ما يحدث في الكويت هذه الأيام ليس بدعة، بل حتمي الوقوع نتيجة لإخفاق الحكومات المتلاحقة في إدارة الدولة. فما يحدث هو نتيجة لتراكمات سابقة يعود بعضها إلى عقود من الزمن، فدولة القانون التي أنشأها الأجداد عفا عليها الزمن، وأصبح الفساد هو العرف، والقانون شاذ لا يطبق الا في حالات نادرة وخجولة.
والقانون المقصود هنا ليس القانون الجنائي فقط، بل هو منظومة القوانين التي سنتها الدولة، والتي اتفق الجميع على صلاحيتها لتغطية جميع مجالات الحياة فيها، ولذلك لم يستطع الوزراء المتعاقبون، رغم قوة بعضهم ونزاهتهم في الإصلاح، لأن الإصلاح أصبح في حكم المستحيل بعد ان تعوّد المجتمع على نهج دولة اللاقانون.
وعندما أفاقت الحكومة من سباتها العميق اكتشفت ان دولة اللاقانون أصبحت شعبية، فبرزت مشكلة الدواوين، والمديونيات، وتلتها مشكلة المساجد، مما أظهر ذلك الحكومة بمظهر الحكومة غير الشعبية، أو التي تحارب الشعب!
والحقيقة ان الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية استباحة القانون، فما كان يحدث من تجاوزات كان يحدث امامها، وبعض الأحيان بمباركة ضمنية منها! وقد بدأت الحكومة سلسلة اخطائها منذ زمن بعيد، عندما تدخلت بشكل مباشر لدعم بعض المرشحين، من خلال تفعيل دور الواسطة، والدعم المادي المباشر، وضاعفت خطأها عندما قامت بتوزير بعضهم لاحقاً، حين سمحت لهم بإدارة وزاراتهم، وفقاً لمصالحهم الانتخابية ليكفل ذلك عودتهم إلى مجلس الأمة في الأعوام اللاحقة. وعادوا بالفعل وكان ذلك على حساب المصلحة العامة وعلى حساب العمل في الوزارة!
انتبه النواب إلى هذه الثغرة، وفي محاولة للقضاء على ظاهرة الرشوة وظاهرة التدخل الحكومي في الانتخابات وقفوا خلف قانون تغيير الدوائر في محاولة لتحويلها إلى دوائر خمس، ورضخت الحكومة إلى مطالبهم بعد ان حلت المجلس! ولكنها قامت بتقسيم الدوائر الخمس بما يتلاءم والتشكيلة التي تريدها الحكومة، فكانت النتائج كارثية، لأنها فرزت الكويت فرزاً طائفياً وقبلياً صارخا.
وفي هذه الاثناء كان الفساد يتسلل إلى البرلمان عبر دعم بعض المرشحين، إذ أصبح هذا الدعم متنوعاً بعد ان كان في السابق حكراً على الحكومة، حين تدخلت بعض القوى الاقتصادية الفاعلة في الكويت وبعض أفراد الأسرة الحاكمة الطامحون في هدف لتكوين مراكز قوى لهم في مجلس الأمة.
ووصل المرشحون المدعومون بالفعل إلى مجلس الأمة وجلبوا معهم أجندة وأهداف من يقف خلفهم، ولم يعد المجلس بريئاً، كما يعتقد الكثيرون فحساسيته للمؤثرات الخارجية أصبحت مفرطة عندما فرض الآخرون اجندتهم عليه.
وفي المسار نفسه وللهدف نفسه قامت قوى الضغط السابقة، والتي تبحث عن مصالحها بتكوين مؤسسات اعلامية ضخمة داعمة لموقفها، لتشكيل رأي عام مساند لمقولاتها ولنوابها، فظهر الصراع على السطح، وخرج إلى الشارع ليصبح رجل الشارع جزءاً من اللعبة، ليقوم بدوره بالتأثير على من بقي من النواب محافظاً على حياده وموقفه، ومعلوم انه متى ما خرجت اللعبة إلى الشارع فإن جميع القضايا مهما بلغت سخافتها تصبح شعبية بالمقاييس كلها.
لا يجب ان يُفهم مما سبق ان صراع ذوي المصالح كان بعيداً عن الحكومات المتعاقبة، بل ان تشكيل الحكومة عادة ما يأتي غير منسجم، لأنها تتكون من ممثلين لهذه الأطراف المتصارعة بشتى تناقضاتهم، بل وأصبح التمثيل القبلي والطائفي في الحكومة سنة محببة، وقد انعكست التشكيلات الحكومية المشوهة على الأداء الحكومي فكان اداؤها مرتبكاً ومتناقضاً بامتياز!
وبدلاً من ان تقوم الحكومة الحالية بالبحث عن جذور المشكلة ومحاولة اجتثاثها، ذهبت وراء تصريحات انتخابية جوفاء لا تمت إلى صلب المشكلة بصلة ومارست على الخارجين عن أدب الحوار العام ممارسات مبالغ فيها، ومن الممكن ان تكون رصيداً ضخماً للتأزيم في المجلس المقبل، ما ينبئ بمستقبل غير مشرق للمجلس المقبل وللكويت ايضاً، خصوصاً ان جذور المشكلة وأسبابها مازالت قائمة.
