يمكن من خلال متابعة الإحداث السياسية طوال العقود الثلاثة أن نحصر رغبة التقارب الأميركي الإيراني بسببين رئيسيين، هما سياسي والآخر اقتصادي، أجبرا البلدين على البدء في إرسال إشارات جس النبض لعودة العلاقات بينهما.
في ما يتعلق بإيران، إذ إن هذا البلد بات قوة إقليمية كبيرة في ظل ضعف عربي واضح. ولهذا فإن على إيران أن تستثمر هذا التفوق وتسويق نفسها أمام واشنطن كشرطي الخليج والشرق الأوسط قبل أن تفقد هذه القوة نتيجة الدخول التركي القوي الأخير، خصوصاً أن انقرة تقوم بالوساطة بين تل أبيب ودمشق وبين «حماس» وإسرائيل. ولهذا فإن طهران تريد إقامة علاقات مع واشنطن، ولكن من دون إبراز وإظهار هذه الرغبة بشكل واضح، بل باستخدام لغة متشددة تجاه واشنطن، حتى لا تفسر إدارة أوباما الرغبة القوية لإيران على أنها ضعف أو حاجة إيرانية ملحة. وعليه فإن النجاح السياسي الإيراني الإقليمي يحفز الإيرانيين على استغلال الفرصة وإقامة علاقات وتقارب مع واشنطن قبل أن تسوء الأمور وتنتهي الصلاحية الإيرانية الإقليمية.
كما يرى الإيرانيون أن اقتصادَ بلادهم لم يتأثر بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، ويعتقدون بأن الفضلَ في ذلك يعود إلى العقوبات الدولية، وذلك رغم التراجع الحاد لأسعار النفط وارتفاع مستويات التضخم، بالإضافة إلى العجز الكبير المتوقع في ميزانية العام المقبل.
ولكن الإيرانيين يعرفون في قرارة أنفسهم بأنهم غير بعيدين عن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على بلادهم في ظل مقاطعة اقتصادية أميركية وأوروبية، ولابد من إيجاد فرص وشراكة اقتصادية مع الولايات المتحدة تفيد الطرفين. ولهذا ومع انتهاء عهد الإدارة الأميركية السابقة، فإن طهران لن تفوت فرصة ذهبية بالتقارب مع الولايات المتحدة لهدف اقتصادي قد يفيد الاقتصاد الإيراني بشكل كبير، بل وقد يفتح الباب أيضاً أمام شراكات اقتصادية أخرى مع أوروبا متى ما تحسنت العلاقات مع واشنطن وتم طوي صفحة الماضي.
أما في ما يتعلق بالجانب الأميركي فيمكن القبول بنظرية أن استمرار إدارة أوباما على نهج بوش نفسه يعني مزيداً من الفشل، ومزيداً من الحروب الفوضوية، ومزيداً من الكره للولايات المتحدة. ولهذا فإن المراقبين لاحظوا مدى حرص إدارة الرئيس أوباما على التبرؤ من نتائج وبقايا وتأثيرات وسياسات الإدارة الأميركية السابقة، وما علق بها إساءات أضرت بسمعة واشنطن عالمياً. ولهذا فإن مشروع أوباما الذي يقوم على البعد عن سياسات ونتائج إدارة بوش، سوف يلقى ترحيباً من قبل المعارضين لسياسة بوش كإيران وروسيا، وسوف يتحدون جميعاً، ولو بشكل غير مباشر، على نسيان حقبة بوش والبدء بصفحة جديدة ومصالح مشتركة.
ويؤكد معظم المراقبين أنه لا الاهتمام بتصدير القيم الأميركية للعالم أصبح مهماً لأوباما، ولا التسابق النووي وبناء الدروع الصاروخية لمواجهة الروس سيكون أول مهام الإدارة الجديدة، ولا الحرب على الإرهاب، بل وحتى الاهتمام بأمن إسرائيل بشكل مطلق، كما كان في السابق سيقلق مضاجع الرئيس أوباما، لأن الاهتمام الأول له سيكون منصباً على حماية وانتعاش الاقتصاد الأميركي.
ولهذا فإن فتح صفحات جديدة مع أعداء الأمس كالصين وروسيا وطهران، سيعني فتح أسواق هذه البلدان للبضائع والمشاريع الأميركية. وإذا ما تحسنت العلاقة مع إيران فإن الحصار المفروض على إيران سينتهي، وستفتح طهران أسواقها للبضائع والسلع الأميركية. وستبدأ الشركات الأميركية بعقد الاتفاقيات والعمل في إيران وما تحتويه من ثروات طبيعية. وبالتالي، سوف يساعد ذلك على انتعاش الاقتصاد الأميركي، أو على الأقل تعطيل موجات الانهيار موقتاً للاقتصاد الأميركي.
خلاصة القول إن طهران هي في أشد الحاجة إلى فتح صفحة جديدة مع واشنطن غير صحيح. وأيضاً التأكيد بأن واشنطن هي من تسعى الى هذا التقارب بشكل كبير مخالف للواقع. والصحيح والمؤكد أن كلا الطرفين يرغبان وبشكل متساوٍ بفتح صفحة جديدة وتقارب كبير بينها، نظراً للمصلحة متبادلة بينهما، ولكل طرف أسبابه المقنعة في نسيان الماضي وبدء علاقة جديدة تخفي في طياتها مقولة «مكره أخاك لا بطل».


طارق آل شيخان
رئيس مجلس العلاقات الخليجية الدولية (كوغر)
admin@cogir.org