| القاهرة - من أحمد إمبابي |
اعتبر القيادي السابق في تنظيم «الجهاد» الخبير في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور كمال حبيب أن خلية «حزب الله» التي تم ضبطها أخيراً في مصر تعد تحولاً كبيراً في أيديولوجية الحزب اللبناني، مؤكداً أنه يسير على خطى تنظيم «القاعدة».
منوهاً إلى أن مشكلة الفرس، أنه لم يكن لهم دور قيادي للأمة الإسلامية من قبل وهم يطرحون أنفسهم الآن من منظور أممي طائفي.
وقال في حواره مع «الراي»: «الصراع في المنطقة تحول إلى صراع حضارات بين دولة يهودية وبقية القوى والحركات التي يمكن أن تعترض مخططها التوسعي في الإقليم».
مضيفاً أن مصر كدولة قائدة وكمركز للإقليم ترتفع مكانتها باستيعابها ودعمها لحركات المقاومة، ويجب عليها ألا تتركها نهباً لدول الممانعة التي تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث في قطاع غزة أخيراً.
حبيب حمّل «جماعة الإخوان» (المحظورة قانوناً في مصر) جزءاً مما حدث في غزة أيضاً، وقال: «الجماعة متوترة لأنها لم تقدم الدعم المطلوب منها لفرعها في غزة، واستخدمت معلومات غير دقيقة في الأزمة.» وطالبها بأن تغلب الاستقرار المجتمعي على استقطابها السياسي مع إيران.
وهذا نص ما دار معه من حوار:

• شهدت المنطقة بعد حرب غزة الأخيرة تطورات وتداعيات تؤثر على مسار قضايا الصراع في المنطقة كيف ترى ذلك؟
- هناك تصور صهيوني كان المقصود منه إبراز «حركة حماس» على أنها تعبر عن شكل جديد للمقاومة من منظور إسلامي، فبصرف النظر عن كون الدولة الصهيونية دولة علمانية لكن مشروعها عقدي مدخله توراتي.
ومعروف أن مؤسسي الدولة الصهيونية كلهم كانوا يمثلون اليسار الإسرائيلي لكنهم تبنوا الأسطورة الدينية الموجودة في التوراة حتى يوظفوها لصالح المشروع السياسي لهم الخاص بزرع إسرائيل في المنطقة، إذاً نحن أمام ما يمكن أن نسميه صراع حضارات يستند على وجهة نظر دينية.
• ولماذا تسميه صراعاً دينياً حضارياً؟
- لأن الدولة اليهودية تتصرف، كدولة مأزومة، لديها مشكلة هوية بدليل أنها تطلب من «منظمة التحرير» ومن جميع الفصائل الفلسطينية أن يعترفوا بها كدولة يهودية فقط، لأن قضايا الصراع حول الهوية تمثل أكثر أنواع الصراع حساسية وخطراً فالصراع عندما يأتي على خلفية هوية شعب ودينه يأتي العنف فيه في غاية القسوة وهذا ما يفسر حجم العنف الإسرائيلي على غزة أخيراً.
ولهذا العنف أسباب أخرى متصلة بصراع دولي وإقليمي فهناك معسكر أميركي تتحالف معه إسرائيل بشكل رئيسي وطرح فكرة أن تكون هناك خريطة جديدة للشرق الأوسط، وهم لا يريدون قوى تقول لا لهذا المشروع وبالتالي هم أرادوا إعادة ترتيب الوضع الأمني في غزة بحيث لا تمثل «حماس» تهديداًَ لهم، وهذا جزء من الصراع مع إيران أيضاً، بحيث تكون «حماس» هي الورقة الظاهرة فيه.
• وهل كان هذا هو سر الدعم الإيراني لـ «حماس» في هذه الحرب؟
- لم نر تدخلاً لإيران بدليل أن مرشد الثورة الإيرانية خامنئي كان يقول ان يدي مقيدة، وإيران في موقف حرج لأنها تخشى أن تُشن حرب عليها، وجميع المتابعين يعرفون أن سيناريو الحرب على إيران بسبب برنامجها النووي مطروح بقوة من جانب إسرائيل وأميركا، حتى إذا تم التوصل إلى صفقة أميركية مع إيران في لحظة من اللحظات كما هي الحال في العراق وأفغانستان.
