دخل عليّ في يوم من الأيام رجل لحيته بيضاء مع زوجته، وبدأت الزوجة تشكو زوجها الذي ما زال يشك في تصرفاتها، وقد بلغا من العمر عتياً، وأصبح كل منهما جدّا!
سألته باستغراب: ألا زلت تشك في تصرفاتها بعد هذا العمر الطويل يا هذا، أبعد هذه العشرة، والعيش والملح، كما يقولون، ما زلت تقتنع بوجود تلك الأوهام التي لا وجود لها إلا في ذهنك، علماً بأن الزوجة يبدو عليها الاتزان والوقار والحياء، ولا مجال لمثل هذه الترهات في حياتها؟ فأجاب بثقة: نعم، وهي السبب.
وماذا فعلت زوجتك حتى تستمر في شكك بتصرفاتها حتى هذه اللحظة... هل رأيتها في مطعم مع رجل غريب؟ هل رأيتها منبسطة مع شخص في الحديث في مكان خاص وبصورة تدعو للريبة؟ هل قصّرت في حقوقك الزوجية؟ هل رأيتها في وضع يدفعك دفعاً رغماً عنك للتفكير بذلك حتى أجد لك عذراً؟
أجاب وقد اغرورقت عيناه، ويبدو أنه تخيل المشهد أمامه: نعم رأيتها قبل 25 عاما عندما أتيت لأخذها من العمل وهي واقفة تتحدث أمام المدرسة وقت خروج الطلبة مع زوج اختها الذي جاء ليأخذ ابنته من المدرسة! وماذا غيرَ ذلك؟ أجاب: هذا هو الموقف الذي ضايقني منها!
الشك مرض ينهش في جسد العلاقة الزوجية، ويجعلها عرضة لرياح المشاكل والقلاقل التي تعكر صفوها، فبدلاً من أن تكون سكناً وراحة وطمأنينة، تتحول إلى علاقة ملؤها قلق واضطراب قد تتحول إلى ساحات معارك كلامية ولربما عنف جسدي أمام باقي أفراد الأسرة، وفي بعض الأحيان تقود إلى جرائم ضحيتها في الغالب زوجة مسكينة وأبناء مستضعفون كل ذنبهم أن عقل أبيهم استسلم لتلك الخزعبلات التي تقتل كل فرصة لحياة جميلة.
تلك الممارسات وغيرها الكثير تفسد بلا شك أي علاقة مهما كانت قوية أو متماسكة، حتى لو كان الحب هو الرابط بينها، فطالما دخل ذلك المرض الملعون بين أطرافها فهي مهددة بالزوال، وسيأتي زمان يبكون فيه على الأطلال.
في الأفق
قيل: العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق.


د.عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com