يقولون في المثل المعروف «لو خليت خربت»، وهكذا يدفع الله أهل الفساد بأهل الصلاح دائماً، ولولا الشرفاء في البلاد والعصور كلها لتحولت البشرية إلى غابة يأكل الكبير فيها الصغير، وهي هكذا دائماً إذا ظهر الشر واندرس الخير.
أورد ابن حجر جزءاً من سيرة كاتب أرلان الوزير، فقال عنه: «إبراهيم بن عبدالله القبطي الوزير المعروف بكاتب أرلان، أسلم قديماً وخدم الأمراء، فاشتهر بالكتابة والضبط، إلى أن اتصل ببرقوق في إمرته، فخدم في ديوانه، فلما تسلطن (يعني برقوق) قلده الوزارة فباشرها بكفاية تامة، حتى أنه لما وُزِّر (أصبح وزيراً ويعني هنا كاتب أرلان) لم يجد في الحاصل (يعني خزانة الدولة) درهماً ولا قدحاً من الغلال، ولما مات وُجِد من النقد في الحواصل ألف ألف درهم، وثلاثمئة أردب، وستة وثلاثين ألف رأس من الغنم إلى غير ذلك. وقيل: إن جملة ما تركه حاصلاً ما قيمته خمسمئة ألف دينار، فكتب بها أوراقاً في مرضه، فأرسل بها إلى السلطان، ويقال إنه ناولها للسلطان سراً لما عاده في مرضه. وكان (كاتب أرلان) لا يمكِّن أحداً من الركوب معه، ولا يركب إلا بغلامه، ولقد مات سنة 789هجرية، وكان في مدة وزارته لم يغير زيه ولا مركوبه! ولم يكن عنده في بيته غير جوار قلائل، فإذا ركب أغلق بابه وحمل المفتاح معه»، الدرر الكامنة ( 1/34 ).
لاحظوا أن برقوق اختار القوي الأمين، فلم يجامل أحداً من العوائل أو الطوائف أو المذاهب، بل اختار رجلاً بسيطاً في شكله ومظهره، ولكنه يعرف عمق إيمانه، ونظافة يده، وقدرته على تقلد المنصب الوزاري، وقد أحسن صنعاً.
سقت هذه السيرة لوزير نظيف اليد، لم يتلطخ بأموال الشعب، بل حافظ على الأمانة الموكلة إليه، وزير لم يحتج إلى قانون «من أين لك هذا؟»، حتى يكون أميناً ويحافظ على أموال الأمة.
أسوق هذه السيرة، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة لاختيار ممثلينا في مجلس الأمة، ولنحاول أن نقدم مصلحة الوطن على ما سواه، وتذكروا أن الرجال مخابر وليسوا مظاهر.
في الأفق:
قال افلاطون: «نحن مجانين اذا لم نستطع أن نفكر ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر... وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر».


د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com