يوجع قلبي ما يحدث في بلدي من توتر وترقب وتأزيم وقلق، هل نعيش أزمة تواصل مع الآخرين، أم نعيش أمية نفسية وثقافية، أم لا نريد الاعتراف بأخطائنا ولا نريد أن نتعلم منها، أم ما هي الحكاية؟
تأملت كثيراً بحالنا وبحثت في أصل المسألة فوجدت أن من أهم الأسباب بل أولها أننا نجهل قيمة ذواتنا، نعم... مهما كان الواقع مؤلما، أو سلبيا، أو سيئا عند البعض، ومهما تعطلت التنمية والمشاريع، ومهما كانت هناك من الاشكاليات، يبقى سر هذه الفوضى وفي الدرجة الأولى عدم اكتشاف وتقدير ذواتنا. القضية ليست فقط في وجود الفساد في البلد، وإن كانت هذه قضية، لكن القضية الأهم تلك الذوات التي تدير هذه الأزمات، الأزمة تتطلب وقفة مع الذات، نعيد فيها الاكتشاف والذي يشكل أهم مرحلة في إصلاح الوضع. قال جل وعلا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولا يتأتى التغيير ما لم تتم عملية الاكتشاف هذه، إن هذا الاكتشاف هو الذي يحدد مسيرة الحياة المستقبلية وهنا تكمن خطورته، عندما أراقب ما يحدث بين الحكومة والمجلس والشعب أحزن بسبب طريقة التعامل مع هذه الاشكاليات، حظوظ الأنفس الخادعة تجلت بوضوح، وفرط الانفعالات تصدر في الحركة الحياتية والحديث بين الناس، وانتشار المعلومة الخاطئة والكاذبة شوش الأذهان فلم تعد قادرة على الإنصاف ورؤية الحق، بل وزاد البعض في أنه لا يريد معرفة الحقيقة لأنه وجد لذته النفسية في هذه الكذبة أو تلك، واختلط الصدق بالكذب. كل هذا وأكثر سمة الجو الذي نعيش، إنه جو أشد خطورة من الغبار الأحمر الذي غطى سماء الكويت منذ فترة، إنه جو يفتقد للهواء النقي.
وكوني مرشدة ومدربة محترفة في المجال النفسي فإن ألمي أكبر وهمي أثقل، لذلك أقول لابد لنا من وقفة جادة مع ذواتنا نكتشفها ونتعرف على قدراتنا وإمكاناتنا ومواهبنا، وفي هذه الحال سوف يرتفع معدل تقديرنا لذواتنا، ويترتب على هذا التقدير الارتقاء في أخلاقنا وسلوكنا وطريقة تعاملنا مع كل ما يحيط بنا، هذا التقدير العالي يجعل العقل أكثر هدوءً، والنفس أكثر سلاماً وصفاءً مما يترتب عليه رؤية الحقائق، ومن ثم يأتي بعد ذلك وضوح الأهداف ووضع الخطط للإصلاح، وارتفاع معدل استيعاب الطرف الآخر وفهمه، وتعلو الهمم وتزيد المناعة النفسية مما يؤدي إلى زيادة الإصرار والاستمرار في خطة الإصلاح مهما واجهتنا من عقبات، وأعلم أن ذلك ليس بالأمر الهين ولكنه ليس مستحيلاً، كما أنه يحتاج من الوقت الكثير، فأصعب بناء بناء الذات البشرية المتوافقة مع محيطها الخارجي.
اكتشاف وتقدير هذه الذوات نقطة البداية في أي نجاح في الحياة، الزمن يتسارع ولا وقت لدينا لنضيعه، فلننطلق جميعاً في رحلة الاكتشاف والتقدير. ولكم مني كل الحب والتقدير.


عائشة اللوغاني
الاستشارية والمدربة النفسية
isulook@hotmail.com