. ويعيد بناءها كنت في ذلك الوقت أقضي الصيف في القرية... فجمعت أقراني وقلت لهم إننا يجب أن نفعل كما فعل هتلر وأنني أنوي الزحف على القاهرة من ميت أبوالكوم... كان عمري في ذلك الوقت «12» سنة فضحكوا مني وانصرفوا عني.
ويضيف: كنت أبحث عن ملهم أو زعيم يأخذ منحاه ليخلص بلاده من المستعمر... وجاء دخولي الكلية الحربية التي كانت تعتمد على «الواسطة»... ولكن من أين لي بالواسطة ووالدي مجرد - باشكاتب - بالقسم الطبي.
ويقول: استطاع والدي التوصل إلى اللواء إبراهيم باشا خيري. رئيس اللجنة التي تقبل الطلبات بالكلية الحربية... كما توصل والدي إلى حكيمباشي الجيش المصري وهو إنكليزي. يدعى فيتس باتريك... وتخرجت في الكلية الحربية العام 1938 وكان موضع إعجابه في هذه الفترة أحمد عرابي ومصطفى كامل وأتاتورك... وانتقل إلى منقباد وكانت تتم اجتماعات معي والزملاء الضباط لمناقشة أوضاع البلد والقيام بدور لأجل تحريرها من الاستعمار... وكان ينقلنا أتوبيس عسكري خاص من منقباد إلى أسيوط «وسط صعيد مصر»، والتقيت هناك للمرة الأولى بجمال عبدالناصر وكان انطباعي عنه أنه شاب جاد لا يميل إلى المزاح مثل غيره من الزملاء. ولا يقبل أن يضاحكه أي إنسان لأنه كان يرى في هذا مساسا بكرامته ما جعل أغلب الزملاء يبتعدون عنه بل ويتحاشون الكلام معه حتى لا يسيء فهمهم.
ويكمل السادات: كان ينصت إلى مناقشاتنا باهتمام ولكنه لا يتكلم إلا في القليل النادر... وقد توسمت فيه الجدية للوهلة الأولى وكنت تواقا إلى المزيد من التعرف عليه... ولكن كان من الواضح أنه يقيم بينه وبين غيره من الناس حاجزا من الصعب اجتيازه... فقد كان منطويا على نفسه بشكل يلفت النظر ولذلك فكل ما قام بيننا - في تلك المرحلة - لم يخرج عن نطاق الاحترام المتبادل ولكن عن بعد.
واعتقل السادات أكثر من مرة. إذ اتهم في قضية مقتل أمين عثمان الشهيرة وهرب من المعتقل أكثر من مرة، وقامت ثورة يوليو فأججت نيران الثورات في العالم العربي.
قالت رقية السادات في حوار منشور لها بجريدة الأهرام: بعد أن خرج والدي من السجن الذي قضى فيه 31 شهرا متواصلا بدأ مع زملائه في الإعداد للثورة بعد أن عاد إلى القوات المسلحة في 15 يناير برتبة يوزباشي، وهي الرتبة نفسها التي خرج بها وكان أول من زاره وفرح بعودته إلى الجيش... جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأخذهم الحديث عن تنظيم الضباط الأحرار ومدى قوته واتساعه وكشف له عبدالناصر عن خريطة الضباط الأحرار في وحدات الجيش وقامت بينهم علاقات وطيدة.
وتذكر أنه كتب لها ذات مرة عن هذه الفترة، وقال: بدأ عبدالناصر في تكوين الهيئة التأسيسية واختيار أعضائها ممن اقترب منهم شخصيا في حرب فلسطين مثل: كمال الدين حسين وصلاح سالم وعبدالحكيم عامر»، وكذلك قادة التنظيم قبل أن يتسلمه وهم «عبدالمنعم عبدالرؤوف وعبداللطيف بغدادي وخالد محيي الدين وحسن إبراهيم وأنا... نظرا للعلاقة القوية التي كانت بيننا.
ويكمل: استطعت اختراق القصر الملكي ومعرفة خبايا الملك ونواياه عن طريق صداقته بيوسف رشاد... وأخبر عبدالناصر أن الملك بدأ ينهار بعد حريق القاهرة.
وتكمل رقية الحكاية من خلال ما تركه والدها من خطابات وتقول: سافر والدي إلى العريش، لكن عبدالناصر أرسل له رسالة مع حسن إبراهيم يطلب منه فيها النزول إلى القاهرة يوم 22 يوليو. لأن الثورة تحدد قيامها بين 22 يوليو و5 أغسطس، وعليه أن يعود في 22 يوليو... ولما عاد أبي لم يجد عبدالناصر يستقبله كالعادة فأخذ «طنط جيهان»... وذهب إلى السينما، ولما عاد وجد بطاقة يطلب فيها لقاءه في منزل عبدالحكيم في الحادية عشرة مساء... وقد أخبره البواب أن الذي ترك البطاقة عاد مرتين لزيارته.
ووصل لعبدالحكم عامر... بصعوبة وتوجه إلى رئاسة الجيش حيث طلب منه عبدالناصر الاتصال تلفونيا بجميع الوحدات ليعرف أن كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة حتى قاموا بثورتهم وحرّروا البلد التي حلموا بها... خالية من المستعمر.