خلال العشرين عاما الماضية شهد العالم ثورتين كبيرتين غيرتا وجه العالم إلى غير رجعة، الأولى هي انهيار المعسكر الشيوعي الذي جثم على صدر البشرية اكثر من سبعين عاما قتل فيها ودمر ملايين البشر ونشر الإلحاد والكفر باسم التقدم، وقد كانت وفاته طبيعية دون تدخل من احد، وعندما شخّص الاطباء اسباب الوفاة وجدوا أنها بسبب مخالفة الفطرة البشرية.
انتهت الحرب الباردة وتسيد المعسكر الرأسمالي الكون، وبدلا من الاعتبار من موت عدوه فقد اخذته نشوة الانتصار ليمارس الظلم ومخالفة الفطرة البشرية كما فعل النظام الشيوعي، وليعلن نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية، كما ذكر فوكوياما في كتابه، وصدام الحضارات كما اعلن هاننجتن في كتابه، ولم يجدوا من يصادمونه إلا العالم الإسلامي الذي اصبح يمثل امبراطورية الشر بالرغم من ضعفه وتمزقه، وتسلطت عليه الرماح من كل حدب وصوب تنهش جسده المريض غزوا وتمزيقا وتدخلا في شؤونه.
لكن الصدمة العنيفة قد جاءت مرة اخرى من داخل النظام الرأسمالي الذي تلقى طعنة قاتلة في اهم ما يملك، ألا وهو نظامه الاقتصادي الذي انهار ومن دون مقدمات في اقل من عشرين عاما بعد انهيار غريمه. حاول دهاة الغرب واساطنة الحكم تغطية ميتهم بلباس جميل ووضعوا اجهزة التنفس الصناعي عليه ليوهموا العالم بأن ما حدث انما هو وعكة صحية سيستيقظ بعدها ويمارس دوره، لكن المخلصين منهم بينوا بأن تلك الاعراض هي مقدمة لسقوط النظام، يقول «داريل شون» الخبير الاقتصادي الغربي الذي تنبأ في بدايات العام 2007 بأن اسعار العقار في اميركا ستسقط إلى 40 - 70 في المئة وان البورصة ستهبط 70 - 90 في المئة وستؤثر على بقية دول العالم، وهو ما حدث في منتصف العام 2008.
يرى (شون) بأن النظام الرأسمالي اما ان يتوسع بانتظام او انه سيهوي لأنه نظام يقوم على نظام الائتمان (credit) بدلا من النقود الفعلية (الذهب والفضة) ونهاية مثل هذا النظام دائما ما تؤول إلى الافلاس، ويعزو (شون) بداية هذا النظام إلى العام 1694 عن طريق بنك انكلترا المركزي الذي استبدل العملات الورقية بالذهب والفضة ثم انتقل إلى الولايات المتحدة العام 1913 ثم إلى بقية دول العالم. واستدل (شون) بنظرية (مينسكي) بأن الانظمة الرأسمالية عندما تنضج تتحول بقوة إلى عدم الاستقرار.
كما بين (شون) بأن الاقتصاد الرأسمالي كلما توسع ازدادت ديون الدولة وازداد ثراء اصحاب البنوك واعطياتهم، ويضرب مثلا بالجريمة المدوية لـ (بيرني مادوف) الذي خدع الجميع واستولى على خمسين مليار دولار (اعجبني تعليق مجلة النيوز ويك على موضوع ما دوف حيث قالت اننا وللمرة الأولى نسمع عن يهودي قد خدع بقية اليهود) ويضرب شون مثلا لما فعله اولئك المرابون في بريطانيا عندما وعدوا الملك وليام بإعطائه جميع الضمانات البنكية التي ارادها لخوض الحرب، ثم فعلوها في اميركا وبذلك تحول حق اصدار النقود من الحكومة إلى اولئك المرابين (اصحاب البنوك).
ثم يضرب (شون) امثلة بأزمة الولايات المتحدة المالية وكيف ارتفعت ديون الدولة إلى ارقام غير مسبوقة ستصل إلى 12 تريليون دولار بعد 26 عاما وهو ما يعني السقوط المدوي لأكبر نظام رأسمالي عالمي.
لا اريد ان اطيل على القارئ الكريم بالتفاصيل ولكن اتمنى ان نقرأ تصريح الفاتيكان قبل يومين والذي نقلته قناة الجزيرة يدعو الغرب لتبني نظم التمويل الاسلامي للخروج من الأزمة الاقتصادية.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com