من أخطر أنواع الإعلام في العصر الحديث الإعلام السياسي، ذلك لأنه إعلام يتخفى بألوان وأشكال وأساليب عدة، من أجل توصيل الرسالة السياسية للدولة وللحزب وللمجتمع. وفي العصر الحديث اشتهر كل من العراق وإيران باستخدام الإعلام السياسي من أجل توصيل رسالة «حزب البعث»، ورسالة الثورة الإيرانية. وبحكم دراستنا للإعلام السياسي، نجد أن «قناة العالم» الإخبارية تعتبر من أحدث أدوات الإعلام السياسي لإيران. كما أن للقناة أهدافاً عدة، وتتخذ أساليب عدة في توصيل الرسالة الإيرانية وهي كالتالي:
الدعاية للسياسة الإيرانية: جرت العادة بالنسبة للدول الديكتاتورية أو نظام الحزب والثورة الواحدة، أن يتم استخدام الأساليب التقليدية في الدعاية للحزب والثورة، والمتمثلة في التمجيد والتطبيل المباشر والواضح لرموز الحزب والثورة، وتسليط الضوء على لقاءاتهم وتصريحاتهم وتضخيمها. ومن خلال ملاحظتنا وتحليلنا لـ «قناة العالم» كإعلام سياسي إيراني، فإنها لا تلجأ إلى التطبيل المباشر لرموز ومبادئ وسياسة الثورة، بل تعمل على تسويق سياسات وتصريحات وأجندة طهران بشكل غير مباشر. مثلاً وخلال التغطية التلفزيونية للقناة لأحداث غزة، فإنها تقوم بتسليط الضوء على صور ومشاهد الدمار الذي يتعرض له أبناء غزة، ومن الطبيعي أن يقوم مشاهدو القناة من العرب بالتعاطف مع غزة، وفي هذه اللحظة تقوم القناة بعرض مشاهد لتصريح أحمدي نجاد وهو يتوعد إسرائيل ويمارس تهديداته بتدميرها، مشدداً على أن إيران تعتبر قضية غزة قضيتها الأولى... إلى غير ذلك. ومن خلال هذا التسويق، فإن المشاهد العربي، وهو يرى الدمار في غزة وقلبه مملوء بالتعاطف مع أهلها وبالكره ضد إسرائيل، فإن صورة وتصريحات نجاد والمسؤولين الإيرانيين، ستعزز لديه فكرة أن سياسة ومبادئ إيران، لا هم لها الا قضية غزة وفلسطين. وبهذا فإن القناة تمارس الدعاية غير المباشرة لإيران وأجندتها، كجهاز إعلامي سياسي إيراني.
الرد على معارضي إيران: من البدهي لقناة العالم كأحد أجهزة الإعلام السياسي الإيراني، أن تقوم بالدفاع عن مصالح وأمن إيران ومواجهة كل من يتعرض لها ولسياستها، أو حتى من يسعى لمنافستها على الساحة الإسلامية والدولية. ويتم الرد على معارضي الأجندة الإيرانية، عن طريق أسلوبين هما:
تفنيد الاتهامات ضد إيران: وهذا الأسلوب يعتمد على التشكيك في الاتهامات التي توجه لإيران وسياستها وتفنيدها، عن طريق استضافة شخصيات موالية لإيران، تقوم بتفنيد هذه الاتهامات الموجهة ضد الأجندة الإيرانية، والتشكيك في مصداقيتها وفي مصداقية من يطلقها، مع إظهار إيران بصورة البطل تارة، وبصورة الضحية تارة أخرى، حسب نوعية القضية أو الاتهام، لاستعطاف الرأي العام العربي. ومثال ذلك اتهامات لإيران بالتدخل بالشأن العربي سواء بالعراق أو في لبنان، لتقوم القناة باستضافة شخصيات موالية لإيران، تفند تلك الاتهامات كالقول بأن واشنطن وإسرائيل هما من يحتلان العراق ويسعيان لاحتلال لبنان، وأن طهران تسعى وتعمل لخروج القوات الأميركية من العراق، مع عدم التطرق مثلاً للتعاون الأميركي - الإيراني لإزاحة صدام واحتلال العراق وافغانستان، وعدم التطرق أيضاً لمسألة التفرد الإيراني في العراق بعد خروج واشنطن... إلى غير ذلك.
