| نادين البدير |
هالة كبيرة تحيط باسمه، الجميع يعرفه بالأمير، الملياردير، رجل الأعمال، اسمه مدرج بصفة منتظمة على قائمة فوربز لأثرياء العالم، أغنى رجل في العالم العربي، يصفون حياة الرفاهية التي يعيشها، عدد السجاد في قصره، أحدث يخت اشتراه، شكل طائرته النادرة، أنباء متفرقة عن إجازته الصيفية، إجازته الحلم.
ويهمل الداخل السعودي ذكر أدق شأن عن الأمير الوليد بن طلال... مواقفه وتصرفاته إزاء النساء في بلد محافظ، أو هكذا يبدو، كالسعودية، جوبهت قراراته الجريئة بالنقد من قبل بعض الملتحين الذين صممت رؤوسهم بطريقة لا يرون بها سوى الوراء، يغارون، ويمضون أوقاتهم الرخيصة في شتم التغيير.
قرارات التعيين الجريئة التي نفذها الأمير الوليد لم تسم باسمها حتى اليوم، حركة تغييرية من الداخل، بل من عقر دار التشدد.
تعرفت إليه قبل نحو أربع سنوات، في مكتبه بالرياض كانت زيارتي الأولى، فتح باب المصعد لأفاجأ باستقبال ثلاث موظفات سعوديات على درجة عالية من الأناقة ومن العلم والثقافة أيضاً.
عرفت في ما بعد أن ارتداء العباءة ممنوع في مكتب الأمير، وأن العلم والأناقة شرطان أساسيان للظهور هناك، في مكتبه مكان لكل طموح نسوي جديد.
حشد من الشابات المتميزات اللواتي لا تصادفهن في حياتك اليومية في هذا الركن المتخبط الثائر الهادئ من الصحراء، من قال إن الجمال والعلم لا يجتمعان كان مخطئاً للغاية، مناصب نسوية جريئة لدى أكبر مليادرير تماما مثل خطواته الجريئة في بلاده... مديرات لشركات ورئيسات أقسام... حتى مساعدته الخاصة أنثى.
أسماؤهن تحمل عائلات سعودية وقبائل من وسط الجزيرة وأطرافها.
- كيف تقبل أهلك جو الاختلاط هنا؟
أجابتني إحداهن بأن الأمير يعرف أفراد عائلتها، وهم يشجعونها على العمل في هذا الجو الحر المحافظ في آن واحد.
حر ومحافظ؟
وقفت أمام النافذة، لأرقب معالم العاصمة من علو. كان الفارق شديدا بين أجواء التشدد الغارقة في الرمال، وبين حياة النهضة الصاخبة داخل طوابق مبنى شاهق اختار أن يتوسط هضبة نجد.
- ثم دعاني إلى قصره، المفاجأة لم تكن في البناء بل فيمن يقطنون المبنى ويعملون به، جميعهن سعوديات، نموذج آخر لسعوديات مثل ذاك الذي أدهشني في المكتب.
هناك قال لي: هذه بيئتي كما ترينها، وأنت مثلي ليبرالية لكنك محافظة، أليس كذلك؟
- ليبرالية ومحافظة؟
- نحن نطالب بالحرية، لكننا نملك تقاليد ومبادئ لا غنى عنها.
نحن هم المحافظون؟
هكذا يعبر عن نفسه، جو تختلط به شابات كاشفات برجال دون أدنى تجاوزات غير أخلاقية.
أمعنت النظر بالمجلس من جديد، يتوسطه الأمير وعلى جانبه اصطف عدد من الرجال وعلى جانبه الآخر عدد من النساء. الاحترام أساس التعامل بين الجميع، ولا وجود لمفاهيم مشوشة في التعاطي مع الجنس الآخر.
أهم ما في القصة أني تعرفت على شقيقة الوليد بن طلال الأميرة الرائعة ريما... كما عرفني على زوجته الأميرة أميرة الطويل.
هذا أمر نادر الحدوث على المستوى المحلي، فعدد نساء وزوجات الليبراليين الذين أعرفهم محدود جداً، كما اننا اعتدنا ليبرالياً يطالب بحرية الأفراد وبتمكين النساء، وامرأته داخل الأسوار المحصنة تحضر له طشتا لغسيل قدميه، وطعاما يسد جوعه وعطشه بعد عودته من ندوة ليبرالية مطولة حكى بها عن انتهاء زمن الست أمينة وزوجها سي السيد.
عدد من أصحاب الأصوات الليبرالية الشهيرة هنا يصرخون دفاعا عن حريات النساء في ما لا تكشف رؤوس نسائهن على أحد، يطالبون بحق المرأة بكل شيء ويحرمون نساءهم من كل شيء.
كنت كتبت قبل سنوات عدة عن حال الليبرالية الدارجة إن كانت موضة أم نفاقاً... ومازلت أسأل ذات السؤال، هل هي موضة أم نفاق للموجة الحكومية السائرة نحو التحرر؟ مازال بعض الليبراليين ينظرون للمرأة المتحررة بصفتها خارجة عن العرف، ويؤمنون بحريات توزع على النساء من منظورهم الخاص.
تحويل المبادئ إلى واقع أمر لا يجرؤ عليه كثيرون.
لكن الحال مختلفة مع الوليد بن طلال، فصور الأميرة الحسناء المثقفة برفقة زوجها الليبرالي ظهرت في الصحف كنموذج جديد لزوجة الأمير السعودي، هذه المرة دون شيلة تغطي الرأس أو عباءة تخفي البدن كما يحدث في دول خليجية أخرى، بل أزياء عصرية مواكبة للموضة الأوروبية، لا الموضة العربية المذبذبة والمرتبطة بالحال السياسية، أو الحال الدينية الملتصقة بدورها برؤية المسؤول.
تلتقط الصحافة للزوجين صورا رسمية على سلالم طائرتهما أثناء وداع أحد الرؤساء... تماما كمشهد المسؤولين وزوجاتهم في جميع أنحاء العالم.
سبق في حياة العائلة الحاكمة السعودية، التي ما عهدنا رؤية نسائها في وسائل الإعلام بهذا الشكل الصريح، جميل أن يكون أول من يطبق التغيير الذي يطرحه المسؤول شخص من داخل العائلة الحاكمة، جميل أن يكون أول من يطبق التغيير شخص لا يخفي نساء عائلته، هكذا تكون المطالبة الليبرالية أكثر إقناعاً وأشد مصداقية.

