| بيروت - من هلا داغر |
معلوم أن الحلاق هو الذي يوشوش في أذن زبائنه، ينقل لهم الأخبار والأجواء وكل ما يرى ويشاهد. إلا أن الوضع يختلف حين يكون الزبون من أهل السياسة ورجالها. هنا، صاحب المقص والمشط يصغي، لكنه يتكتم على ما يسمع. يقلل من الكلام، ويصبح تجاذب أطراف الحديث شحيحاً، رغم أن علاقة وطيدة تنشأ بين الرجلين وتستمر بحكم اعتماد الأول على الثاني في قص الشعر وحلق الذقن وترتيب «الشبوبية» لأنه السياسي الذي يطل على الناس بـ «أحلى صورة».
حلّاقو السياسيين يحرصون على زبائنهم وعلى أسرارهم، ويتكتمون على الأسماء التي يتعاملون معها. بالكاد استطعنا جرّهم إلى ذكرها «حرصاً على خصوصيتهم» في زمن أصبح التعامل مع السياسيين في غاية الدقة نظراً الى ظروف البلد والاجراءات الأمنية التي يحوطون أنفسهم بها. علماً أن كثيرين رفضوا الحديث وقالوا «اعفونا من هذه المسألة لأننا لا نريد أن نزعّل أحداً منهم، فزبائننا من فريقي 8 و14 مارس».
في السبعينات كان صالون الحلاق جورج عيد في شارع الحمراء (غرب بيروت) قبل أن تندلع الأحداث اللبنانية العام 1975 . في تلك المرحلة كان بعض السياسيين ممن لا يزالون طلاباً في الجامعة الأميركية يقصدون صالونه لقص شعورهم وحلق ذقونهم إذ كان من السهل عليهم الوصول إليه لوقوعه على مسافة خطوتين من الجامعة. وخلال الأحداث، ولأنه كان يقص لمسؤولين سياسيين لا ينتمون للخط السياسي الذي كان سائد تلك المنطقة، مورست ضغوط عليه فاضطر للانتقال إلى منطقة جونيه في كسروان. «دفعت ثمناً غالياً بسبب الحرب الأهلية. خطفت في سيارتي وتمكنت بعون من الله من الإفلات من الخاطفين المسلحين بعدما أطلقوا النار علي، واجبرت ايضا على تغيير مكان صالوني. لكنني استمررت مع الطلاب الذين صاروا سياسيين وظلوا زبائني».
هؤلاء الطلاب بعضهم صار وزيراً والبعض الآخر نائباً أو مسؤولاً حزبياً أو عاملاً في الشأن العام. «الأشخاص الذين انفسهم الذين بدأوا معي، استمروا حتى بعدما غيرت مكان الصالون. بل تحولت علاقتي بهم صداقة وأخوة. أحياناً، «يفشون خلقهم» ويحكون لي ما لا يحكونه للناس، خصوصاً أنني معروف بانني كاتم الأسرار، وأطبق مبدأ المجالس بالأمانات. حتى العاملون في صالوني لا يعرفون من هم زبائني السياسيون لأني أقصدهم في بيوتهم».
في مرحلة الاغتيالات التي عرفها لبنان خلال السنوات الخمس الماضية، أحكم السياسيون الطوق على أنفسهم بإجراءات أمنية مشددة، فاضطر المعلم جورج عيد إلى الانتقال إلى منازلهم أو حيث يكونون، وكانت مناسبة له للتعرّف إلى آخرين اعجبوا بعمله وأسلوبه الحديث في قص الشعر فصاروا بدورهم من زبائنه.
يرفض عيد ذكر اسم أول سياسي قص له شعره خلال مسيرته «لأنه اليوم يتسلم مسؤولية كبيرة في الدولة». كان ذلك، كما يوضح، خلال السبعينات، علماً أنه تعرّف اليه العام 1968 . وضعي حساس جداً بالنسبة إليه إلى درجة أنني حين أقصده في منزله، لا أذهب في سيارتي الخاصة بل في سيارة ترسل إلي لنقلي. ممنوع عليّ كلياً أن أفشي بمعلومات حوله». ويذكر أن والد هذا السياسي المهم كان ايضاً زبونه، أي انه انتقل من الأب إلى الابن.
ويتحدث عن رؤساء أحزاب يعتمدونه كحلاق خاص و«ثلاثة أرباعهم من تيارات مختلفة».
