| نادين البدير |
- هل يعرفنك يا لبنى؟
أولئك السائرات المتزينات، حقائبهن الضخمة تتقدمهن، وجوههن يخفيها الماكياج، أقدامهن يحركها الغنج، عطرهن يملأ المكان.. عود وبخور في شوارع لندن وبيروت.
تسيرين يا لبنى إلى المحكمة في السودان تتبخترين ببنطلونك المحرم. تستعرضين قوة امرأة، ترفضين حتى الحصانة. تتحدين حكم الجلد. تقولين من حق المرأة أن تختار.
وأخريات يمارسن استعراضا أنثويا أيضاً لكن في النايتس بريدج والهايد بارك.
الملابس في مفهومهن المتوارث ليست تعريفاً بشخصية صاحبتها، بل شرح لثروة ولي أمرها. التفاخر والتنافس بين الرجال ساحته الحقائب والأزياء..
الملابس ليست أناقة قدر ما هي تنافس على الأغنى. الأثمن. الأجمل.
هل تعرف تلك الفئة الأنثوية ما تناضل لأجله مثيلات لبنى؟
هل سمعن عن واحدة اسمها لبنى؟
هل يحلمن بالمجاهرة في ارتداء البنطلون بشوارع بلدانهن كما يرتدينه في الشوارع الأجنبية؟
هل باستطاعتهن التعبير عن أحلامهن كما فعلت لبنى؟
لا أحد يحكي عن لبنى..
لمن تناضلين يا لبنى؟ ولمن تحارب المحاربات؟
فإما فقيرات لا يجدن وقتا أو وعياً لما تفعلينه.. وإما مرفهات وسط ريش وماس أكثر ما يؤرقهن الإنصات لنداءات أمثالك.
* * *
- للمرة الأولى أرى بيروت في الصيف. زرتها في كل الفصول عدا الصيف.
المصطافون يملأون المكان. تضيع نكهة بيروت بين العباءات والسيارات الآتية من الخليج. تصبح حائرة بين هوية لبنانية واكتساح خليجي مهول.
الكل يريد الذهاب إلى لبنان، الجميع يذوب في لبنان هياماً..
لكنه هيام موقت ومحدد. لا يصل لمرحلة النقل..
رغم أن السفر على مر الأزمان، لم يكن مقتصرا على نقل البضائع إنما الأفكار والتطورات والخبرات.. في بدايات القرن السابق أعجب المسافرون العرب أمثال قاسم أمين ومحمد عبده بأفكار شاهدوها في الغرب وأصروا على نقلها للداخل النامي. أما الثقافة المحلية اليوم فتدور العالم وتعود كما هي، باقية على تناقضاتها وتخبطاتها..
- مازلت أتنقل
عباءات بيروت تتقلص وتنكمش في لندن لتتحول إلى حجاب ملون زاهٍ عليه توقيعات جيفنشي أو غوتشي..
كلمات الغزل قبيحة لم أسمعها من رجل أجنبي في حياتي، مستحيل أن يتلفظ بها رجل حقيقي. كلمات وقحة.
يعتقد سائح قادم من السعودية أن أي عربية لا ترتدي الحجاب إشارة إلى أنها حق مشاع للجميع.. أن كل من أظهرت ساقيها صارت حقا لصاحب الشارب، حامل العلامة الوطنية، المتسكع المحاط بالرفاق. جدوله اليومي واحد...أسواق، مقاه، نواد ليلية.. وعندما يعود لمدينته ينزع عنه البنطلون ويرتدي الثوب والشماغ ثم يكبر لأداء الصلوات الخمس.
لكن حتى المتحجبات أيضا لا يسلمن من الغزل..
هؤلاء الشباب والشابات، يصومون عن الاختلاط طوال العام.. ثم يفطرون على رؤية الآخر في لندن أو باريس.
تعرف أنهم يبحثون عن بعضهم البعض نظرا لتكدسهم في أماكن واحدة لا تتغير.
