| بقلم: الدكتور عبدالعزيز خليفة القصار |
/> حرصت المؤسسات المالية الإسلامية منذ تأسيسها على تحري الحلال في المعاملات والبعد عن الحرام ومواطن الخلل في العقود، وانتهجت المنتجات والأدوات المناسبة سواء منها التمويلية أو الاستثمارية، وربما توسعت في جانب من المنتجات على آخر بحسب الظروف السائدة في كل بلد والمرحلة والفترة التي تمر بها المؤسسات المالية الإسلامية.
/>وأثبتت تلك المؤسسات قدرتها على مواكبة التطور الاقتصادي بحيث مكنت لنفسها موطن قدم في الساحة المالية المحلية والإقليمية وحتى الدولية، واعترف الغرب بذلك ما دفعهم لتبني ذلك المنهج الرباني القائم على العدالة والرضا المعتبر شرعا.
/>ومما ثار حوله النقاش من المنتجات التمويلية هو «التورق» والذي يعني في الاصطلاح الفقهي شراء شخص سلعة بثمن مؤجل بقصد أن يبيع تلك السلعة بثمن حال نقدا إلى غير من اشتريت منه.
/>وقد طورت بعض المؤسسات المالية الإسلامية ذلك المفهوم بعمليات مرتبة تباعا ومنظمة، فعرف ما يطلق عليه «التورق المنظم»، والذي صدر فيه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي جدة - اخيراً حيث عرف التورق المصرفي المنظم بأنه: «شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (الممول) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك وذلك بثمن حال أقل غالبا».
/>وقد منع المجمع هذا التورق لأن فيه تواطؤاً بين الممول والمستورق صراحة أو ضمنا أو عرفا تحايلا لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو الربا. وقد علل القرار ذلك المنع بالتواطؤ للتحايل المؤدي إلى «الربا.!!».
/>ولسنا بصدد المناقشة العلمية لذلك القرار حيث إنه رأي فقهي اجتهادي يحترم قائله ومصدره، ولكن تعليقنا على ذلك ما يلي:
/>أولا: إن الشريعة الإسلامية فيها من المرونة في الأحكام الشرعية ما يؤهلها لتقديم المنتجات المقبولة شرعا وفق ما تؤدي إليه اجتهادات الفقهاء، وقد صدر معيار التورق وضوابطه من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والذي قضى بجواز التورق وفق ضوابط شرعية روعي فيها جميع التحفظات الشرعية، وقد جاء هذا المعيار حصيلة جهد علمي فقهي وفني متواصل، وهو اجتهاد له تقديره واحترامه أيضا، ولعل المرونة في الشريعة الإسلامية تأتي من ذلك التنوع الفقهي الاجتهادي والمبني على أصول وقواعد الشرع، ولا حرج فقها وشرعا على من اتبع رأيا من الآراء الفقهية المعتبرة.
/>ثانيا: لعل الممارسات الخاطئة والتطبيقات غير السليمة هي التي أدت ببعض الفقهاء المعاصرين للتفاعل مع تلك القضية فقضوا فيها بالمنع، ونقول: «إن خطأ التطبيق لا يعني عدم شرعية أصل المعاملة، فالكل يعلم أن الله تعالى أحل البيع وفق شروطه وضوابطه، فإذا أمكن إيجاد الوسائل والضوابط الكفيلة بتجنيب تلك المعاملة كل الملاحظات والسلبيات فلماذا المنع؟».
/>لا سيما أن القرار الأخير قد أجاز التورق الفقهي الذي نص عليه جمهور الفقهاء، ما يعني أن أصل المسألة عندهم الجواز، وربما شاب التطبيق الخطأ من حيث الشكلية والصورية، وفي تصورنا أن الموضوع يمكن أن ينظر إليه من زاوية أخرى وهي أن نراعي تطبيق الضوابط الكفيلة الداعية لصحة تلك المعاملة لا منعها وربما أدى ذلك للتضييق على المؤسسات المالية الإسلامية.
