نحن بحاجة إلى استبيانات حقيقية حول ما يريده الناخب من المرشح، فمشكلة كثير من مرشحينا هي أنهم لا يعرفون ما نريده منهم، لذلك تجدهم يختلقون قضايا هي في تصورهم من أولويات النائب في مجلس الأمة، بينما هي قضايا هامشية، بل إن كثيراً من المرشحين لديهم الشعور بأن الحديث عن قضايا الناس من إسكان وصحة وتعليم قد أصبحت من القضايا القديمة التي لا تشد الناس إليها، ولذلك أصبحوا يركزون على أمور تدغدغ مشاعر الناس وتستهوي عاطفتهم مثل قضية إسقاط القروض والسماح بالدواوين خارج قسيمة المنازل وقضايا مناكفة السلطة وتهديدها بالويل والثبور إن هي لم تستجب لمطالبهم، وقضايا التهديد بالاستجوابات وتحدي الرؤوس الكبيرة.
المشكلة الأكبر هي أن الناخبين ولكثرة تكرار تلك الأمور على مسامعهم قد ولدت لديهم قناعات بأنها المطلب الأهم وان حياتهم تتوقف على تلك المطالب الانتخابية وأصبح الذي يتكلم بعقلانية ومن باب المصلحة العامة هو العدو الأول للشعب وهو المثبط وهو الحكومي، وهذه من الغرائب التي تثير الدهشة كما قال (ديفيد هيوم) عام 1741: «ليس ثمة شيء مثيرا للدهشة في نظر من يتابع مجريات الحياة الإنسانية أكثر من السهولة التي يتم لحفنة من بني الإنسان أن يحكم الأكثرية، والخضوع الضمني الذي يسلم معه الأفراد أحاسيسهم وعواطفهم لتلك الحفنة دون تفكير».
أعتقد بأن ما فعلته الحكومة باستدعاء بعض مرشحي المجلس والتحقيق معهم على خلفية تصريحاتهم الثورية والنارية دون أن تتمادى في حبسهم أو إهانتهم، أعتقد بأنه كان دواءً ناجعاً ساهم في تخفيف لغة التصعيد والتأجيج التي مارسها البعض دون عقلانية، ولو أن تلك اللغة قد استمرت طوال فترة الترشيح فإننا لا نضمن أن يخرج علينا من يطالب بالانقلاب العسكري على السلطة أو يدعو إلى الإطاحة بالنظام.
أنا في الحقيقة أشفق على المواطن العادي الذي تتلخص مطالبه في أمور بسيطة ثم يتم تحويله إلى وحش ضار لكثرة النفخ في روح السخط والتذمر وجلد الذات لديه إلى درجة أن يتصور بأنه يقبع في سجن كبير وحوله جميع آلات التعذيب، وأن الدولة قد حرمته من أبسط حقوقه، ولو ضربت مثلا بسيطا بتكلفة إسقاط القروض التي نادى بها الدكتور بورمية وبعض النواب السابقين والتي وصلت إلى أكثر من ستة مليارات دينار لن يستفيد منها إلا قلة من المواطنين، فهل يعلم المواطن بأن هذه المبالغ تكفي لبناء 126 ألف بيت حكومي تكفي المواطنين لسنوات عديدة، أو بناء 630 مستشفى جديد أو تأسيس 300 شركة حكومية يتسلم المواطنون أسهمها ويستفيدون منها لهم ولأجيالهم القادمة؟
وهل يعلم المواطن بأن الـ 350 ألف طالب وطالبة الذين يدرسون اليوم في المدارس سيدخلون سوق العمل بعد 15 عاماً وسيطلبون الالتحاق بوظائف ويطلبون قروضا إسكانية وغيرها؟ فمن أين ستوفر لهم الحكومة تلك المطالب إذا كان العجز في الميزانية اليوم يزيد على أربعة مليارات دينار؟!


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com