تشويه صورة معارضي إيران: ويتم هذا الأسلوب عن طريق استضافة شخصيات غير موالية لإيران، ولكنها معارضة لسياسة الدول التي تختلف سياسياً مع طهران، أو هناك اختلافات أو منافسة بين إيران وبين هذه الدول. هذه الشخصيات تقوم أثناء مناقشاتها بتوجيه الاتهامات ونقد سياسة هذه الدول والتشكيك في مصداقيتها، من أجل توصيل رسالة غير مباشرة للمشاهد العربي بأن سياسات هذه الدول، المعارضة والمنافية لإيران إقليمياً وإسلامياً، هي سياسات خاطئة وفاقدة للمصداقية. وبالمثال السابق نفسه، تقوم هذه الشخصيات مثلاً، وهي غير موالية لإيران ولكنها معارضة لمنافسي إيران، بتوجيه الاتهامات وسهام النقد والتشكيك في مصداقية سياسات الدول العربية بسبب علاقاتها التحالفية مع واشنطن ومع إسرائيل، من أجل صرف أنظار المشاهد العربي عن التدخل الإيراني في العراق ولبنان، واشغاله وتوجيه فكره إلى نقد بعض سياسات الدول العربية لعلاقاتها مع واشنطن.
عدم التطرق لسلبيات إيران: ولأنها قناة وأداة إعلام سياسي إيرانية، فإنها لا تحاول مطلقاً التطرق لما يجري في إيران كالمظاهرات أو القلاقل، أو تسليط الضوء على ما تعانيه الأقليات في إيران، لأن هذه من المحرمات والخطوط الحمراء. وما حدث خلال الانتخابات الأخيرة من تداعيات ومظاهرات وقلاقل وعدم تناولها للأمور الإيرانية وفق أبسط قواعد المهنية والموضوعية، يوضح بجلاء الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله.
ان عدم التطرق بحيادية لما يجري في إيران بخصوص أزمة الانتخابات الأخيرة، أوضح للمشاهد حقيقة الإعلام السياسي الإيراني، وحقيقة الآلة الإعلامية الإيرانية، التي بدت فاقدة للمصداقية أمام المشاهد العربي، نتيجة انكشاف الحقائق والوقائع. ومن المتوقع ان تكون إيران وسياستها هدفاً للآلة الإعلامية العربية، في هجوم مضاد يستهدف مواجهة الدعاية الإيرانية. وسوف نشاهد في القريب قنوات عربية ناطقة بالفارسية موجهة للشعوب الإيرانية، في محاولة لتوصيل الرسالة السياسية العربية لهذه الشعوب. ويبقى تساؤل وهو: هل تعرف الشخصيات التي تستضيفها «قناة العالم» بأنها تساعد في الدعاية للسياسة الإيرانية وتحقيق أجندة القناة في التركيز الإعلامي على الخلافات العربية، وتجاهل الشأن الإيراني وما يحدث داخل طهران؟
طارق خليفة آل شيخان
رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر)
admin@cogir.org
الدعاية للسياسة الإيرانية: جرت العادة بالنسبة للدول الديكتاتورية أو نظام الحزب والثورة الواحدة، أن يتم استخدام الأساليب التقليدية في الدعاية للحزب والثورة، والمتمثلة في التمجيد والتطبيل المباشر والواضح لرموز الحزب والثورة، وتسليط الضوء على لقاءاتهم وتصريحاتهم وتضخيمها. ومن خلال ملاحظتنا وتحليلنا لـ «قناة العالم» كإعلام سياسي إيراني، فإنها لا تلجأ إلى التطبيل المباشر لرموز ومبادئ وسياسة الثورة، بل تعمل على تسويق سياسات وتصريحات وأجندة طهران بشكل غير مباشر. مثلاً وخلال التغطية التلفزيونية للقناة لأحداث غزة، فإنها تقوم بتسليط الضوء على صور ومشاهد الدمار الذي يتعرض له أبناء غزة، ومن الطبيعي أن يقوم مشاهدو القناة من العرب بالتعاطف مع غزة، وفي هذه اللحظة تقوم القناة بعرض مشاهد لتصريح أحمدي نجاد وهو يتوعد إسرائيل ويمارس تهديداته بتدميرها، مشدداً على أن إيران تعتبر قضية غزة قضيتها الأولى... إلى غير ذلك. ومن خلال هذا التسويق، فإن المشاهد العربي، وهو يرى الدمار في غزة وقلبه مملوء بالتعاطف مع أهلها وبالكره ضد إسرائيل، فإن صورة وتصريحات نجاد والمسؤولين الإيرانيين، ستعزز لديه فكرة أن سياسة ومبادئ إيران، لا هم لها الا قضية غزة وفلسطين. وبهذا فإن القناة تمارس الدعاية غير المباشرة لإيران وأجندتها، كجهاز إعلامي سياسي إيراني.
