أعجبني ما كتبه الزميل الفاضل سامي النصف في جريدة الأنباء قبل يومين بعنوان «الأحزاب والإضراب» نقلاً عن مجلة «البزنس ويك» الأميركية والتي أظهرت فيه من خلال الأرقام ان الموظفين والعمال غير النقابيين (غير المسموح لهم بالإضراب) في أميركا أصبحوا أكثر حصولاً على المكاسب والجوائز من زملائهم النقابيين، كما أظهرت الجريدة بأن الاضرابات قضية قاربت على الاختفاء في العالم المتقدم، ففي الخمسينات كان في أميركا ما معدله (352) إضراباً سنوياً ثم تقلص إلى 35 في التسعينات و23 هذا العام.بالطبع قد يكون ذلك التقلص في عدد الاضرابات في أميركا بسبب تحسن مستوى الرواتب والأجور وقد يكون لأسباب اجتماعية اخرى،ولكن ما يهمني في هذا الموضوع هو  أننا وللأسف دائماً نبدأ من حيث توقف الآخرون وفجأة انتبهت النقابات العمالية عندنا إلى أهمية الاضرابات والاعتصامات لنيل حقوقهم، وبدلاً من أن يقننوا تلك الوسائل ويسلكوا بها الطرق التي تضمن تحقيق مطالبهم مندون اضرار بالنظام العام فإنهم قد تحركوا منفردين - مع وجود التنسيق الواضح بينهم - على مستوى أكثر من عشر نقابات لتنظيم اضرابات واعتصامات كان يمكن ان تشل البلد، ما دعا الحكومة للتدخل لايقاف تلك الخطوة باستخدام لغة العصا والجزرة حيث اصدرت القرار (1113) الذي يهدد بمواجهة ومحاسبة كل من يمارس الاضراب عن العمل، كما وعدت بدراسة زيادة الرواتب والأجور.لكن تلك الخطوة من الحكومة قد اوقفت النقابات موقتاً عن تنفيذ تهديداتها مع تهديد منها بالشكوى ضد الحكومة عند منظمة العمل الدولية حيث تعتبره النقابات مصادماً لميثاق المنظمة الذي يعتبر ملزماً لجميع الدول التي وقعت عليه، وعندما رجعت لاتفاقية المنظمة لفت انتباهي قضيتان هما:1 - المادة (6) تنص على ان هذه الاتفاقية لا تعالج وضع الموظفين الذين يعملون في إدارة الدولة ولا تفسر بصورة تمس حقوقهم او وضعهم، مع ان جميع النقابات المطالبة بالاضراب عندنا هي نقابات حكومية.2 - تنص اتفاقية منظمة العمل العربية على حق العمال بالاضراب للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية بعد استنفاد طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه المصالح.ولست خبيراً قانونياً لأفسر مدى انطباق تلك المادتين على وضع نقاباتنا القائمة، ولكني أود ان ابين بأنني اتعاطف مع النقابات في مطالبتها بنيل حقوق منتسبيها وأعتبر ديوان الخدمة المدنية هو السبب في كل ذلك حيث الاقرار العشوائي للكوادر المالية دون موازنة بين الجميع، بل الكادر للأعلى صوتاً، وفي هذا ظلم واضح وهو ما يدفع البقية للضغط من أجل نيل حقوق موظفيهم، لكني مع ذلك ألوم النقابات على التسرع في الحشد ضد الحكومة والتهديد بشل البلد بعشرات الاضرابات، وقد كانوا قادرين على التدرج والتفاوض المستمر، والتحرك القانوني ضد القرار (1113) الذي لا ينبني على قاعدة قانونية بل كما فسره مجلس الوزراء (إدارة الفتوى والتشريع) بأنه مخالف لما استقر معه الفقه الدستوري، وهذا التحرك ليس بهدف تشريع الاضرابات ولكن لمنع التصادم الحتمي بين  الجانبين. إن حكومتنا هينة لينة ولكنها بحاجة إلى من يعرف كيفية التفاوض معها لنيل الحقوق، وإذا كانت الدول المتقدمة قد تناست الاضرابات لنيل حقوق العمال، فلا شك ان النقابات فيها قد تعلمت طرقاً جديدة نحن أولى بتعلمها.

د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com