|   اعداد: مدحت علام   |
أمل عبيد
عند النظر في تشكيل عقل كل منا بطريقة ما، نجده يسير تبعا للبيئة والتراث والدين والتربية وعناصر الثقافة والعلم، ولعلي لا أبالغ اذا قلت إن هذا التشكل يأخذ مع الزمن بنية متحجرة عصية على الاختراق، قابلة في بعض الحالات للتطور لكنها غير قابلة إطلاقا للتغيير، لست بصدد انتقاد هذه الآلية بقدر ما أحاول وصفها، من خلال استقراء أوّلي لآلية التفكير التي يتمتع بها عقل كثير منا، الذي آن له أن ينتقل ومنذ زمن من الرمز الى الواقعية، لأن الرمز ليس هو الحقيقة أبدا.
كثير منا لا يميز بين هذه المفردات، ويرى أن امتلاكه لسيل فوضوي من المعلومات مهم ومفيد وكاف لتأهيله إلى أي نجاح أو موقع أو فرصة عمل، لكن هذا شيء والواقع الحقيقي شيء آخر.
فالواقع... أن التفكير يحتاج قبل المعلومات الى آلية تنظم عمله ومن ثم تنظم نتاجه، أن يكون تمريناً صحيحاً... موجهاً... على أسس علمية وطرق فعالة.
وكذلك المخ، حتى يعرف كيف يبدع ويفكر تفكيراً صحيحاً... موجهاً، لا بد أن نمرن عضلات المخ بشكل سليم، إذ يتطلب على المخ العمل بطرق غير تقليدية، فالعقل الروتيني الذي تعود على العمل بطرق ثابتة لا يستطيع أن يأتي بالأفكار الجديدة التي هي أساس الإبداع... الإبداع... أن ترى ما لا يراه الآخرون.
لكن ما هي عضلات المخ...؟
هناك عضلات في الجسد، عضلات المشي، الكلام، الإشارة، الابتسامة، وغيرها... والمخ فيه عضلات كثيرة، فهناك عضلات (قدرات) الخيال، التمييز، التتابع الاستنتاج، الحساب... وغيرها.
لأن الفوضى هي الصعوبة الرئيسية التي تواجه عملية التفكير، فنحن نجهد عقولنا عادة بالتفكير في عدة قضايا في وقت واحد. وينبغي علينا ألا نحقر عقلنا، فكثير من الناس اذهبه الاتباع فتجده يبصر ببصر غيره، ويفكر بعقل غيره، لا يشغل عقله ولا يتفكر في ما هو مقدم عليه أو ما يتركه.
بل ان يكون واقعياً في تقدير عقله وطاقته، ليعرف ما يستطيع مما لا يستطيع، وان نبتعد كل البعد عن الظن والتخمين، لانها تفتح فوضي عارمة تشتت تفكيرنا، لذلك يجب ان يكون تفكيرنا مبنيا على يقين صحيح، لذلك فنحن بحاجة الى طرق سهلة، تتيح لنا أن نولي اهتمامنا لقضية واحدة في وقت واحد (صاحب بالين... كذاب)، وعلى هذا النحو نستطيع إنشاء ما يشبه الخريطة، التي تتيح لنا معرفة موقعنا، وعندها نأخذ الإجراء المناسب للتحرك في الوقت المناسب.
يشير علماء المستقبل إلى أن معارف البشرية تتضاعف كل ثلاث إلى خمس سنوات، وإذا صح ذلك فإن أهمية محتوى المناهج الدراسية لابد أن تتناقص من سنة إلى أخرى، باستثناء ما يسمى بالإنكليزية (الراءات الثلاثة)، وهي القراءة والكتابة والحساب، ومن ثم فإن النتيجة الحتمية لذلك هي زيادة الاهتمام، بما يطلق عليه أحد أبرز الداعين الى تعليم التفكير الباحث دي بونو (أدوات التفكير)، أو ما يطلق عليه غيره من الباحثين (مهارات التفكير)، فباتقانها والسيطرة عليها تبقى بمثابة الزاد الذي ينفع رغم تغير الزمان والمكان.