ما أحوجنا في تلك الأيام المباركة إلى أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة لنتفكر في مسيرة حياتنا كأفراد وكمجتمع، فعلى مستوى المجتمع فإن الخير عندنا في ازدياد ولله الحمد، ودولتنا تكفل كل فرد منا منذ ولادته وحتى موته، فالتعليم والعلاج بالمجان، والرواتب تبلغ أضعاف الدول المجاورة لنا، وحتى طلبة التعليم العالي يقبضون مكافآتهم، وقروض للزواج وللاسكان، ولا ندفع أي ضريبة للدولة وغيرها من النعم الظاهرة والباطنة، ولكننا دائماً نشتكي من ضيق العيش ومن الظلم والفقر، وإذا جلسنا في الدواوين نتحدث، يحسبنا السامع بأننا نعيش في بنغلاديش أو الصومال!!وفي مجال العمل والإنتاج، أصبح العاملون الجادون فينا هم العملة النادرة، وكثيراً ما نتحدث عن فلان في ذلك المكان الذي يداوم منذ ساعات الصباح ويتقن عمله ولا يتذمر وكأنما الأصل هو التسيب، وفوق كل ذلك ترى التذمر بين الموظفين بصفة عامة وشتم الحكومة التي لم تنصفنا، ولو نقص دينار واحد من راتب أحدنا لأقام الدنيا ولم يقعدها حتى ولو كان بسبب تسيبه وإهماله في عمله.بل وصل الأمر إلى أبنائنا الطلبة الذين أصبح المدرس «الحقّاني» الذي يقتل نفسه لتفهيم المادة لطلبته ويقيم أداءهم بأمانة هو المدرس المكروه الذي تنصب عليه اللعنات ويصفونه بالمتشدد والمعقد، بل قد أنشأ طلبة الجامعة والتطبيقي مواقع على الانترنت لتقييم المدرسين، وما عليك سوى الدخول عليها لتسمع حجم الاستهزاء والسخرية والشتم في المدرسين الجيدين وغير الجيدين، والمدرس الشاطر هو من يوزع الدرجات بغير حساب!!ولو انتقلنا إلى شوارعنا لوجدنا العجب العجاب، فموجة الغضب تجتاح الجميع إلا من رحم الله، وحجم التوتر في القيادة والرعونة والتعدي على الآخرين قد وصل إلى درجة الخطر، والشباب المستهتر أصبح يتسلى بكسر القوانين والفلتان، فالإشارات الحمراء قد أصبحت مثل بقية البلدان المتخلفة لا قيمة لها في وقف اندفاع السيارات، والأرصفة مكان للوقوف والعبور، والخطوط الصفراء وأماكن منع الوقوف لا معنى لها على الإطلاق، حتى نظام الأولوية في دخول الدوار وإعطاء الإشارة للانعطاف قد أصبح من مخلفات العهد البائد التي لا يطبقها الا الأغبياء.وينتقل ذلك الغضب الهادر إلى كل مكان، فالمستشفيات مكان الشفاء والطمأنينة قد تحولت إلى حلبات مصارعة ضحيتها الأطباء، والرياضة التي تهدف إلى الترويح وأساسها الأخلاق قد أصبحت موئلاً لجمهور غاضب يدمر كل ما حوله، وهكذا في كل ما حولنا!!ألسنا فعلاً بحاجة إلى وقفة جادة لنتفكر في أسباب ذلك التحول المخيف في حياتنا؟! كثير منا يتحول بسهولة إلى صب جام غضبه على الحكومة ومجلس الأمة لما يحدث في بلادنا من تسيب وغضب وكسر للقوانين، مع أننا نحن مصدر ذلك الانفلات في حياتنا الشخصية وفي أخلاقنا الاجتماعية، وقد يكون المجلس والحكومة ضحية لسطوتنا وسوء تصرفاتنا، فنحن في النهاية من ينتخب المجلس وهو من يفرض أجندته على الحكومة!!وصدق الإمام الشافعي حيث يقول:نعيب زماننا والعيب فيناوما لزماننا عيب سواناونهجو الزمان بغير جُرمولو نطق الزمان لنا هجاناوليس الذئب يأكل لحم ذئبويأكل بعضنا بعضاً عيانا

د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com