كما يأتي الزلزال فجأة، ويفزع الناس، وتتهدم منازل ومبانٍ فجأة أطلق فاروق القدومي القائد الفلسطيني الكبير زلزاله الرهيب بإعلانه في 12 يوليو عن حوزته لوثيقة محضر اجتماع سلمه له ياسر عرفات قبل موته، وقد ضم هذا الاجتماع الذي تم في اوائل مارس 2004 كلا من شارون وموفاز من العدو الصهيوني، وأبومازن ودحلان من الجانب الفلسطيني، بخلاف وجود طرف أميركي هو وليم بيرنز، وأخطر ما في الوثيقة أن الاجتماع ناقش اغتيال عرفات بالسم، وقيادات فلسطينية أخرى أبرزهم الشهيد «الحمساوي» الرنتيسي.
وقد شدد القدومي على أن الوثيقة صحيحة مئة في المئة. وهنا انطلق زلزال الوثيقة يزلزل مصداقية السلطة الفلسطينية، ويفجر جدلاً رهيباً حول اغتيال ياسر عرفات.
لكن كان أول سؤال يتبادر للذهن: لماذا تأخر فاروق القدومي خمسة أعوام بعد وفاة عرفات في 2004 ليعلن عن هذه الوثيقة؟ القدومي أجاب عن ذلك في تصريحات لقناة «الجزيرة» من العاصمة الأردنية عمان في 15 يوليو قائلاً انه منذ العام 2004 وهو يحاول التأكد من صحة ما جاء فيها، وعندما وصل لقناعة تامة بصحتها أبلغ بعض أعضاء «حركة فتح» وكان ينوي عرضها على المؤتمر السادس لـ «الحركة»، إلا أنه عندما استبد عباس برأيه وقرر عقد المؤتمر في بيت لحم وليس في الخارج مثلما كان مقرراً في السابق، قرر الكشف عنها.
وفي إجابة أخرى قال القدومي انه خشي من الإعلان عن هذه الوثيقة خلال حكم الرئيس الأميركي بوش الابن.
لكن تبقى أسئلة عديدة تظل حائرة تلقي ظلالاً من الغموض على الوثيقة، منها: من الذي سرّب الوثيقة لياسر عرفات، ولماذا لم يعلن عنها عرفات، ومن الذي أوصلها لفاروق القدومي خارج الأرض المحتلة، ومن الذين أبلغهم القدومي بمضمون الوثيقة، ولماذا هم صامتون، وهل إعلانه عن هذه الوثيقة بسبب اعتراضه على عقد مؤتمر «فتح» في الداخل وما أعلنه أن مؤتمر «فتح» بصدد تجاهل الفلسطينيين في الخارج، وتصفية قضية اللاجئين، والقضاء على المقاومة، أم يأتي ذلك لمعرفته بوجود مؤامرة ما لتصفيته سياسياً فأراد أن يهدم معبد المؤامرة على من فيه؟
الحقيقة أن قوة زلزال وثيقة القدومي تنبع من تاريخ الرجل، فهو معروف بنزاهته السياسية واستقامته في طريق الكفاح والمقاومة من أجل فلسطين، وبخلاف مركزه السياسي فهو رئيس الدائرة السياسية لـ «منظمة التحرير» منذ 36 عاماً، وهي أعوام ليست بالقليلة في تاريخ القضية الفلسطينية وتمكنه من معرفة أدق أسرارها، وهو من أوائل المؤسسين لـ «المنظمة» مع عرفات وأبو إياد العام 1965.
على الطرف الآخر، الوثيقة قوبلت بتشكيك ورفضتها السلطة الفلسطينية، خصوصا من أشارت إليهم الوثيقة: أبومازن ودحلان.
لكن الوثيقة فرضت نفسها على الواقع الفسطيني، وبدأ الجدل حول حقيقة صحتها يفرض نفسه من خلال الوقائع التي منها أن جميع الدلائل تشير إلى أن عرفات مات مسموماً، لكن السؤال: هل بعلم ومشاركة أبومازن ودحلان أم لا؟
يظل السؤال يبحث عن إجابة، والبعض يقول رداً على السؤال ان أبومازن رفض تشريح جثة عرفات، لماذا؟ ثم ان الوقائع على الأرض وما يجرى من تصفية لقادة المقاومة تؤكد صدق الوثيقة، خاصة وأن «حماس» و«الجهاد» منذ أعوام اتهمت السلطة بالتعاون مع الاحتلال في تصفية قادة المقاومة، ولكن كل هذه التحليلات تحتاج إلى تحقيق رسمي يكشف الحقائق ويضع النقاط على الحروف.