الرد على معارضي إيران: من البدهي لقناة العالم كأحد أجهزة الإعلام السياسي الإيراني، أن تقوم بالدفاع عن مصالح وأمن إيران ومواجهة كل من يتعرض لها ولسياستها، أو حتى من يسعى لمنافستها على الساحة الإسلامية والدولية. ويتم الرد على معارضي الأجندة الإيرانية، عن طريق أسلوبين هما:
تفنيد الاتهامات ضد إيران: وهذا الأسلوب يعتمد على التشكيك في الاتهامات التي توجه لإيران وسياستها وتفنيدها، عن طريق استضافة شخصيات موالية لإيران، تقوم بتفنيد هذه الاتهامات الموجهة ضد الأجندة الإيرانية، والتشكيك في مصداقيتها وفي مصداقية من يطلقها، مع إظهار إيران بصورة البطل تارة، وبصورة الضحية تارة أخرى، حسب نوعية القضية أو الاتهام، لاستعطاف الرأي العام العربي. ومثال ذلك اتهامات لإيران بالتدخل بالشأن العربي سواء بالعراق أو في لبنان، لتقوم القناة باستضافة شخصيات موالية لإيران، تفند تلك الاتهامات كالقول بأن واشنطن وإسرائيل هما من يحتلان العراق ويسعيان لاحتلال لبنان، وأن طهران تسعى وتعمل لخروج القوات الأميركية من العراق، مع عدم التطرق مثلاً للتعاون الأميركي - الإيراني لإزاحة صدام واحتلال العراق وافغانستان، وعدم التطرق أيضاً لمسألة التفرد الإيراني في العراق بعد خروج واشنطن... إلى غير ذلك.
تشويه صورة معارضي إيران: ويتم هذا الأسلوب عن طريق استضافة شخصيات غير موالية لإيران، ولكنها معارضة لسياسة الدول التي تختلف سياسياً مع طهران، أو هناك اختلافات أو منافسة بين إيران وبين هذه الدول. هذه الشخصيات تقوم أثناء مناقشاتها بتوجيه الاتهامات ونقد سياسة هذه الدول والتشكيك في مصداقيتها، من أجل توصيل رسالة غير مباشرة للمشاهد العربي بأن سياسات هذه الدول، المعارضة والمنافية لإيران إقليمياً وإسلامياً، هي سياسات خاطئة وفاقدة للمصداقية. وبالمثال السابق نفسه، تقوم هذه الشخصيات مثلاً، وهي غير موالية لإيران ولكنها معارضة لمنافسي إيران، بتوجيه الاتهامات وسهام النقد والتشكيك في مصداقية سياسات الدول العربية بسبب علاقاتها التحالفية مع واشنطن ومع إسرائيل، من أجل صرف أنظار المشاهد العربي عن التدخل الإيراني في العراق ولبنان، واشغاله وتوجيه فكره إلى نقد بعض سياسات الدول العربية لعلاقاتها مع واشنطن.
عدم التطرق لسلبيات إيران: ولأنها قناة وأداة إعلام سياسي إيرانية، فإنها لا تحاول مطلقاً التطرق لما يجري في إيران كالمظاهرات أو القلاقل، أو تسليط الضوء على ما تعانيه الأقليات في إيران، لأن هذه من المحرمات والخطوط الحمراء. وما حدث خلال الانتخابات الأخيرة من تداعيات ومظاهرات وقلاقل وعدم تناولها للأمور الإيرانية وفق أبسط قواعد المهنية والموضوعية، يوضح بجلاء الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله.
ان عدم التطرق بحيادية لما يجري في إيران بخصوص أزمة الانتخابات الأخيرة، أوضح للمشاهد حقيقة الإعلام السياسي الإيراني، وحقيقة الآلة الإعلامية الإيرانية، التي بدت فاقدة للمصداقية أمام المشاهد العربي، نتيجة انكشاف الحقائق والوقائع. ومن المتوقع ان تكون إيران وسياستها هدفاً للآلة الإعلامية العربية، في هجوم مضاد يستهدف مواجهة الدعاية الإيرانية. وسوف نشاهد في القريب قنوات عربية ناطقة بالفارسية موجهة للشعوب الإيرانية، في محاولة لتوصيل الرسالة السياسية العربية لهذه الشعوب. ويبقى تساؤل وهو: هل تعرف الشخصيات التي تستضيفها «قناة العالم» بأنها تساعد في الدعاية للسياسة الإيرانية وتحقيق أجندة القناة في التركيز الإعلامي على الخلافات العربية، وتجاهل الشأن الإيراني وما يحدث داخل طهران؟
طارق خليفة آل شيخان
رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر)
admin@cogir.org