فهيد البصيري
كاتب كويتي
Albus.fahad@hotmail.com
والقانون المقصود هنا ليس القانون الجنائي فقط، بل هو منظومة القوانين التي سنتها الدولة، والتي اتفق الجميع على صلاحيتها لتغطية جميع مجالات الحياة فيها، ولذلك لم يستطع الوزراء المتعاقبون، رغم قوة بعضهم ونزاهتهم في الإصلاح، لأن الإصلاح أصبح في حكم المستحيل بعد ان تعوّد المجتمع على نهج دولة اللاقانون.
وعندما أفاقت الحكومة من سباتها العميق اكتشفت ان دولة اللاقانون أصبحت شعبية، فبرزت مشكلة الدواوين، والمديونيات، وتلتها مشكلة المساجد، مما أظهر ذلك الحكومة بمظهر الحكومة غير الشعبية، أو التي تحارب الشعب!
والحقيقة ان الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية استباحة القانون، فما كان يحدث من تجاوزات كان يحدث امامها، وبعض الأحيان بمباركة ضمنية منها! وقد بدأت الحكومة سلسلة اخطائها منذ زمن بعيد، عندما تدخلت بشكل مباشر لدعم بعض المرشحين، من خلال تفعيل دور الواسطة، والدعم المادي المباشر، وضاعفت خطأها عندما قامت بتوزير بعضهم لاحقاً، حين سمحت لهم بإدارة وزاراتهم، وفقاً لمصالحهم الانتخابية ليكفل ذلك عودتهم إلى مجلس الأمة في الأعوام اللاحقة. وعادوا بالفعل وكان ذلك على حساب المصلحة العامة وعلى حساب العمل في الوزارة!
انتبه النواب إلى هذه الثغرة، وفي محاولة للقضاء على ظاهرة الرشوة وظاهرة التدخل الحكومي في الانتخابات وقفوا خلف قانون تغيير الدوائر في محاولة لتحويلها إلى دوائر خمس، ورضخت الحكومة إلى مطالبهم بعد ان حلت المجلس! ولكنها قامت بتقسيم الدوائر الخمس بما يتلاءم والتشكيلة التي تريدها الحكومة، فكانت النتائج كارثية، لأنها فرزت الكويت فرزاً طائفياً وقبلياً صارخا.
وفي هذه الاثناء كان الفساد يتسلل إلى البرلمان عبر دعم بعض المرشحين، إذ أصبح هذا الدعم متنوعاً بعد ان كان في السابق حكراً على الحكومة، حين تدخلت بعض القوى الاقتصادية الفاعلة في الكويت وبعض أفراد الأسرة الحاكمة الطامحون في هدف لتكوين مراكز قوى لهم في مجلس الأمة.
ووصل المرشحون المدعومون بالفعل إلى مجلس الأمة وجلبوا معهم أجندة وأهداف من يقف خلفهم، ولم يعد المجلس بريئاً، كما يعتقد الكثيرون فحساسيته للمؤثرات الخارجية أصبحت مفرطة عندما فرض الآخرون اجندتهم عليه.
وفي المسار نفسه وللهدف نفسه قامت قوى الضغط السابقة، والتي تبحث عن مصالحها بتكوين مؤسسات اعلامية ضخمة داعمة لموقفها، لتشكيل رأي عام مساند لمقولاتها ولنوابها، فظهر الصراع على السطح، وخرج إلى الشارع ليصبح رجل الشارع جزءاً من اللعبة، ليقوم بدوره بالتأثير على من بقي من النواب محافظاً على حياده وموقفه، ومعلوم انه متى ما خرجت اللعبة إلى الشارع فإن جميع القضايا مهما بلغت سخافتها تصبح شعبية بالمقاييس كلها.
لا يجب ان يُفهم مما سبق ان صراع ذوي المصالح كان بعيداً عن الحكومات المتعاقبة، بل ان تشكيل الحكومة عادة ما يأتي غير منسجم، لأنها تتكون من ممثلين لهذه الأطراف المتصارعة بشتى تناقضاتهم، بل وأصبح التمثيل القبلي والطائفي في الحكومة سنة محببة، وقد انعكست التشكيلات الحكومية المشوهة على الأداء الحكومي فكان اداؤها مرتبكاً ومتناقضاً بامتياز!
وبدلاً من ان تقوم الحكومة الحالية بالبحث عن جذور المشكلة ومحاولة اجتثاثها، ذهبت وراء تصريحات انتخابية جوفاء لا تمت إلى صلب المشكلة بصلة ومارست على الخارجين عن أدب الحوار العام ممارسات مبالغ فيها، ومن الممكن ان تكون رصيداً ضخماً للتأزيم في المجلس المقبل، ما ينبئ بمستقبل غير مشرق للمجلس المقبل وللكويت ايضاً، خصوصاً ان جذور المشكلة وأسبابها مازالت قائمة.
فهيد البصيري
كاتب كويتي
Albus.fahad@hotmail.com