شغل الإفراج عن الليبي عبدالباسط المقراحي اهتمام الكثيرين وعلى رأسهم الإدارة الأميركية، والرئيس أوباما شخصياً الذي أبدى اعتراضه على عملية الإفراج، وعلى الكيفية التي تم استقباله بها في ليبيا بعد الإفراج عنه.
وكان المقراحي قد حُكم عليه في يناير في العام 2001 بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتفجير طائرة الخطوط الجوية الأميركية «بان أميركان» فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية في 21 ديسمبر العام 1988، وهو ما أدى إلى مقتل 270 شخصاً بينهم 11 من سكان بلدة لوكيربي الاسكتلندية.
وقد بذلت الإدارة الأميركية مجهوداً كبيراً لمنع الإفراج عن المقراحي، إلا أن وزير العدل الاسكتلندي أعلن في 20 أغسطس الإفراج عنه لأسباب إنسانية، حيث انه مريض بسرطان البروستاتا ولا يرجى شفاؤه.
وفي يوم 20 أغسطس أفرج بالفعل عن المقراحي ووصل مطار طرابلس بصحبة نجل الرئيس الليبي القذافي سيف الإسلام واستقبل استقبال الأبطال، ما أثار غضب الإدارة الأميركية، وفي اليوم التالي لوصوله استقبله القذافي.
وقد أثيرت أسئلة كثيرة حول الإفراج عن المقراحي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، وحول وجود صفقة مالية تجارية، وأن الأسباب الإنسانية التي ساقها وزير العدل الاسكتلندي، رغم حقيقتها، إلا أنها واجهة لصفقة كبيرة وقد بدأت معالم تلك الصفقة بداية بدفع ليبيا مبلغ 2.7 مليار دولار كتعويض لضحايا حادث لوكيربي.
لكن البعض يشكك في ذلك ويقول ان ما أعلنه المقراحي بشأن عزمه تقديم أدلة جديدة تطعن في إدانته هو السبب الرئيس للإسراع بالإفراج عنه خشية الإعلان عن تلك الأدلة، وهو ما ذكرته صحيفة «التايمز» نسبة إلى المقراحي الذي قال بعد الإفراج عنه: «رسالتي للشعبين البريطاني والاسكتلندي أنني سأقدم الدليل على براءتي قبل موتي، وسأطلب من الشعبين إصدار الحكم بعد ذلك». وهو ما أيده الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة «الإندبندنت» حيث قال: «لقد فضل البريطانيون إعادة المقراحي إلى بلده مع طوفان من المعلومات التي كان يمكن أن تظهر في الاستئناف على فتح الباب أمام هذه المعلومات التي كان قد تقدم بها أخيراً، وسحبها قبل الإفراج عنه بأيام».
ولكن سيف الإسلام القذافي أعلن بكل وضوح على قناة «المتوسط الليبية» أنه تم طرح قضية المقراحي أكثر من مرة عند بحث عقود النفط والغاز مع رئيس الوزراء السابق توني بلير، وقد زار توني بلير ليبيا العام 2007 وخلال الزيارة وقعت شركة «بريتش بتروليوم البريطانية» عقداً مع الجانب الليبي للتنقيب بقيمة 900 مليون دولار.
الحقيقة أن المتابع للأحداث يرى أن الحكومة البريطانية كانت تتخذ موقفاً متشدداً ومتصلباً من ليبيا، وسعت لإصدار قرارات دولية لمحاصرتها ومعاقبتها بعد حادثة لوكيربي، واستغلت أحداث 11 سبتمبر للضغط على ليبيا ووضعها ضمن الدول التي ترعى الإرهاب، وحشدت أنصارها في المجتمع الدولي للتضييق عليها. وفجأة أعلنت ليبيا عن دفع 2.7 مليار دولار تعويضاً لضحايا حادثة لوكيربي، رغم نفيها طوال أعوام مسؤوليتها عن الحادث مطلقاً، كما سلمت ليبيا إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا أوراق مشروع نووي كانت تعتزم تنفيذه، وعقب ذلك تغير الموقف البريطاني تماماً وتبعه الموقف الأوروبي والأميركي، وتوالت الزيارات من مسؤولين أوروبيين كان أبرزهم رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير وتصاعد الحديث عن الإفراج عن المقراحي بعدها، ولا يخفى أن ذلك قد تم بعلم الإدارة الأميركية الحليف الرئيس لبريطانيا.
لذلك يتصاعد الحديث عن صفقة وراء الإفراج ويكتسب قوة رغم «التمثيلية» والضجيج السياسي الذي أثارته أميركا عن الإفراج عن المقراحي فكل ذلك من أجل الحبكة السياسية لا أكثر.
وأعتقد يقيناً أن الحكومة البريطانية سوف تفرج عن الوثائق الحقيقية للصفقة قبل المدة المحددة لنشر الوثائق السرية، وسوف يتضح للعالم الثمن الحقيقي للإفراج عن المقراحي وأنه في الغالب يزيد على 3 مليارات دولار.