هل يعتمد لكل منهم قصّة؟ يجيب «لهم ثقة بذوقي وعملي وأنا بطبيعة الحال أحافظ على رصانة موقعهم. لا يجوز أن أقص قصة ديسكو لوزير أو نائب أو رئيس حكومة. القصة تكون كلاسيكية ومودرن في الوقت نفسه، تليق بوجهه وموقعه السياسي. في اي حال أنا معروف بين الحلاقين بإعطاء القصة التي تناسب كل وجه. ونلت اخيراً جائزة أفضل حلاق في بوخارست وقدمتها الى وزير السياحة ايلي ماروني».
ويكشف أن أحد السياسيين في أول قصة كان متطلباً جداً لأن شعره صعب وكان يقص في باريس. «في القصة الأولى رجفت يداي من كثرة تطلبه. ولكن بعدما انتهيت منها قال لي إذا غسلت شعري وبقي مرتباً كما هو عليه سأكون زبون الصالون الدائم. وبالفعل ما زال زبوناً».
ويقول عيد ان السياسيين أنفسهم يطرحون عليه أسئلة عن الأوضاع في البلد. «أحترم صمتهم، ولأنهم يعرفون نوعية زبائني، يسألونني عما يدور من أحاديث بينهم وعن آرائهم في الوضع. مرة كنت أقص شعر أحد الوزراء وكان عنده شخص مسؤول في الدولة ومن تيار سياسي مخالف لخطه، لكنهما صديقان. وكانا يتبادلان الحديث فانتبه هذا المسؤول وقال للوزير يجب الا نتكلم أمام الحلاق فقال له لا عليك، فأنا أثق به تماماً. فسألني «ماذا يحكي عنا الناس والمواطنون»، فقلت له «اعطني الأمان» فقال «يبدو أن ما ستقوله ليس لمصلحتنا»، فبادرته «لقد عرفت الجواب من دون أن أتكلم».
ويروي أن مسؤولاً سياسياً صبغ شعره عند أحد الحلاقين، فلم يكن اللون مناسباً ولم يكن بالإمكان تصحيحه، «فجن جنون السياسي الذي لم أكن أعرفه، وتم الاتصال بي ليلاً بواسطة صديق ليوافيني إلى صالوني. وصلت فوجدت الشارع محاطاً برجال أمن. وفوجئت بصاحب العلاقة الذي بادرني إلى السؤال: «هل يمكن تصحيح اللون أم أسافر إلى باريس؟» فأجبته «في الإمكان تصحيحه ولكنه يتطلب وقتا». وبالفعل رجع لون شعره إلى ما كان عليه وصرنا أصدقاء من يومها».
ويعطي المعلم جورج صورة عن السياسي مخالفة للصورة الجدية التي يظهر فيها على شاشة التلفزيون، فيقول انه «بينه وبين نفسه ينزعج من الصورة الجدية التي يراه المواطنون فيها وهو في النهاية بشر من لحم ودم». ويضيف «غالباً ما يطلب مني السياسيون أن أروي لهم نكتة أو طرفة».
ويؤكد أن السياسي حريص على هندامه وشكله، «فالترتيب هو راحة نفسية للشخص. الذقن الطويلة والثياب غير المرتبة والشكل المهمل يزعج صاحبه والآخرين من حوله. زبائني من السياسيين أصحاب ذوق رفيع في ملابسهم. وحين أشارك في مسابقات في دول أوروبية يحضرها رسميون، فانهم لا يكونون أنيقين بقدر ما هم عليه السياسيون في لبنان».
يتمنى عيد لو كان حلاق الرئيس الاسبق أمين الجميل، «لكنت غيرت لوك شعره بالتأكيد، لان شكل وجهه يحتمل التغيير». ويكشف أنه قص مراراً شعر ابنه الوزير الشهيد بيار الجميل، «وكدت أصل إلى والده لكن الوضع الأمني حال دون ذلك».
وحين نسأله عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يجيب «نقطة على السطر، كان رحمه الله صاحب ذوق رفيع وأستطيع أن أقول انه ملك الذوق في الأناقة».
وإذا كان بعض السياسيين يصبغ شعره على يد المعلم جورج، فبالكاد يمكن ملاحظة اللون «لأن طريقة صبغ الشعر لدى الرجال مختلفة عنها لدى النساء».
ويكشف أن العديد من السياسيين الشباب هم من زبائنه. ونسأله: هل نجحوا في الانتخابات النيابية الأخيرة؟ فيجيب «البعض منهم خسر. حتى الجيل الشاب يترك لي حرية اختيار القصة التي تناسبه ولا يتبع الموضة. لا يمكن أن يكون شعره «سبايكي» مثلاً».
ويختتم «حين أحب مسؤولاً سياسياً، أحبه ولا أعلن ذلك. وكثيرون منهم لا يعرفون خطي وميولي السياسية. هذه المهنة تتطلب منا التكتم».