ومن هنا فإن «حماس» قد دفعت لمعركة كجزء من صراع أكبر منها بدليل أنه رغم حرب الإبادة التي حدثت إلا أن حلفاء «حماس» لا يأخذون أي مواقف حقيقية لدعمها سواء إيران أو سورية أو «حزب الله»، وبالتالي فنحن أمام خلل كبير.
• إذا كان الأمر كذلك بماذا تفسر التحركات المصرية بخصوص أزمة غزة وما تبعها من مبادرة الحوار المستمرة بين الفصائل الفلسطينية؟
- مصر لديها فرصة بأن ترتفع أسهمها ومكانتها في الإقليم باستيعابها ودعمها لحركات المقاومة سواء كان دعماً سياسياً أو دعماً معنوياً، الآن المشكلة أن هناك استقطاباً في النظام العربي لأن القضية الفلسطينية مرآة هذا النظام وكلما كان قوياً تعلو القضية الفلسطينية، وكلما كان ضعيفاً انحدرت. الآن نحن في وضع تفسخ وضعف غير مسبوق بدليل أن قادة مصر والسعودية وسورية لا تزال بينهم خلافات، ولهذا فإن هناك دوراً قومياً لابد من ممارسته بحيث لا تترك «حماس» إلى هذا الاستقطاب الإقليمي.
• لكن هذا الدور لعبته مصر قبل القصف الإسرائيلي في مبادرة التوافق الفلسطيني - الفلسطيني، وبعده أيضاً في قمة المصالحة؟
- مصر عليها مهمة كبيرة باعتبارها الدولة القائدة ومركز الإقليم، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه بعد حرب العراق عام 2003 حدث خلل في الإقليم لمصلحة إيران خاصة مع خلافات بين دول قاعدة الإقليم، ولذلك لابد أن يكون هناك جسر بين مصر و«حماس» و«الجهاد» وبقية حركات المقاومة.
• لم تذكر دول معسكر الممانعة وهي صاحبة تداخلات متنوعة ومختلفة في قضايا الصراع العربي؟
- دول معسكر الممانعة تركت «حماس» في مواجهة إسرائيل ولم تقدم شيئاً لها بل خذلتها، ولم يجرؤ «حزب الله» على فتح جبهة في شمال إسرائيل ليخفف الضغط على «حماس» وقتها، وإيران كان لا يمكن أيضاً أن تتحرك لأنها تخشى على نفسها، ورغم ذلك فإني أحمّل معسكر الممانعة المسؤولية الأكبر إزاء ما جرى في قطاع غزة.
• ولماذا تحملهم المسؤولية رغم أنهم أكثر الدول المطالبة بدعم عربي ودولي لـ «حماس»؟
- هم أيدوا «حماس» في البداية، ثم خذلوها وتركوها في الساحة وحدها من دون أي دعم حقيقي باستثناء تصريحات من الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله ومنها تحريضه للشعب المصري بشكل يكشف جهله بمكونات وتركيبة هذا الشعب.
• بالمناسبة كيف ترى قضية خلية «حزب الله» التي تم الكشف عنها في مصر أخيراً؟
- «حزب الله» معروف بعمله داخل لبنان فقط ولا يتبنى وجهة نظر أممية مثل «القاعدة» لذلك فانتقاله من لبنان إلى مصر لتجنيد أشخاص، والقيام بأعمال عسكرية يعد تحولاً كبيراً في فكر الحزب، لأنه صار يتحرك على خطى «القاعدة» وهي مفارقات مثيرة للاستغراب.
