بعد أيام من خطاب الرئيس الأميركي أوباما في جامعة القاهرة، الذي خاطب فيه العالم الإسلامي، وشدد فيه على أهمية قيام دولة فلسطينية، جاء الرد من «النتن ياهو» رئيس وزراء العدو الصهيوني في 14 يونيو بتصريحات خطيرة ومهمة، وذلك في خطاب يهودي صهيوني شيطاني ألقاه في جامعة بار إيلان لتحديد سياساته الخاصة بما يدّعونه زوراً السلام.
من ضمن ما جاء فيه أنه قال نحن نطلب اليوم من أصدقائنا في المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة ما هو أمر حاسم بالنسبة إلى أمن دولة إسرائيل، تعهد صريح بأن تكون الأراضي التي في أيدي الفلسطينيين بموجب أي اتفاق دائم للسلام منزوعة السلاح. أي ينبغي أن تكون بلا جيش وبلا سيطرة على المجال الجوي مع رقابة فعالة تمنع دخول الأسلحة إلى أراضيهم. وغني عن القول إن الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على الدخول في اتفاقات عسكرية.
ومن بين الشروط الأساسية لوضع نهاية للصراع اعتراف علني مُلزم وصادق من جانب الفلسطينيين بدولة إسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي. «إذا تلقينا هذا التعهد بخصوص نزع السلاح والترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي فسنكون مُستعدين في إطار اتفاق سلام مستقبلي للتوصل إلى حل يتضمن قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جوار الدولة اليهودية»، معتبراً أن هناك وفاقاً وطنياً داخل إسرائيل على الموضوع، ومشدداً على أن «القدس عاصمة إسرائيل وستظل موحدة».
ورفض «النتن ياهو» عودة اللاجئين الفلسطينيين وقال إن حل قضيتهم ينبغي أن يتم خارج إسرائيل. ودعا في هذا الإطار السلطة الفلسطينية إلى بدء مفاوضات سلام من دون شروط مسبقة، قائلاً: «نريد أن نعيش بسلام مع الفلسطينيين... عليهم أن يختاروا ما بين طريق السلام وطريق (حماس)»، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية.
وأضاف أن على «السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام، وأن تتغلب على (حماس)»، مؤكداً أن إسرائيل «لن تتفاوض مع إرهابيين يحاولون تدميرها»، ثم أتبع «نتن ياهو» خطابه بمحاولات إغراء اقتصادية للعرب لا تستحق التعليق.
من الواضح من خطاب «النتن ياهو» أنه يرفض كل ما قدمه العرب والفلسطينيون من تنازلات ويرفض ما سبق كله من مشاريع وخطط لوهم السلام مع العدو الصهيوني، والتي سبقته في التوافق معها حكومات صهيونية، وهو يريد بكل وضوح تركيع العرب والفلسطينيين من دون أي ماكياج أو تجميل. والخطاب واضح لا جديد فيه مطلقاً، فهو يحتوي الآتي:
- سراب وعد بمشروع دولة وهمية تفتقد أي ركن قانوني للدولة، فهي دولة لا قوة لها ولا قيمة لها ولا استقلال لها، والاسم المعلن أنها دولة.
- الإعلان الواضح أن القدس عاصمة لليهود ولا حق للعرب مطلقاً فيها هو بمثابة تحدٍ وإعلان حرب لا مشروع سلام، كما يدعي «النتن ياهو».
- ثم شرط الدخول في أي مفاوضات هو أن تتغلب السلطة على «حماس» ومشروع المقاومة ولا خيار بين السلام و«حماس»، بمعنى أن يقتل الفلسطينيون المنتسبون للسلطة والمنتسبون زوراً للاعتدال إخوانهم الفلسطينيين في حركة «حماس»، حتى لا يبقى معارض لدولة الاحتلال اليهودية.
- الرفض المطلق لعودة اللاجئين يعني لا شعب فلسطيني أمام شعب ودولة يهودية.
الحقيقة أن خطاب «النتن ياهو» يتضمن بوضوح مشروعاً أسوأ من المشروع الذي أُعلن من قبل بعنوان «دولة إسراطين»، وهو مشروع رفضه العرب والمسلمون في العالم والفلسطينيون، ومع ذلك فهو مشروع تلتزم فيه الحكومة أياً كانت برعاياها كلهم باختلاف عرقياتهم وديانتهم. أما مشروع «النتن ياهو» في خطابه الأخير فهو إلقاء الفلسطينيين في البحر، بعيداً عن أي التزام وإدخالهم في نفق مظلم لا مخرج له من الخلافات والاقتتال ووهم السلام مع تركيعهم بالاعتراف بدولة اليهود والقدس عاصمة لدولة اليهود.
اللافت أن الولايات المتحدة رحبت بالخطاب مع أنه يتناقض مع خطاب أوباما تماماً، لكن العرب والسلطة الفلسطينية و«حماس» أعلنوا رفضهم.
ولكن كم من مرة أعلنت السلطة الفلسطينية وبعض العرب رفضهم، ثم عادوا صاغرين لقبول مارفضوه علناً، وفي ظل الضعف والانقسام العربي واختلاف أجندات المصالح لكل نظام عربي، فهل يقبل العرب بمشروع «النتن ياهو» الأخير، ويكون الثمن ضياع فلسطين وبيعها للشيطان والتفريط في الأقصى والقدس ودماء الشهداء وأرض فلسطين؟ وهل يكون ثمن الانهزام العربي إعلان دولة اليهود القومية وضياع فلسطين شعباً ودولة حقيقية؟
وحتى هذا لن يقبله الشيطان الصهيوني أبداً، فحلمه دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وهو حلم موجود في كتبه وتراثه وعقيدته ومشاريعه وفي سياسته ومؤسساته وعلى عَلَمه رمز دولته.
ولكنه مهما كان يبقى المشروع الصهيوني مجرد حلم مادامت المقاومة موجودة وتضحي وتقاوم من أجل حقها المشروع، حقها الشرعي والقانوني والإنساني والعقلي الذي لا يستطيع أن ينكره أحد حتى الشيطان الصهيوني، وحتى لو قبل المنهزمون فلن تقبل المقاومة مهما تباعدت الأعوام، إلا بدولة فلسطين حق راسخ واصيل على تراب فلسطين كلها، وليخسأ أصحاب وهْم السلام مع عدو السلام.
ويبقى أخيراً أن خطاب «النتن ياهو» الأخير يعد بمثابة صفعة قوية لجميع مشاريع السلام العربية والغربية، فهل يقول العرب على السلام السلام في ظل حكومة «النتن ياهو»؟


ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
Elsharia5@hotmail.com