وتبقى أسئلة ملحة في هذا السياق، أولاً: هل يساوي المقراحي كل هذه الأموال التي أنفقت للإفراج عنه، وهل تلك الأموال ثمناً للسكوت الغربي عما أثارته الحكومات الغربية في السابق ضد السياسة الليبية وملفات حقوق الإنسان والحريات؟
وأخيراً هذه هي السياسة لا مكان فيها للقيم أو الحقوق، إنما المصلحة والغاية تبرر الوسيلة، ونظرية ميكافيلي تلك هي الأقوى، وهي أمير هذا الزمان.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com
وكان المقراحي قد حُكم عليه في يناير في العام 2001 بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بتفجير طائرة الخطوط الجوية الأميركية «بان أميركان» فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية في 21 ديسمبر العام 1988، وهو ما أدى إلى مقتل 270 شخصاً بينهم 11 من سكان بلدة لوكيربي الاسكتلندية.
وقد بذلت الإدارة الأميركية مجهوداً كبيراً لمنع الإفراج عن المقراحي، إلا أن وزير العدل الاسكتلندي أعلن في 20 أغسطس الإفراج عنه لأسباب إنسانية، حيث انه مريض بسرطان البروستاتا ولا يرجى شفاؤه.
وفي يوم 20 أغسطس أفرج بالفعل عن المقراحي ووصل مطار طرابلس بصحبة نجل الرئيس الليبي القذافي سيف الإسلام واستقبل استقبال الأبطال، ما أثار غضب الإدارة الأميركية، وفي اليوم التالي لوصوله استقبله القذافي.
وقد أثيرت أسئلة كثيرة حول الإفراج عن المقراحي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، وحول وجود صفقة مالية تجارية، وأن الأسباب الإنسانية التي ساقها وزير العدل الاسكتلندي، رغم حقيقتها، إلا أنها واجهة لصفقة كبيرة وقد بدأت معالم تلك الصفقة بداية بدفع ليبيا مبلغ 2.7 مليار دولار كتعويض لضحايا حادث لوكيربي.
لكن البعض يشكك في ذلك ويقول ان ما أعلنه المقراحي بشأن عزمه تقديم أدلة جديدة تطعن في إدانته هو السبب الرئيس للإسراع بالإفراج عنه خشية الإعلان عن تلك الأدلة، وهو ما ذكرته صحيفة «التايمز» نسبة إلى المقراحي الذي قال بعد الإفراج عنه: «رسالتي للشعبين البريطاني والاسكتلندي أنني سأقدم الدليل على براءتي قبل موتي، وسأطلب من الشعبين إصدار الحكم بعد ذلك». وهو ما أيده الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة «الإندبندنت» حيث قال: «لقد فضل البريطانيون إعادة المقراحي إلى بلده مع طوفان من المعلومات التي كان يمكن أن تظهر في الاستئناف على فتح الباب أمام هذه المعلومات التي كان قد تقدم بها أخيراً، وسحبها قبل الإفراج عنه بأيام».
ولكن سيف الإسلام القذافي أعلن بكل وضوح على قناة «المتوسط الليبية» أنه تم طرح قضية المقراحي أكثر من مرة عند بحث عقود النفط والغاز مع رئيس الوزراء السابق توني بلير، وقد زار توني بلير ليبيا العام 2007 وخلال الزيارة وقعت شركة «بريتش بتروليوم البريطانية» عقداً مع الجانب الليبي للتنقيب بقيمة 900 مليون دولار.
الحقيقة أن المتابع للأحداث يرى أن الحكومة البريطانية كانت تتخذ موقفاً متشدداً ومتصلباً من ليبيا، وسعت لإصدار قرارات دولية لمحاصرتها ومعاقبتها بعد حادثة لوكيربي، واستغلت أحداث 11 سبتمبر للضغط على ليبيا ووضعها ضمن الدول التي ترعى الإرهاب، وحشدت أنصارها في المجتمع الدولي للتضييق عليها. وفجأة أعلنت ليبيا عن دفع 2.7 مليار دولار تعويضاً لضحايا حادثة لوكيربي، رغم نفيها طوال أعوام مسؤوليتها عن الحادث مطلقاً، كما سلمت ليبيا إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا أوراق مشروع نووي كانت تعتزم تنفيذه، وعقب ذلك تغير الموقف البريطاني تماماً وتبعه الموقف الأوروبي والأميركي، وتوالت الزيارات من مسؤولين أوروبيين كان أبرزهم رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير وتصاعد الحديث عن الإفراج عن المقراحي بعدها، ولا يخفى أن ذلك قد تم بعلم الإدارة الأميركية الحليف الرئيس لبريطانيا.
لذلك يتصاعد الحديث عن صفقة وراء الإفراج ويكتسب قوة رغم «التمثيلية» والضجيج السياسي الذي أثارته أميركا عن الإفراج عن المقراحي فكل ذلك من أجل الحبكة السياسية لا أكثر.
وأعتقد يقيناً أن الحكومة البريطانية سوف تفرج عن الوثائق الحقيقية للصفقة قبل المدة المحددة لنشر الوثائق السرية، وسوف يتضح للعالم الثمن الحقيقي للإفراج عن المقراحي وأنه في الغالب يزيد على 3 مليارات دولار.
وتبقى أسئلة ملحة في هذا السياق، أولاً: هل يساوي المقراحي كل هذه الأموال التي أنفقت للإفراج عنه، وهل تلك الأموال ثمناً للسكوت الغربي عما أثارته الحكومات الغربية في السابق ضد السياسة الليبية وملفات حقوق الإنسان والحريات؟
وأخيراً هذه هي السياسة لا مكان فيها للقيم أو الحقوق، إنما المصلحة والغاية تبرر الوسيلة، ونظرية ميكافيلي تلك هي الأقوى، وهي أمير هذا الزمان.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com