كما انتظرنا وصول «انفلونزا الطيور» إلينا! ننتظر وبكل شجاعة وكرم الضيافة وصول «انفلونزا الخنازير» لا قدّر الله! فقد تعودنا على الانتظار وعدم المبادرة دائماً، كما ننتظر الجديد من الصناعات العالمية، ومن الملبوسات وآخر الصرخات، نحن في مجتمعاتنا لا تنشط عقولنا ولا ينتبه تفكيرنا إلا عندما تمَس مصالحنا الفردية فنعَبر عن ذلك بأنانية واضحة! أو حين نتعرض إلى مضايقاتٍ شخصية تصحو فينا دواعي التفكير السليم وتستيقظ عندنا كل قوةٍ للدفاع عن الذات، وللأسف تكون عقولنا أكثرَ نشاطاً وحيوية حين تملأُ الغيرة قلوبَنا من زميلٍ متميز بيننا في دائرةِ العمل مثلاً...
يبدو أمراً مخيباً للأمل حين يرتطم الإنسان بجدار عالٍ يحول بينه وبين حريته للوصول إلى إبداعاته، بعد أن عاش فترة ليست بالقصيرة مصغياً فيها إلى دعوات إحلال الديموقراطية في الخطابات الرسمية عند العرب، وبعد أن استفاق من حلم عميق غمرته فيه أصواتنا الإعلامية في الشرق يجد نفسه في العراء فريسة أجنبي يدعي تحريره، أو تحت سطوة قريبٍ أقسى من الغريب!
إن الرصيد الثقافي للإنسان وراء كل إبداع وإشراق في حياته وحياة مجتمعه؛ وأقصد بـ«الرصيد الثقافي» كل ما اكتسب الإنسان من لغة وعلم ووعي وتجربة وقدرة على التعبير، وكل ما أُعطيَ من مَلكة وموهبة. ولا أقصد بالرصيد الثقافي ما حصره الكثير في دائرة النشر والمهرجانات والأمسيات والندوات... الرصيد الحقيقي للثقافة يصل به الإنسان إلى عالم من الإبداع المطلق بعيداً عن القيود وبعيداً عن المثبِّطين ومرضى القلوب... وبه ينطلق المبدعُ من دون اعتبار لأي أمر سوى تقديم الجديد لتراثٍ عربي تركه لنا مَن سبقنا بحرية عاشوها بحق، وربما انتزعوها ممن منعها عنهم! إن هذا التصور يعني الوصول إلى حالة من الإنطلاق مع الإبداع بشجاعة وأدب من دون الشعور برهبة المتسلطين أو مزاحمة المتسلقين... هذا التصور للأسف ليس في عقليات رهبان الثقافة في الاتحادات والنقابات الخاصة بأصحاب الأقلام أو المثقفين في الشرق.
إنه مزيج من التراكم الثقافي والتربوي يتجاوز التخصصاتِ ويعلن عالميته قبل عولمة اليوم، إن هذا الإنسان المبدع المثقف بحق سيتألق في تخصصه بامتداده وتميزه، أَرجع لأذكر أنني لا أقصد بالإنسان المثقف أنه ذلك الذي يقيس المسافة بين دار للأدباء ومجلس أو وزارة للثقافة! ولا هو الذي يستعرض في أمسية أدبية أو بحضور رقصةٍ شعبية! ثم يوهِمُ نفسه وبكلِّ اهتمام أنه من صناع الثقافة، وربما من قادتها!
إن ثقافة الإنسان التي يكتسبها من عمق فهمه لما يقرأُ، ومن تنوع ما يقرأ، يدفعه ذلك لتجسيد الجديد في أرض الواقع لشيء مما يقرأُ، بلون هادف لائق غير مرفوضٍ في مجتمعه ذلك هو المبدع من المثقفين سواء في السياسة باتخاذ القرار المواتي، أو في الاقتصاد في التخطيط للوصول إلى الأفضل، وغير ذلك في شتى الميادين.
وعلى النقيض من ذلك... فثقافة ما نقتات عليها في الصباح واستسغناها حتى صرنا نتلمسها قبل النوم! هذه الثقافة تتلخص في تضييق آفاق التفكير عندنا وننقلها دون وعي إلى أبنائنا.. حتى أصبحت ثقافة الإنسان بفهم مغلوطٍ ما هي إلا أدب وشعر وقصص وروايات نموتُ ببطء بين أوراقها.
وحين يظهر بيننا لون مميز ذهلنا من صاحبه وخفنا على أنفسنا منه بغيرَتنا المقيتة ومن سوء ما نضمر! فبدلاً من تشجيعه والاقتداء به نتفق على معاداته! مع أنه ليس عدونا بل هو عدو الحسد والغيرة التي في قلوبنا! وحين يواجهنا العدو الحقيقي في ساحة المعركة يدخل كل منا رأسه في الأرض كالنعام! ونحول المعركة إلى عداء مُصطنعٍ بيننا وبين كل مبدع ومتميز من قومنا!