ويبقى سؤال أخير: هل تسبب الوثيقة الزلزال انشقاقاً كبيراً وهدم الباقي من جدران «حركة فتح»، وهل يكون ذلك أقوى مما حدث من قبل عندما انشق أبونضال العام 1974 وأسس «حركة فتح - المجلس الثوري»، وكما انشق عبدالكريم حمدي العام 1980 وأسس «حركة فتح - مسيرة التصحيح»، وكما انشق أبوصالح نائب قائد قوات العاصفة ومعه أبو موسى وأبوخالد العملة وأسسوا «فتح الانتفاضة» العام 1983.
الشاهد أن إعلان القدومي عن الوثيقة ألقى بظلال الاتهام على قيادة السلطة الفلسطينية وهي ليست المرة الأولى ولكنها الأقوى والأخطر، والنتائج الأولية لآثار زلزال الوثيقة تشير إلى حدوث انقسام واضح في «حركة فتح» سواء بين الداخل والخارج، أو في الداخل وهو الأخطر، لكن البعض يقلل من ذلك على أساس أن السلطة تمسك بكل شيء في رام الله، والشعب الفلسطيني عاجز، بسبب الاحتلال وما يعانيه، من القيام بأي ردة فعل. لكن هل يقود القدومي حركة إحياء وتجديد جديدة لـ «حركة فتح» في الخارج ويعيد لـ «الحركة» مكانتها ودورها الريادي في التحرير الذي ضيعه قيادات «أوسلو» في الداخل، أم يخضع القدومي للمساومة ويصمت كما صمت لمدة خمسة أعوام؟ الشاهد أنه تكلم وفجّر زلزاله بقوة والجميع ينتظر التوابع تلك التي يتمنى العرب والفلسطينيون جميعاً أن تكون لصالح القضية الفلسطينية والفلسطينيين.
وأخيرا كان عرفات في حياته مثيراً للجدل بين العرب من المحيط للخليج وبين الفلسطينيين، وبعد رحيله بخمسة أعوام تظل قضية موته أو اغتياله مثيرة للجدل.
وتظل التساؤلات هي محور آثار الوثيقة، فهل يستطيع أبومازن وقف الجدل وطعن الوثيقة في قلبها بحقائق تفضح تلفيقها، أم يتوارى عنها معتمداً على قوة السلطة ومن يساعدها، وعلى نعمة النسيان، أم تبقى الوثيقة زلزالاً يهدم مباني الخيانة من قواعدها، وماذا عن توابعها؟ اللهم رحمتك بالفلسطينيين.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
elsharia@hotmail.com
وقد شدد القدومي على أن الوثيقة صحيحة مئة في المئة. وهنا انطلق زلزال الوثيقة يزلزل مصداقية السلطة الفلسطينية، ويفجر جدلاً رهيباً حول اغتيال ياسر عرفات.
لكن كان أول سؤال يتبادر للذهن: لماذا تأخر فاروق القدومي خمسة أعوام بعد وفاة عرفات في 2004 ليعلن عن هذه الوثيقة؟ القدومي أجاب عن ذلك في تصريحات لقناة «الجزيرة» من العاصمة الأردنية عمان في 15 يوليو قائلاً انه منذ العام 2004 وهو يحاول التأكد من صحة ما جاء فيها، وعندما وصل لقناعة تامة بصحتها أبلغ بعض أعضاء «حركة فتح» وكان ينوي عرضها على المؤتمر السادس لـ «الحركة»، إلا أنه عندما استبد عباس برأيه وقرر عقد المؤتمر في بيت لحم وليس في الخارج مثلما كان مقرراً في السابق، قرر الكشف عنها.
وفي إجابة أخرى قال القدومي انه خشي من الإعلان عن هذه الوثيقة خلال حكم الرئيس الأميركي بوش الابن.