معلوم أن الحلاق هو الذي يوشوش في أذن زبائنه، ينقل لهم الأخبار والأجواء وكل ما يرى ويشاهد. إلا أن الوضع يختلف حين يكون الزبون من أهل السياسة ورجالها. هنا، صاحب المقص والمشط يصغي، لكنه يتكتم على ما يسمع. يقلل من الكلام، ويصبح تجاذب أطراف الحديث شحيحاً، رغم أن علاقة وطيدة تنشأ بين الرجلين وتستمر بحكم اعتماد الأول على الثاني في قص الشعر وحلق الذقن وترتيب «الشبوبية» لأنه السياسي الذي يطل على الناس بـ «أحلى صورة».
حلّاقو السياسيين يحرصون على زبائنهم وعلى أسرارهم، ويتكتمون على الأسماء التي يتعاملون معها. بالكاد استطعنا جرّهم إلى ذكرها «حرصاً على خصوصيتهم» في زمن أصبح التعامل مع السياسيين في غاية الدقة نظراً الى ظروف البلد والاجراءات الأمنية التي يحوطون أنفسهم بها. علماً أن كثيرين رفضوا الحديث وقالوا «اعفونا من هذه المسألة لأننا لا نريد أن نزعّل أحداً منهم، فزبائننا من فريقي 8 و14 مارس».
في السبعينات كان صالون الحلاق جورج عيد في شارع الحمراء (غرب بيروت) قبل أن تندلع الأحداث اللبنانية العام 1975 . في تلك المرحلة كان بعض السياسيين ممن لا يزالون طلاباً في الجامعة الأميركية يقصدون صالونه لقص شعورهم وحلق ذقونهم إذ كان من السهل عليهم الوصول إليه لوقوعه على مسافة خطوتين من الجامعة. وخلال الأحداث، ولأنه كان يقص لمسؤولين سياسيين لا ينتمون للخط السياسي الذي كان سائد تلك المنطقة، مورست ضغوط عليه فاضطر للانتقال إلى منطقة جونيه في كسروان. «دفعت ثمناً غالياً بسبب الحرب الأهلية. خطفت في سيارتي وتمكنت بعون من الله من الإفلات من الخاطفين المسلحين بعدما أطلقوا النار علي، واجبرت ايضا على تغيير مكان صالوني. لكنني استمررت مع الطلاب الذين صاروا سياسيين وظلوا زبائني».
هؤلاء الطلاب بعضهم صار وزيراً والبعض الآخر نائباً أو مسؤولاً حزبياً أو عاملاً في الشأن العام. «الأشخاص الذين انفسهم الذين بدأوا معي، استمروا حتى بعدما غيرت مكان الصالون. بل تحولت علاقتي بهم صداقة وأخوة. أحياناً، «يفشون خلقهم» ويحكون لي ما لا يحكونه للناس، خصوصاً أنني معروف بانني كاتم الأسرار، وأطبق مبدأ المجالس بالأمانات. حتى العاملون في صالوني لا يعرفون من هم زبائني السياسيون لأني أقصدهم في بيوتهم».
في مرحلة الاغتيالات التي عرفها لبنان خلال السنوات الخمس الماضية، أحكم السياسيون الطوق على أنفسهم بإجراءات أمنية مشددة، فاضطر المعلم جورج عيد إلى الانتقال إلى منازلهم أو حيث يكونون، وكانت مناسبة له للتعرّف إلى آخرين اعجبوا بعمله وأسلوبه الحديث في قص الشعر فصاروا بدورهم من زبائنه.
يرفض عيد ذكر اسم أول سياسي قص له شعره خلال مسيرته «لأنه اليوم يتسلم مسؤولية كبيرة في الدولة». كان ذلك، كما يوضح، خلال السبعينات، علماً أنه تعرّف اليه العام 1968 . وضعي حساس جداً بالنسبة إليه إلى درجة أنني حين أقصده في منزله، لا أذهب في سيارتي الخاصة بل في سيارة ترسل إلي لنقلي. ممنوع عليّ كلياً أن أفشي بمعلومات حوله». ويذكر أن والد هذا السياسي المهم كان ايضاً زبونه، أي انه انتقل من الأب إلى الابن.
ويتحدث عن رؤساء أحزاب يعتمدونه كحلاق خاص و«ثلاثة أرباعهم من تيارات مختلفة».
