مبادرة موفقة تلك التي أتت من قبل المجلس الأعلى للقضاء بشأن مناقشة إعداد قانون متكامل للأحوال الجعفرية في الكويت، تمهيدا لاحالته إلى مجلس الأمة، فهذه القضية المهمة تعد من المطالب والحاجات الملحة لشريحة كبيرة من الكويتيين من أبناء مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فقد نصت الفقرة أ من المادة (346) من القانون رقم 51 لسنة 1984 فى شأن الأحوال الشخصية على أنه «يطبق هذا القانون على من كان يطبق عليهم مذهب الإمام مالك، وفيما عدا ذلك فيطبق عليهم أحكامهم الخاصة». ونظرا لأهمية وجود تشريعات قانونية واضحة ومكتوبة تختص بالفقه الجعفري في الشق المتعلق بالأحوال الشخصية، وما يتبع ذلك من قضايا فقهية في مسائل الزواج والطلاق والحضانة والنسب والوصية والإرث وغيرها من المواضيع المفصلة في قانون الأحوال الشخصية والتي تستند للرأي الفقهي والشرعي في غالب أحوالها، ونظرا لوجود بعض الاختلافات الفقهية المذهبية الخاصة التي أقر بها المشرع في المادة المذكورة أعلاه، فقد برزت الحاجة لوجود مثل هذا القانون، خاصة مع تزايد حالات اللجوء إلى القضاء للفصل بين المتنازعين والخصوم وفي مختلف مسائل الأحوال الشخصية وتزايد تعقيداتها وتفاصيلها، إضافة إلى ظهور بعض المسائل المستحدثة والتي قد لا يكون المشرع قد أفرد لها نصا قانونيا بذاته، الأمر الذى يوجب إحالتها إلى فتاوى ذوي الاختصاص من أهل المذهب من مراجع الدين الثقات للفصل فيها.ويرى الكثيرون أن مبادرة المجلس الأعلى للقضاء تأتي تطبيقا عمليا راقيا لنص المادة (71) من قانون تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1990 والتي تنص على أنه «يعد المجلس الأعلى للقضاء تقريرا في بداية شهر اكتوبر من كل عام أو كلما رأى ضرورة لذلك، يتضمن ما أظهرته الأحكام القضائية وقرارات الحفظ الصادرة من النيابة العامة من نقص في التشريع القائم أو غموض فيه، وما يراه لازما للنهوض بسير العدالة، ويتولى وزير العدل رفع هذا التقرير إلى مجلس الوزراء»، وتأتي تصريحات رئيس محكمة الاستئناف وعضو المجلس الأعلى للقضاء المستشار فيصل المرشد لجريدة «الجريدة» بشأن ضرورة وجود قانون للأحوال الجعفرية في ذات السياق المتلمس للدور المهم والرئيسي للقضاء للنهوض بسير العدالة واكمال أي نقص فيها من تشريعات أو نظم.ومن جانب آخر، فإن كثيرا من القانونيين وأهل الاختصاص يرون أن وجود تشريع قانوني متكامل للأحوال الشخصية الجعفرية يستلزم وجود محكمة جعفرية من ثلاث درجات تقاض تتمثل في محكمة الدرجة الأولى والاستئناف والتمييز، ذلك أن الوضع الحالي في وجود دائرة أحوال جعفرية فقط قد سبب بعض التباين في الأحكام نتيجة لاختلاف الآراء الفقهية، الأمر الذى سيحسمه وجود محكمة جعفرية متخصصة من ثلاث درجات، إضافة إلى ما يستتبع ذلك من توفير للكوادر القضائية المتخصصة في هذا المجال، وتلك قضية أخرى لا نظن تفاصيلها غائبة عن وزير العدل.ونتمنى حقيقة إنجاز هذه المبادرة القضائية وإرسال المشروع إلى مجلس الأمة لمناقشته وسرعة إقراره، ونشد كذلك على يد النائب حسين الحريتى المستشار السابق في محكمة الاستئناف لدعمه لهذا القانون واستعداده لتبنيه في مجلس الأمة، الأمر الذى يبين لنا حرص السلطتين التشريعية والقضائية على إنجاز هذا القانون المهم الذى يمس، وينظم، الحياة والأحوال الشخصية لشريحة كبيرة من الكويتيين، فلهما منا كل تحية وتقدير.
عادل حسن دشتي
كاتب كويتي Dashti2006@hotmail.com