• وما دوافع هذا التحول في فكر الحزب من وجهة نظرك؟
- الأمر له علاقة بالرؤية الشيعية، وتحقيقات عناصر الخلية تعكس مداً إيرانياً شيعياً في المنطقة وهذه مشكلة لأن الفرس لم يكن لهم دور قيادي للأمة الإسلامية من قبل، وهم يطرحون أنفسهم من منظور أممي طائفي، وهذا قد يسبب صداماً مع السنة في المنطقة لأن إيران ستسعى إلى أن تخصم من ملفات ودور الدول السنية الكبرى خاصة مصر والسعودية.
• في رأيك هل هذا التدخل الإيراني المتنوع يتم التخطيط له؟
- لم يكن هناك تخطيط لذلك، لكن ما حدث أن إيران حصدت نتائج ما يجري في العلاقات الدولية وتوظفه لصالحها لدرجة أن هناك توافقاً أميركياً - إيرانياً في العراق وأفغانستان، وفي الوقت ذاته أعادوا بنية النظام العراقي على أساس مذهبي شيعي، فكل مؤسسات الأمن وغيرها من الأجهزة السيادية ضد السنّة في العراق.
• وهذا بالطبع يدعو إلى القلق...
- بالطبع، فمن الناحية الاستراتيجية هناك سيطرة إيرانية على الجناح الشرقي في الإقليم العربي بدليل أن هناك مداً للشيعة في العراق وفي أغلب منطقة الخليج العربي بنسبة 85 في المئة، وفي سورية ولبنان لدرجة أن القرار العربي لم يعد خالصاً لمصلحة دول المنطقة العربية فلم يعد هناك قرار يصدر إلا بالعودة إلى إيران وبالتالي هذا أمر مقلق للعالم العربي، والإسلامي أيضاً.
• لكن ألا ترى أن هناك كثيراً من الدول العربية ودوائر إسلامية كثيرة تنظر لإيران بشكل مختلف عن ذلك؟
- ليس معنى ما قلته أن تكون إيران عدواً فأنا أنظر إليها باعتبارها منافساً وهذا يظهر كثيراً على لسان المسؤولين الإيرانيين والمصريين مثلاً، ويعني أنه يمكن أن يصلوا معاً إلى صيغة لضبط الأمن الإقليمي في الخليج وفي مناطق أخرى.
• تتحدث عن وجود تنامٍ للنفوذ الإيراني في المنطقة وتحديداً داخل دول سنية في الأساس في رأيك لماذا يستجيب أهل السنة للمشروع الشيعي بهذه السهولة؟
- حركات المقاومة لا تجد من يساعدها فيما إيران تفتح لها خزائنها، ولذلك أقول إن مصر بمكانتها وقوتها يجب ألا تترك حركات المقاومة فريسة لإيران.
• إذا كان ذلك فيما يتعلق بحركات المقاومة فماذا عن بقية التيارات الإسلامية السنية مثل جماعة الإخوان في مصر؟
- لم تعد إيران تلك القوة التي تثير الخيال كقوة دولية تحرر المستضعفين، الآن أغلب الحركات الإسلامية تنظر لإيران بعدما حدث في العراق ولبنان وفلسطين، على أنها دولة لديها مصالح وتسعى لتحقيقها بمنطق «براجماتي»، لذلك نجد الكثيرين يتحفظون على السلوك الإيراني في مسألة التغلغل الشيعي على حساب أهل السنة.
• وماذا عن رأيك في موقف «الإخوان» المؤيد لإيران وتحركاتها رغم التناقض المذهبي؟
- بخصوص التصريحات التي صدرت عن المرشد العام لـ «الجماعة» مهدي عاكف منذ فترة، والتي أعرب فيها عن تأييده لإيران والأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله نجد أن هناك مشكلة لدى المرشد في التعامل مع الإعلام بدليل أنه قال قبل ذلك إنه سيرسل عشرة آلاف مجاهد إلى لبنان. وقد تابعت تصريحات المرشد وتصريحات عدد من قيادات «الإخوان» ووجدت أن «الجماعة» لم تكن على مستوى الحدث، وهي تحتاج في شكل عام إلى تطوير جهازها الإعلامي وأيضا تغليب عنصر الاستقرار لمجتمعها ودولتها على عنصر الاستقطاب السياسي لأن أمن 80 مليون مصري أهم من أي أمر آخر، الاستقطابات الخارجية لابد أن تأتي وفقاً لإدراك الواقع الحالي في الدولة المصرية بحيث يتم تقديم مصلحة الوطن.