هل يعتمد لكل منهم قصّة؟ يجيب «لهم ثقة بذوقي وعملي وأنا بطبيعة الحال أحافظ على رصانة موقعهم. لا يجوز أن أقص قصة ديسكو لوزير أو نائب أو رئيس حكومة. القصة تكون كلاسيكية ومودرن في الوقت نفسه، تليق بوجهه وموقعه السياسي. في اي حال أنا معروف بين الحلاقين بإعطاء القصة التي تناسب كل وجه. ونلت اخيراً جائزة أفضل حلاق في بوخارست وقدمتها الى وزير السياحة ايلي ماروني».
ويكشف أن أحد السياسيين في أول قصة كان متطلباً جداً لأن شعره صعب وكان يقص في باريس. «في القصة الأولى رجفت يداي من كثرة تطلبه. ولكن بعدما انتهيت منها قال لي إذا غسلت شعري وبقي مرتباً كما هو عليه سأكون زبون الصالون الدائم. وبالفعل ما زال زبوناً».
ويقول عيد ان السياسيين أنفسهم يطرحون عليه أسئلة عن الأوضاع في البلد. «أحترم صمتهم، ولأنهم يعرفون نوعية زبائني، يسألونني عما يدور من أحاديث بينهم وعن آرائهم في الوضع. مرة كنت أقص شعر أحد الوزراء وكان عنده شخص مسؤول في الدولة ومن تيار سياسي مخالف لخطه، لكنهما صديقان. وكانا يتبادلان الحديث فانتبه هذا المسؤول وقال للوزير يجب الا نتكلم أمام الحلاق فقال له لا عليك، فأنا أثق به تماماً. فسألني «ماذا يحكي عنا الناس والمواطنون»، فقلت له «اعطني الأمان» فقال «يبدو أن ما ستقوله ليس لمصلحتنا»، فبادرته «لقد عرفت الجواب من دون أن أتكلم».
ويروي أن مسؤولاً سياسياً صبغ شعره عند أحد الحلاقين، فلم يكن اللون مناسباً ولم يكن بالإمكان تصحيحه، «فجن جنون السياسي الذي لم أكن أعرفه، وتم الاتصال بي ليلاً بواسطة صديق ليوافيني إلى صالوني. وصلت فوجدت الشارع محاطاً برجال أمن. وفوجئت بصاحب العلاقة الذي بادرني إلى السؤال: «هل يمكن تصحيح اللون أم أسافر إلى باريس؟» فأجبته «في الإمكان تصحيحه ولكنه يتطلب وقتا». وبالفعل رجع لون شعره إلى ما كان عليه وصرنا أصدقاء من يومها».
ويعطي المعلم جورج صورة عن السياسي مخالفة للصورة الجدية التي يظهر فيها على شاشة التلفزيون، فيقول انه «بينه وبين نفسه ينزعج من الصورة الجدية التي يراه المواطنون فيها وهو في النهاية بشر من لحم ودم». ويضيف «غالباً ما يطلب مني السياسيون أن أروي لهم نكتة أو طرفة».
ويؤكد أن السياسي حريص على هندامه وشكله، «فالترتيب هو راحة نفسية للشخص. الذقن الطويلة والثياب غير المرتبة والشكل المهمل يزعج صاحبه والآخرين من حوله. زبائني من السياسيين أصحاب ذوق رفيع في ملابسهم. وحين أشارك في مسابقات في دول أوروبية يحضرها رسميون، فانهم لا يكونون أنيقين بقدر ما هم عليه السياسيون في لبنان».
يتمنى عيد لو كان حلاق الرئيس الاسبق أمين الجميل، «لكنت غيرت لوك شعره بالتأكيد، لان شكل وجهه يحتمل التغيير». ويكشف أنه قص مراراً شعر ابنه الوزير الشهيد بيار الجميل، «وكدت أصل إلى والده لكن الوضع الأمني حال دون ذلك».
وحين نسأله عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يجيب «نقطة على السطر، كان رحمه الله صاحب ذوق رفيع وأستطيع أن أقول انه ملك الذوق في الأناقة».
وإذا كان بعض السياسيين يصبغ شعره على يد المعلم جورج، فبالكاد يمكن ملاحظة اللون «لأن طريقة صبغ الشعر لدى الرجال مختلفة عنها لدى النساء».
ويكشف أن العديد من السياسيين الشباب هم من زبائنه. ونسأله: هل نجحوا في الانتخابات النيابية الأخيرة؟ فيجيب «البعض منهم خسر. حتى الجيل الشاب يترك لي حرية اختيار القصة التي تناسبه ولا يتبع الموضة. لا يمكن أن يكون شعره «سبايكي» مثلاً».
ويختتم «حين أحب مسؤولاً سياسياً، أحبه ولا أعلن ذلك. وكثيرون منهم لا يعرفون خطي وميولي السياسية. هذه المهنة تتطلب منا التكتم».