لكن تبقى أسئلة عديدة تظل حائرة تلقي ظلالاً من الغموض على الوثيقة، منها: من الذي سرّب الوثيقة لياسر عرفات، ولماذا لم يعلن عنها عرفات، ومن الذي أوصلها لفاروق القدومي خارج الأرض المحتلة، ومن الذين أبلغهم القدومي بمضمون الوثيقة، ولماذا هم صامتون، وهل إعلانه عن هذه الوثيقة بسبب اعتراضه على عقد مؤتمر «فتح» في الداخل وما أعلنه أن مؤتمر «فتح» بصدد تجاهل الفلسطينيين في الخارج، وتصفية قضية اللاجئين، والقضاء على المقاومة، أم يأتي ذلك لمعرفته بوجود مؤامرة ما لتصفيته سياسياً فأراد أن يهدم معبد المؤامرة على من فيه؟
الحقيقة أن قوة زلزال وثيقة القدومي تنبع من تاريخ الرجل، فهو معروف بنزاهته السياسية واستقامته في طريق الكفاح والمقاومة من أجل فلسطين، وبخلاف مركزه السياسي فهو رئيس الدائرة السياسية لـ «منظمة التحرير» منذ 36 عاماً، وهي أعوام ليست بالقليلة في تاريخ القضية الفلسطينية وتمكنه من معرفة أدق أسرارها، وهو من أوائل المؤسسين لـ «المنظمة» مع عرفات وأبو إياد العام 1965.
على الطرف الآخر، الوثيقة قوبلت بتشكيك ورفضتها السلطة الفلسطينية، خصوصا من أشارت إليهم الوثيقة: أبومازن ودحلان.
لكن الوثيقة فرضت نفسها على الواقع الفسطيني، وبدأ الجدل حول حقيقة صحتها يفرض نفسه من خلال الوقائع التي منها أن جميع الدلائل تشير إلى أن عرفات مات مسموماً، لكن السؤال: هل بعلم ومشاركة أبومازن ودحلان أم لا؟
يظل السؤال يبحث عن إجابة، والبعض يقول رداً على السؤال ان أبومازن رفض تشريح جثة عرفات، لماذا؟ ثم ان الوقائع على الأرض وما يجرى من تصفية لقادة المقاومة تؤكد صدق الوثيقة، خاصة وأن «حماس» و«الجهاد» منذ أعوام اتهمت السلطة بالتعاون مع الاحتلال في تصفية قادة المقاومة، ولكن كل هذه التحليلات تحتاج إلى تحقيق رسمي يكشف الحقائق ويضع النقاط على الحروف.
ويبقى سؤال أخير: هل تسبب الوثيقة الزلزال انشقاقاً كبيراً وهدم الباقي من جدران «حركة فتح»، وهل يكون ذلك أقوى مما حدث من قبل عندما انشق أبونضال العام 1974 وأسس «حركة فتح - المجلس الثوري»، وكما انشق عبدالكريم حمدي العام 1980 وأسس «حركة فتح - مسيرة التصحيح»، وكما انشق أبوصالح نائب قائد قوات العاصفة ومعه أبو موسى وأبوخالد العملة وأسسوا «فتح الانتفاضة» العام 1983.
الشاهد أن إعلان القدومي عن الوثيقة ألقى بظلال الاتهام على قيادة السلطة الفلسطينية وهي ليست المرة الأولى ولكنها الأقوى والأخطر، والنتائج الأولية لآثار زلزال الوثيقة تشير إلى حدوث انقسام واضح في «حركة فتح» سواء بين الداخل والخارج، أو في الداخل وهو الأخطر، لكن البعض يقلل من ذلك على أساس أن السلطة تمسك بكل شيء في رام الله، والشعب الفلسطيني عاجز، بسبب الاحتلال وما يعانيه، من القيام بأي ردة فعل. لكن هل يقود القدومي حركة إحياء وتجديد جديدة لـ «حركة فتح» في الخارج ويعيد لـ «الحركة» مكانتها ودورها الريادي في التحرير الذي ضيعه قيادات «أوسلو» في الداخل، أم يخضع القدومي للمساومة ويصمت كما صمت لمدة خمسة أعوام؟ الشاهد أنه تكلم وفجّر زلزاله بقوة والجميع ينتظر التوابع تلك التي يتمنى العرب والفلسطينيون جميعاً أن تكون لصالح القضية الفلسطينية والفلسطينيين.
وأخيرا كان عرفات في حياته مثيراً للجدل بين العرب من المحيط للخليج وبين الفلسطينيين، وبعد رحيله بخمسة أعوام تظل قضية موته أو اغتياله مثيرة للجدل.
وتظل التساؤلات هي محور آثار الوثيقة، فهل يستطيع أبومازن وقف الجدل وطعن الوثيقة في قلبها بحقائق تفضح تلفيقها، أم يتوارى عنها معتمداً على قوة السلطة ومن يساعدها، وعلى نعمة النسيان، أم تبقى الوثيقة زلزالاً يهدم مباني الخيانة من قواعدها، وماذا عن توابعها؟ اللهم رحمتك بالفلسطينيين.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
elsharia@hotmail.com