تميز النظام الإداري الكويتي بمنهاجيه لعبة الكراسي، وهي نوعان: الأول سياسي والآخر نفساني. وعندما ننظر إلى الكراسي التي يجلس عليها المسؤولون نجدها قد أفرغت من المضمون الإداري والقيادي، لأن الواقع يكشف لنا ضعف الصفة القيادية في معظم المسؤولين، وتحديداً في قطاعي التربية والصحة، وذلك لأن لعبة الكراسي بنوعيها قد ظلت هي المحرك الرئيسي لنشاط الجهتين التشريعية والتنفيذية.في مرافق الصحة يتلقى المريض خدمات لا ترتقي إلى المستوى ويواجهه الأطباء الاعتداءات، فبدلاً من حمايتهم للمرضى مما يعانون منه صاروا يبحثون عن تقرير طبي يحدد الإصابات التي تعرضوا إليها لرفع قضية اعتداء على موظف أثناء تأدية عمله وأصبح هو المصاب!وفي وزارة التربية مشاجرات بآلات حادة وسلوكيات شاذة بلغت إلى حد الاعتداءات الجنسية على تلاميذ أطفال صغار أتوا إلى التعلم وخرجوا بتألم، مما تعرض له الأطفال الأبرياء!أي أمان نبحث عنه في ظل هذه الظروف التي يتجاذب فيها الطرفان النقاش في شأن القضايا المتعلقة بالوضع الصحي والتربوي من المنظور الإداري الذي تم تسييسه في جانب وتم غربلته نفسياً من الجانب الأخر.إن الأمن أساس الاستقرار، فالطبيب الذي لا يشعر بالأمان لن يتمكن من توفير الأمان الصحي لمراجعيه المرضى، وأولياء الأمور الذين لا يشعرون بالأمان بعد نشر الحكايات الغريبة التي يتعرض إليها أطفالهم لن يستطيعوا إعانة المدرسين من منح التعليم المرجو، مع تحفظنا على مستوى التعليم الذي يتلقاه الطلاب والطالبات، ولكن رغم المستوى المتدني الملموس نبقى مكتوفي الأيدي إزاء هيبة المعلم والمعلمة الضائعة في خضم الأحداث الجارية، والتي حري بنا إعادتها إلى سالف عهدها وضمان الأمان للجميع من معلمين ومعلمات وللطلاب والطالبات كذلك.الشاهد أننا نرى المدرسين والمدرسات يأتي إليهم بعض أولياء الأمور وأشعة الغضب تشع من عيونهم (رجال ونساء) ويقذفون عليهم بعض الكلمات التي بعضها غير متضمن في قواميس اللغة العربية الضحلة، وينتهي الأمر بتقدم أولياء الأمور بشكوى للإدارة (المنطقة أو الوزارة) وترجع القضية عكسية على أولئك المدرسين والمدرسات المغلوب على أمرهم في غالب الأحيان ليس لضعف منهم، ولكن لأنهم يطبقون اللوائح الوزارية مع الأسف!المشكلة بدأت واضحة في ظل غياب المسؤولين من الكفاءات من نتائج لعبة الكراسي التي حطت لهم وليس لغيرهم ممن انشغل بتسييس الأمور واللعب على الجوانب النفسية تجاه معظم القضايا المطروحة. لذلك، يبدو الأمر أنه وصل إلى مرحلة من الخطورة التي تستوجب إبعاد الجانبين السياسي والنفسي من عملية اختيار الكفاءات في حقلي الصحة والتربية.إننا بحاجة إلى مراجعة للأمن المفقود بعد أن غطت سحابة الفساد الإداري معظم مرافق الدولة بجانب الصحة والتربية.إن الدستور الكويتي منحنا الحق في التعليم السليم والخدمات الصحية الراقية، وكفل لنا العدالة والمساواة ومبدأ تكافؤ الفرص، ولكن لعبة الكراسي أفقدتنا ذلك الحق الدستوري، فأضحينا نحن كمواطنين ضحايا لجميع الإخفاقات البارزة على السطح: فمن ينصفنا يا معشر القراء من سادة وسيدات؟ والله المستعان!

تركي العازمي

كاتب ومهندس كويتيterki_alazmi@hotmail.com