نشاهد حالياً بعض الممارسات النيابية الحادة لكثيرين من النواب، حتى وصل الحال إلى التجريح السياسي لدى بعض النواب باتجاه أشخاص خارج المجلس أو داخله، نائباً كان أو وزيراً. ويتساءل البعض: هل هذه الممارسات دخيلة على الحياة البرلمانية أم هي صلب ما وفره الدستور للعضو؟ وهنا ويجب أن نبين أن الدستور الكويتي وضع استراتيجية ونظرة شاملة للممارسات النيابية والسياسية عموماً، وما يخصنا في هذا المقال أن نتحدثعن حصانات العضو في مجلس الأمة بنوعيها الموضوعي والإجرائي.ترجع هذه الأفكار في أصولها التاريخية إلى الأعراف والدساتير منذ القدم، وكان أهمها العرف الإنكليزي الذي لم  يقصر الحصانة فقط بالأعضاء البرلمانيين، وإنما يشمل جميع أفراد عائلاتهم.ونص الدستور الكويتي في المادتين 110 و111 على أهمية الحصانة النيابية، فتنص المادة 110 على أن «عضو مجلس الأمه حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال». وتنص المادة 111 أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر الا بإذن المجلس...».ويبدو جلياً أن الدستور الكويتي وضع نوعين من الحصانة: الحصانة الموضوعية، وهي تمنع مساءلة العضو مدنياً وجنائياً بشكل مطلق عن الأقوال أو الأفعال التي يدلى بها داخل المجلس أو في لجانه. أما الحصانة الإجرائيةفهي حصانة تحمي العضو من الناحية الجزائية فقط عن أي عمل أثناء عضويته إلا بعد موافقة المجلس.وسبب ابتدائنا بهذا الموضوع الاستفسار الذي يدور بين الناس عن بعض ممارسات أعضاء مجلس الأمة، كاتهام بعض الشخصيات، أو توجيه سب وما شابه ذلك إلى شخصية أخرى. يجب التدقيق بالنظر إلى الدستور الكويتي وقراءته بشكل متفحص، لأنه وضع استراتيجية متكاملة لقيام العضو بدوره ووضع الحصانات الكاملة للقيام بالدور. ولعل البعض يتساءل عن سبب إعطاء الدستور اللعضو تلك الضمانات كلها السابق شرحها. وهنا يجب أن نبين أن الدستور الكويتي لم يعبث أو يزيد في هذا الجانب. وسبب ذلك أن الدستور ينص على شعبية الحكم، وهذا ما لم يستطيع البعض فهمه، إذ قرر الدستور أن الحكم شعبي، والشعب مصدر السلطات، بل إن لفظة شعبية الحكم وردت مرات عدة في المذكرة التفسيرية للدستور (التي هي جزء من الدستور)، بل إن الدستور كانت له نظرة أعمق وأدق، إذ وردت جملة تسطر بماء من ذهب، وهي: «ضرورة الحذر من المبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية، وذلك مخافة ان تطغى هذه الضمانات على شعبية الحكم». ولذلك يجب علينا قراءة هذه الجملة الدستورية مع يناسبها من دقة لما لها من مدلول وبيان لطريقه الحكم وممارسة الصلاحيات، بل إن الدستور أخذ بعداً آخر لم يصل إليه الوعي في الحياة السياسية أو الشارع الكويتي.  وعند قراءتي شخصياً هذه الجملة توقعت أنني أقرأ أحد الدساتير الأوروبية أو الأميركية، وهي «كما أن تجريح رئيس مجلس الوزراء كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقاله…كما أن شعور الرجل السياسي الحديث بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح قد حملاه بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة أو ممثليها».لا بد أن نقرأ هذه السطور بتمعن كبير، ولا بد من فهمها حتى إلى رجل الشارع البسيط، بمعنى أن هناك البعض يقولون بدخول ممارسات خاطئة في ممارسات عضو مجلس الأمة بحق الوزير إذا انتقد أو جرّح، ولكن هذا كله كفله الدستور وذكر بتجريح الرئيس وليس الوزير؟ إلى الآن الشعب غير متفهم لحقيقة الدستور، ولو تم فهم الجملة الأخيرة كان ما اعتبرنا الممارسات النيابية بالتجريح والنقد للوزير ممارسة خاطئة. وهذا بطبيعة الحال لم يصل إليه النضوج بالحياة السياسية بالكويت،وللأسف فإننا لا نزال نناقش كلمة أو جملة صدرت من هذا العضو أو ذاك.وبالنظر إلى التجارب التاريخية للبرلمانات التي سبقتنا بالحياة الديموقراطية نجد تصرفات أكثر مما تتوقعها بكثير. وعلى سبيل المثال ما ذكره بعض الخبراء الدستورين بأن البرلمان الإنكليزي وصل في بعض مراحله التاريخية إلى استخدام جميع وسائل العنف بما فيها من ضرب الأعضاء لزملائهم بكراس، ووصل الحال إلى تثبيت الكراسي على الأرض حتى لا يتم استخدامها بالعنف وغيرهما الكثير من الأمثلة...والبعض يتساءل عن التمادي واتهام بعض الأعضاء لشخصيات عامة في مجلس الأمة، ويعتقد أن ذلك استغلال العضو لصلاحياته، وهذا الكلام لا يتناسب مع الحياة البرلمانية الديموقراطية.ومثال على ذلك ما ذكره النائب مسلم البراك عن اتهام لرئيس مجلس والعضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار  بدر السعد من استفادة أخيه لبيع عقار من قبل الهيئة، وعلى ذلك تم التحقيق من قبل لجنة حماية الأموال العامة، وتمت تبرئته، وصرح بذلك رئيس اللجنة أحمد المليفي، وعليه فإن أي شخص يتم اتهامه داخل مجلس الأمة يجد الضمانات الكافية لتوضيح موقفه، ويتم الرد على العضو الذي سبق اتهمه. وأيضاً يمكن تقديم شكوى على العضو في لجنة الشكاوى، لأن النائب حر في إبداء آرائه واستفساراته وما لديه من شبهات، وهذا ما نص عليه الدستور وتم شرحه من قبل، وهذا كمال الديموقراطية.أما الاستفسار عن وجود بعض الألفاظ غير اللائقة التي تقال من بعض الأعضاء، وعادة تكون في ما بينهم كما حصل أخيراً بين النائب سعدون حماد والنائب محمد جاسم الصقر أو علي الراشد وخلف الدميثير، أو مسلم البراك ووليد  العصيمي، فهذا لا يمكن التعليق عليه لأنه أمر شخصي وليس متعلقاً في موضوع تتم مناقشته، ويحق للمجلس إنذاره أو توجيه اللوم أو منع العضو من الكلام في بقية الجلسة أو منعه من الحضور لمدة أسبوعين. واللائحة الداخلية أعطت بعض الضمانات لرئيس مجلس الأمه لوقف مثل تلك الألفاظ، ويجب أن نوضح أخيراً أن تلك الألفاظ لا تدور في شأن موضوع معين وليست متعلقه في عمل مجلس الأمة.هذا توضيح بسيط من خلال البحث في أحقية عضو مجلس الأمة ممارسة دوره على أكمل وجه، وتوضح صلاحياته من خلال الدستور، فما نشاهده حالياً من أقوال أو أفعال ليست دخيلة على الحياة البرلمانية، بل هي من صلب الدستور.

ناصر ناجي النزهانكاتب كويتي alnzhna@hotmail.com