إن كل مبدع متألق بيننا لا يكتب له الانطلاق، لأننا أسوء حدود وقفت في وجهه أو أبعدته عن الساحة!
ليبقي الصراع اليومي في حياتنا بين إبداعٍ... وإبعاد!
علي سويدان
كاتب كويتي
Swaidan8@hotmail.com
يبدو أمراً مخيباً للأمل حين يرتطم الإنسان بجدار عالٍ يحول بينه وبين حريته للوصول إلى إبداعاته، بعد أن عاش فترة ليست بالقصيرة مصغياً فيها إلى دعوات إحلال الديموقراطية في الخطابات الرسمية عند العرب، وبعد أن استفاق من حلم عميق غمرته فيه أصواتنا الإعلامية في الشرق يجد نفسه في العراء فريسة أجنبي يدعي تحريره، أو تحت سطوة قريبٍ أقسى من الغريب!
إن الرصيد الثقافي للإنسان وراء كل إبداع وإشراق في حياته وحياة مجتمعه؛ وأقصد بـ«الرصيد الثقافي» كل ما اكتسب الإنسان من لغة وعلم ووعي وتجربة وقدرة على التعبير، وكل ما أُعطيَ من مَلكة وموهبة. ولا أقصد بالرصيد الثقافي ما حصره الكثير في دائرة النشر والمهرجانات والأمسيات والندوات... الرصيد الحقيقي للثقافة يصل به الإنسان إلى عالم من الإبداع المطلق بعيداً عن القيود وبعيداً عن المثبِّطين ومرضى القلوب... وبه ينطلق المبدعُ من دون اعتبار لأي أمر سوى تقديم الجديد لتراثٍ عربي تركه لنا مَن سبقنا بحرية عاشوها بحق، وربما انتزعوها ممن منعها عنهم! إن هذا التصور يعني الوصول إلى حالة من الإنطلاق مع الإبداع بشجاعة وأدب من دون الشعور برهبة المتسلطين أو مزاحمة المتسلقين... هذا التصور للأسف ليس في عقليات رهبان الثقافة في الاتحادات والنقابات الخاصة بأصحاب الأقلام أو المثقفين في الشرق.
إنه مزيج من التراكم الثقافي والتربوي يتجاوز التخصصاتِ ويعلن عالميته قبل عولمة اليوم، إن هذا الإنسان المبدع المثقف بحق سيتألق في تخصصه بامتداده وتميزه، أَرجع لأذكر أنني لا أقصد بالإنسان المثقف أنه ذلك الذي يقيس المسافة بين دار للأدباء ومجلس أو وزارة للثقافة! ولا هو الذي يستعرض في أمسية أدبية أو بحضور رقصةٍ شعبية! ثم يوهِمُ نفسه وبكلِّ اهتمام أنه من صناع الثقافة، وربما من قادتها!
إن ثقافة الإنسان التي يكتسبها من عمق فهمه لما يقرأُ، ومن تنوع ما يقرأ، يدفعه ذلك لتجسيد الجديد في أرض الواقع لشيء مما يقرأُ، بلون هادف لائق غير مرفوضٍ في مجتمعه ذلك هو المبدع من المثقفين سواء في السياسة باتخاذ القرار المواتي، أو في الاقتصاد في التخطيط للوصول إلى الأفضل، وغير ذلك في شتى الميادين.
وعلى النقيض من ذلك... فثقافة ما نقتات عليها في الصباح واستسغناها حتى صرنا نتلمسها قبل النوم! هذه الثقافة تتلخص في تضييق آفاق التفكير عندنا وننقلها دون وعي إلى أبنائنا.. حتى أصبحت ثقافة الإنسان بفهم مغلوطٍ ما هي إلا أدب وشعر وقصص وروايات نموتُ ببطء بين أوراقها.
وحين يظهر بيننا لون مميز ذهلنا من صاحبه وخفنا على أنفسنا منه بغيرَتنا المقيتة ومن سوء ما نضمر! فبدلاً من تشجيعه والاقتداء به نتفق على معاداته! مع أنه ليس عدونا بل هو عدو الحسد والغيرة التي في قلوبنا! وحين يواجهنا العدو الحقيقي في ساحة المعركة يدخل كل منا رأسه في الأرض كالنعام! ونحول المعركة إلى عداء مُصطنعٍ بيننا وبين كل مبدع ومتميز من قومنا!
إن كل مبدع متألق بيننا لا يكتب له الانطلاق، لأننا أسوء حدود وقفت في وجهه أو أبعدته عن الساحة!
ليبقي الصراع اليومي في حياتنا بين إبداعٍ... وإبعاد!
علي سويدان
كاتب كويتي
Swaidan8@hotmail.com