- (صبابات القهوة) ذوات الشكل التقليدي القديم معروفات: أربعينات، جسد بدين محشور داخل فستان لا معالم لألوانه ضيق طويل مفتوح الصدر، ولفافة سوداء من قماش التول تغطي منتصف الرأس، أما الوجه فليس به أي دلالات حزن أو فرح.
هؤلاء في حضرة الوليد تحولن إلى صبابات عصريات... شابات سعوديات يانعات في منتهى الأناقة وعلى معرفة عالية بالبروتوكول، أجساد ممشوقة. وسحنات مشرقة، والأغرب... شهادات تعليمية، وتحمل أيديهن دلال القهوة والفناجين.
ابتسم الأمير قائلا: ترين، كلهن لديهن أجهزة كمبيوتر، ولكل واحدة فرص في الابتعاث لدراسة اللغة، أريد أن أرى الجميع متعلماً.
بعد انتهاء مهمتهن وانتهائنا من تناول الغداء. جلسن معاً حول أجهزة الكمبيوتر الشخصية.

مهما كان رأي البعض من أن انتماءه للعائلة السعودية الحاكمة أو أن ثروته الهائلة كانت سببا، سهل عليه استقطاب تلك الطموحات النسوية، إلا أني مازلت أعتقد بأن تجربته فريدة بخصوص النساء السعوديات، هناك أثرياء يملأون البلد لم يقدموا شيئا يذكر لأجل نهوض المرأة.
كل مكان أذهب إليه أتطلع إليه جيدا، هل يصلح كوطن؟
في مكتب الوليد ومنزله بحثت جيداً، في زوايا المكان هناك، مشروع وطن جديد، وحلم الأسرة السعودية المتطورة يتحقق.

كاتبة وإعلامية سعودية
Albdairnadine@hotmail.com