• لكن إيران تتحرك في ذلك رغم أنها تعامل السنة لديها معاملة الأقلية؟
- نعم لذلك يجب أن تراعي إيران السنة فيها أولاً، وفي الوقت ذاته فإن مثل هذه الاستقطابات المذهبية ستصب في النهاية في مصلحة أميركا وإسرائيل وعليه يجب أن نهزم هذه الصراعات المذهبية الطائفية لمصلحة مشروع الأمة الأكبر المتمثل في حركات المقاومة كنوع من ترتيب الأولويات.
• في الفترة الأخيرة هناك محاولة لتحسين صورة تركيا في المنطقة بموقفها من القضية الفلسطينية هل سيمثل ذلك خطورة في المنطقة؟
- على العكس فإيران دولة ثورية تريد تمرداً على النظام الموجود في المنطقة بما يحقق مصالحها أما تركيا فهي دولة سنية ومنهجها قائم على التصالح والتوافق مع القوى المحيطة بها وليس عبر انتزاع أدوار من قوى إقليمية أخرى، ولذلك فنحن أمام دولتين محوريتين لهما مصالحهما في المنطقة بمنظور مختلف... إيران بشكل ثوري انقلابي، وتركيا بشكل تصالحي توافقي قائم على فكرة الوساطة.
• ألا يعد ذلك نذير خطر بسبب تنافس المشروعين التركي والإيراني في المنطقة؟
- عندما يوازن المشروع التركي المشروع الإيراني يعطي فرصة للمشروع العربي والمصري أن ينجح خاصة وأن المشروع التركي متكامل مع المشروع العربي وبالتالي لا يمثل خطراً في المنطقة مثل الحالة الإيرانية، لذلك نجد أن هناك كثيراً من المفكرين الأتراك يرون ضرورة أن تكون لبلادهم مصالح مشتركة مع العرب، وهنا نجد أن تركيا تصالحت مع سورية والسودان والجزائر.
• الجماعات الإسلامية في مصر اعتبرت إيران أخطر على المنطقة من إسرائيل رغم أنه كان يوجد تنسيق سابق بينها وبين إيران... بماذا تفسر ذلك؟
- «تنظيم الجهاد» كانت له علاقات قوية بالفعل مع إيران بجانب بعض قيادات الجماعة في فترة من الفترات قامت إيران باستضافتهم لديها، وأرى أن تغلغل إيران في المنطقة يمثل توتراً وقلقاً في المنطقة العربية باستقطابها المستمر دون أن تقوم بالدور المطلوب منها.
• وماذا عن بقية الجماعات؟
- لست مع قول «الجماعة الإسلامية» ان «حزب الله» بوابة أمنية لإسرائيل لأنه مهما قلنا إن هناك تحالفاً بين إيران وأميركا يبقى في النهاية أن الاثنين أعداء ولكن أعداء غير دائمين، وقد يرجع هذا إلى أنهم يحاولون أن يتقاربوا مع رؤية مصر الرسمية، أما «الإخوان» فإن «حماس» تمثل امتداداً لهم بشكل المقاومة لذلك فهم يتحملون جزءا من المسؤولية وهم متوترون بسبب إحساسهم بأنهم لم يقوموا بما يجب أن يقوموا به لصالح «حماس» ولذلك فهم الآن في مأزق، ومن هنا نجد أن «حماس» وضعت دول الممانعة والجماعات الإسلامية والنظام العربي الرسمي في مأزق، أي أن ما يثار حالياً هو أزمة شرعية بحيث تكون النظم انعكاساً لصوت شعوبها.