/>ثالثا: إن الحصول على التمويل النقدي ليس هو الهدف من التمويل الإسلامي، بل قد تضطر إليه المؤسسات المالية الإسلامية لمعالجة مشكلات السيولة أو التخلص من التزامات غير مشروعة من أجل التحول نحو العمل الكامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث لا غنى لهذه المؤسسات عن استخدام ذلك المنتج وفق الضوابط الشرعية. فلماذا لا تتم المساهمة في معالجة أوضاع تلك المؤسسات وفق الشريعة الإسلامية.
/>رابعا: أفرزت الأزمة المالية الحالية التي يمر بها كثير من المؤسسات والدول على حد سواء الحاجة الشديدة للشركات والمؤسسات للسيولة النقدية لتسديد التزاماتها والتي تكونت في المؤسسات المالية الإسلامية من أنشطة واستثمارات مقبولة شرعا، وهو الأمر الذي يستدعي حصول تلك المؤسسات الإسلامية على التمويل النقدي وفق أسلوب ومنتج مقبول شرعا لسداد تلك الاستحقاقات، فالتورق حل لمشكلة قائمة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم قدرة تلك المؤسسات على تسييل أصولها نظرا للوضع الراهن، فإما أن تلجأ تلك المؤسسات المالية الإسلامية للاقتراض بالربا فتنسف كل ما بنته وادعته في السنوات الماضية من محاربة الربا والتعامل به! وإما أن نوجد لها وسيلة شرعية تحقق ذلك الغرض وتساهم في تقنين أسلوب التمول النقدي لتلبية تلك الاحتياجات الملحة لدى المؤسسات المالية الإسلامية، خصوصا في ظل هذه الأزمة المالية الراهنة، وقد قرر الفقهاء ان المعاملات مبناها على مراعاة العلل والمصالح.
/>خامسا: إن الجميع متفق على أن التورق إن تم بالشكل الصوري الذي تجريه بعض المؤسسات المالية فهو أمر غير مقبول في الشريعة لما يشوبه من شبهات تستدعي تحريمه، أما التورق إن روعي فيه الضوابط الكفيلة بتحقيق صحته، فلا مانع منه وفق ما تقتضيه قواعد الشريعة الإسلامية السمحة.
/>ونؤكد أن الشريعة الإسلامية تستوعب كل الآراء الفقهية وباب التطبيق مفتوح لكل مجتهد، ولكل مجتهد نصيب.
/>
/> حرصت المؤسسات المالية الإسلامية منذ تأسيسها على تحري الحلال في المعاملات والبعد عن الحرام ومواطن الخلل في العقود، وانتهجت المنتجات والأدوات المناسبة سواء منها التمويلية أو الاستثمارية، وربما توسعت في جانب من المنتجات على آخر بحسب الظروف السائدة في كل بلد والمرحلة والفترة التي تمر بها المؤسسات المالية الإسلامية.
/>وأثبتت تلك المؤسسات قدرتها على مواكبة التطور الاقتصادي بحيث مكنت لنفسها موطن قدم في الساحة المالية المحلية والإقليمية وحتى الدولية، واعترف الغرب بذلك ما دفعهم لتبني ذلك المنهج الرباني القائم على العدالة والرضا المعتبر شرعا.
/>ومما ثار حوله النقاش من المنتجات التمويلية هو «التورق» والذي يعني في الاصطلاح الفقهي شراء شخص سلعة بثمن مؤجل بقصد أن يبيع تلك السلعة بثمن حال نقدا إلى غير من اشتريت منه.
/>وقد طورت بعض المؤسسات المالية الإسلامية ذلك المفهوم بعمليات مرتبة تباعا ومنظمة، فعرف ما يطلق عليه «التورق المنظم»، والذي صدر فيه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي جدة - اخيراً حيث عرف التورق المصرفي المنظم بأنه: «شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (الممول) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك وذلك بثمن حال أقل غالبا».
/>وقد منع المجمع هذا التورق لأن فيه تواطؤاً بين الممول والمستورق صراحة أو ضمنا أو عرفا تحايلا لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو الربا. وقد علل القرار ذلك المنع بالتواطؤ للتحايل المؤدي إلى «الربا.!!».