السياحة ليست لاكتشاف المجهول، لا تجدهم في الأزقة، ولا يهمهم اكتشاف الشعوب، لا يعرفون حتى تاريخ البلد المتوجهين إليه.. ما يسافرون لأجله غرض وغاية واحدة.. رؤية أبناء جلدتهم في الخارج.. بعضهم يتزوج بهذه الطريقة، وبعضهم يجد رفيقة لليلة أو ليالٍ عدة.
تجمعات شبابية كبيرة لا يهمها الحديث عن الإصلاح، ولا تكترث أصلاً لأي تغيير، فقد استسلمت للقاعدة الفقهية القاضية بتجميد الفكر. استسلمت للمغازلة.
المنطقة هنا حيث تتجمع مقاهٍ عدة لندنية خالية من أي بريطاني، ولا حتى واحد أجنبي.. جنسيتان خليجيتان هما المسيطرتان على المكان..
كان يقال ان أبناء وبنات السعودية يمارسون حقا طبيعيا في رؤية الآخر في الخارج.. لكن كثيرين منهم تعدى هذه الممارسة.
حين يخطئ ابن الخليج في الخارج. حين يؤذي. يجد العذر جاهزا وعلى الفور.. تبريره أنه محروم... وهذا ما يفعله التطرف.. وذلك ما يؤدي إليه الفصل بين الرجل والمرأة.
لكن الغالبية التي أتحدث عنها اليوم، تسافر كل صيف إلى الغرب.. وجزء كبير منهم قضى فترة من حياته وهو يدرس في الغرب.. هل مازالوا محرومين؟
ومحرومين من ماذا؟ من النساء؟ من الخمر؟
إنها ثقافة متوارثة تفخر بحفاظها على أدق تفاصيلها أينما ذهبت وبعدم استطاعة العولمة على تخطي حدودها ودخول مناطقها المحرمة، وعدم قدرة الأجنبي على تغيير داخلها المتأخر. تفخر بسلبياتها.. تفخر بأن العائد مثل المسافر بل ربما أكثر تعقيدا وسطحية..
* * *
- سئمت التنقل بين الخليجيين.. اشتقت لبلدان أخرى مليئة بالمجهول..
كاتبة وإعلامية سعودية
albdairnadine@hotmail.com
- هل يعرفنك يا لبنى؟
أولئك السائرات المتزينات، حقائبهن الضخمة تتقدمهن، وجوههن يخفيها الماكياج، أقدامهن يحركها الغنج، عطرهن يملأ المكان.. عود وبخور في شوارع لندن وبيروت.
تسيرين يا لبنى إلى المحكمة في السودان تتبخترين ببنطلونك المحرم. تستعرضين قوة امرأة، ترفضين حتى الحصانة. تتحدين حكم الجلد. تقولين من حق المرأة أن تختار.
وأخريات يمارسن استعراضا أنثويا أيضاً لكن في النايتس بريدج والهايد بارك.
الملابس في مفهومهن المتوارث ليست تعريفاً بشخصية صاحبتها، بل شرح لثروة ولي أمرها. التفاخر والتنافس بين الرجال ساحته الحقائب والأزياء..
الملابس ليست أناقة قدر ما هي تنافس على الأغنى. الأثمن. الأجمل.
هل تعرف تلك الفئة الأنثوية ما تناضل لأجله مثيلات لبنى؟
هل سمعن عن واحدة اسمها لبنى؟
هل يحلمن بالمجاهرة في ارتداء البنطلون بشوارع بلدانهن كما يرتدينه في الشوارع الأجنبية؟
هل باستطاعتهن التعبير عن أحلامهن كما فعلت لبنى؟
لا أحد يحكي عن لبنى..
لمن تناضلين يا لبنى؟ ولمن تحارب المحاربات؟
فإما فقيرات لا يجدن وقتا أو وعياً لما تفعلينه.. وإما مرفهات وسط ريش وماس أكثر ما يؤرقهن الإنصات لنداءات أمثالك.
* * *
- للمرة الأولى أرى بيروت في الصيف. زرتها في كل الفصول عدا الصيف.
المصطافون يملأون المكان. تضيع نكهة بيروت بين العباءات والسيارات الآتية من الخليج. تصبح حائرة بين هوية لبنانية واكتساح خليجي مهول.