/>ولسنا بصدد المناقشة العلمية لذلك القرار حيث إنه رأي فقهي اجتهادي يحترم قائله ومصدره، ولكن تعليقنا على ذلك ما يلي:
/>أولا: إن الشريعة الإسلامية فيها من المرونة في الأحكام الشرعية ما يؤهلها لتقديم المنتجات المقبولة شرعا وفق ما تؤدي إليه اجتهادات الفقهاء، وقد صدر معيار التورق وضوابطه من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والذي قضى بجواز التورق وفق ضوابط شرعية روعي فيها جميع التحفظات الشرعية، وقد جاء هذا المعيار حصيلة جهد علمي فقهي وفني متواصل، وهو اجتهاد له تقديره واحترامه أيضا، ولعل المرونة في الشريعة الإسلامية تأتي من ذلك التنوع الفقهي الاجتهادي والمبني على أصول وقواعد الشرع، ولا حرج فقها وشرعا على من اتبع رأيا من الآراء الفقهية المعتبرة.
/>ثانيا: لعل الممارسات الخاطئة والتطبيقات غير السليمة هي التي أدت ببعض الفقهاء المعاصرين للتفاعل مع تلك القضية فقضوا فيها بالمنع، ونقول: «إن خطأ التطبيق لا يعني عدم شرعية أصل المعاملة، فالكل يعلم أن الله تعالى أحل البيع وفق شروطه وضوابطه، فإذا أمكن إيجاد الوسائل والضوابط الكفيلة بتجنيب تلك المعاملة كل الملاحظات والسلبيات فلماذا المنع؟».
/>لا سيما أن القرار الأخير قد أجاز التورق الفقهي الذي نص عليه جمهور الفقهاء، ما يعني أن أصل المسألة عندهم الجواز، وربما شاب التطبيق الخطأ من حيث الشكلية والصورية، وفي تصورنا أن الموضوع يمكن أن ينظر إليه من زاوية أخرى وهي أن نراعي تطبيق الضوابط الكفيلة الداعية لصحة تلك المعاملة لا منعها وربما أدى ذلك للتضييق على المؤسسات المالية الإسلامية.
/>ثالثا: إن الحصول على التمويل النقدي ليس هو الهدف من التمويل الإسلامي، بل قد تضطر إليه المؤسسات المالية الإسلامية لمعالجة مشكلات السيولة أو التخلص من التزامات غير مشروعة من أجل التحول نحو العمل الكامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، حيث لا غنى لهذه المؤسسات عن استخدام ذلك المنتج وفق الضوابط الشرعية. فلماذا لا تتم المساهمة في معالجة أوضاع تلك المؤسسات وفق الشريعة الإسلامية.
/>رابعا: أفرزت الأزمة المالية الحالية التي يمر بها كثير من المؤسسات والدول على حد سواء الحاجة الشديدة للشركات والمؤسسات للسيولة النقدية لتسديد التزاماتها والتي تكونت في المؤسسات المالية الإسلامية من أنشطة واستثمارات مقبولة شرعا، وهو الأمر الذي يستدعي حصول تلك المؤسسات الإسلامية على التمويل النقدي وفق أسلوب ومنتج مقبول شرعا لسداد تلك الاستحقاقات، فالتورق حل لمشكلة قائمة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم قدرة تلك المؤسسات على تسييل أصولها نظرا للوضع الراهن، فإما أن تلجأ تلك المؤسسات المالية الإسلامية للاقتراض بالربا فتنسف كل ما بنته وادعته في السنوات الماضية من محاربة الربا والتعامل به! وإما أن نوجد لها وسيلة شرعية تحقق ذلك الغرض وتساهم في تقنين أسلوب التمول النقدي لتلبية تلك الاحتياجات الملحة لدى المؤسسات المالية الإسلامية، خصوصا في ظل هذه الأزمة المالية الراهنة، وقد قرر الفقهاء ان المعاملات مبناها على مراعاة العلل والمصالح.
/>خامسا: إن الجميع متفق على أن التورق إن تم بالشكل الصوري الذي تجريه بعض المؤسسات المالية فهو أمر غير مقبول في الشريعة لما يشوبه من شبهات تستدعي تحريمه، أما التورق إن روعي فيه الضوابط الكفيلة بتحقيق صحته، فلا مانع منه وفق ما تقتضيه قواعد الشريعة الإسلامية السمحة.
/>ونؤكد أن الشريعة الإسلامية تستوعب كل الآراء الفقهية وباب التطبيق مفتوح لكل مجتهد، ولكل مجتهد نصيب.
/>