الكل يريد الذهاب إلى لبنان، الجميع يذوب في لبنان هياماً..
لكنه هيام موقت ومحدد. لا يصل لمرحلة النقل..
رغم أن السفر على مر الأزمان، لم يكن مقتصرا على نقل البضائع إنما الأفكار والتطورات والخبرات.. في بدايات القرن السابق أعجب المسافرون العرب أمثال قاسم أمين ومحمد عبده بأفكار شاهدوها في الغرب وأصروا على نقلها للداخل النامي. أما الثقافة المحلية اليوم فتدور العالم وتعود كما هي، باقية على تناقضاتها وتخبطاتها..
- مازلت أتنقل
عباءات بيروت تتقلص وتنكمش في لندن لتتحول إلى حجاب ملون زاهٍ عليه توقيعات جيفنشي أو غوتشي..
كلمات الغزل قبيحة لم أسمعها من رجل أجنبي في حياتي، مستحيل أن يتلفظ بها رجل حقيقي. كلمات وقحة.
يعتقد سائح قادم من السعودية أن أي عربية لا ترتدي الحجاب إشارة إلى أنها حق مشاع للجميع.. أن كل من أظهرت ساقيها صارت حقا لصاحب الشارب، حامل العلامة الوطنية، المتسكع المحاط بالرفاق. جدوله اليومي واحد...أسواق، مقاه، نواد ليلية.. وعندما يعود لمدينته ينزع عنه البنطلون ويرتدي الثوب والشماغ ثم يكبر لأداء الصلوات الخمس.
لكن حتى المتحجبات أيضا لا يسلمن من الغزل..
هؤلاء الشباب والشابات، يصومون عن الاختلاط طوال العام.. ثم يفطرون على رؤية الآخر في لندن أو باريس.
تعرف أنهم يبحثون عن بعضهم البعض نظرا لتكدسهم في أماكن واحدة لا تتغير.
السياحة ليست لاكتشاف المجهول، لا تجدهم في الأزقة، ولا يهمهم اكتشاف الشعوب، لا يعرفون حتى تاريخ البلد المتوجهين إليه.. ما يسافرون لأجله غرض وغاية واحدة.. رؤية أبناء جلدتهم في الخارج.. بعضهم يتزوج بهذه الطريقة، وبعضهم يجد رفيقة لليلة أو ليالٍ عدة.
تجمعات شبابية كبيرة لا يهمها الحديث عن الإصلاح، ولا تكترث أصلاً لأي تغيير، فقد استسلمت للقاعدة الفقهية القاضية بتجميد الفكر. استسلمت للمغازلة.
المنطقة هنا حيث تتجمع مقاهٍ عدة لندنية خالية من أي بريطاني، ولا حتى واحد أجنبي.. جنسيتان خليجيتان هما المسيطرتان على المكان..
كان يقال ان أبناء وبنات السعودية يمارسون حقا طبيعيا في رؤية الآخر في الخارج.. لكن كثيرين منهم تعدى هذه الممارسة.
حين يخطئ ابن الخليج في الخارج. حين يؤذي. يجد العذر جاهزا وعلى الفور.. تبريره أنه محروم... وهذا ما يفعله التطرف.. وذلك ما يؤدي إليه الفصل بين الرجل والمرأة.
لكن الغالبية التي أتحدث عنها اليوم، تسافر كل صيف إلى الغرب.. وجزء كبير منهم قضى فترة من حياته وهو يدرس في الغرب.. هل مازالوا محرومين؟
ومحرومين من ماذا؟ من النساء؟ من الخمر؟
إنها ثقافة متوارثة تفخر بحفاظها على أدق تفاصيلها أينما ذهبت وبعدم استطاعة العولمة على تخطي حدودها ودخول مناطقها المحرمة، وعدم قدرة الأجنبي على تغيير داخلها المتأخر. تفخر بسلبياتها.. تفخر بأن العائد مثل المسافر بل ربما أكثر تعقيدا وسطحية..
* * *
- سئمت التنقل بين الخليجيين.. اشتقت لبلدان أخرى مليئة بالمجهول..
كاتبة وإعلامية سعودية
albdairnadine@hotmail.com