| محمد علاء * |
تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة الإشارات الإيجابية على الرغبة في التقارب من جانب الولايات المتحدة تجاه سورية، والتي استقبلتها الأخيرة بمزيج من التجاوب والتعبير عن الرضا والأمل في مزيدٍ من التقارب مع الإدارة الأميركية الجديدة. وبعد أعوام كانت فيها دمشق عاصمة دولة معزولة بالعقوبات الأميركية والدولية، صارت العاصمة السورية فجأة قبلة لزيارات رفيعة المستوى ليس فقط من قيادات أميركية، بل من قيادات أوروبية وعربية كذلك. وهو ما يُشير إلى احتمال تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الأميركية - السورية تقوم على أساس التفاهم والتنسيق، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية ذات الأولوية وعلى رأسها الانسحاب من العراق ودفع المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، والإسرائيلية - السورية، والملف النووي الإيراني، وحماية استقلال لبنان.
والواقع أن إدارة الرئيس السابق بوش قد أدركت أهمية الدور السوري في هذه القضايا، وهو ما انعكس في عدد من الزيارات رفيعة المستوى لسورية مثل تلك التي قامت بها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، والرئيس السابق جيمي كارتر، إضافة إلى دعوة سورية لحضور مؤتمر «أنابوليس» الذي استضافته الولايات المتحدة في 27 نوفمبر 2007 لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط. ولكن الواضح أن الأمر يختلف هذه المرة بالنظر إلى وعود الرئيس أوباما الانتخابية بالتفاوض مع جميع الأطراف ذات الصلة في الشرق الأوسط، بما فيها سورية وإيران، إضافة إلى فشل سياسات بوش القائمة على منطق الضغط لتحقيق تغيير إيجابي.
استعداد للتعاون
هناك جملة من المؤشرات التي تشير للتقارب الأميركي - السوري، منها قيام وفدين من الكونغرس أحدهما برئاسة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جون كيري والمرشح «الديموقراطي» لانتخابات الرئاسة عام 2004، والمعروف عنه أيضاً أنه من المقربين للرئيس أوباما، والآخر برئاسة هوارد بيرمان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، الذي زار دمشق في21 من فبراير الماضي، التقى الوفدان خلال زياراتهما بالرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع، وأعربا عقب زيارتهما عن تفاؤلهما بمستقبل العلاقات مع دمشق، ووجها الدعوة لسورية كي تستغل الفرصة السانحة للتقارب مع الولايات المتحدة.
كما دعت الولايات المتحدة السفير السوري لديها عماد مصطفى للقاء مع مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان. هذا وقد زار الأخير العاصمة السورية. وفيما يتعلق بالعقوبات قدمت الإدارة الأميركية إشارة إيجابية من خلال قيام وزارة التجارة الأميركية بالسماح لشركة «بوينج» بإبرام عقد مع الحكومة السورية لإصلاح طائرتين من طراز 747 تابعة لأسطول الخطوط العربية السورية.
وتتمحور المطالب الأميركية حول ضرورة أن تقوم سورية بدور إيجابي لإحداث تقارب بين حركتي «فتح» و«حماس»، وتشكيل حكومة وطنية فلسطينية للتفاوض مع إسرائيل، والتوقف عن مساندة حركتي «حماس» و«حزب الله»، وإنهاء تحالفها مع إيران والتدخل في الشؤون اللبنانية، والتعاون لتحقيق الاستقرار في العراق. ومن جانبها رحبت سورية بالتقارب مع الولايات المتحدة، وأعرب الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط بصحيفة «الجارديان» البريطانية عن اقتناعه بأن إدارة أوباما ستكون مختلفة عن سابقتها، وأعلن عن رغبته في مقابلة الرئيس الأميركي.
كما أعلن الأسد ترحيبه بأن يقوم رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال دافيد باتريوس بزيارة سورية، وهي إشارة إلى استعداد سورية للتعاون العسكري مع الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالعراق. وأعلن الأسد كذلك توقعه أن يعيد أوباما إرسال السفير الأميركي لدمشق.
وعلى الجانب الآخر كان استعداد الإدارة الأميركية للتقارب واضحاً منذ الحملة الانتخابية للرئيس أوباما. وقد أعلن أوباما قبل خمسة أيام من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة لشبكة الـ «CBS» أنه ينوي العمل من اليوم الأول للتحاور مع سورية وإيران. كما أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في جلسة الاستماع بالكونغرس لاعتمادها في منصبها الجديد أن الإدارة ستتجه سريعاً للحوار مع إيران وسورية. إلا أن هذا لم يمنع الإدارة الأميركية من اتخاذ موقف متحفظ تجاه مستقبل العلاقات مع سورية، ربما من قبيل انتظار مواقف عملية من الحكومة السورية. فجورج ميتشل المبعوث الخاص للشرق الأوسط لم يتوقف في سورية خلال جولته الأولى بالمنطقة. كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية أنه من المبكر الحديث عن تنقية الأجواء بين الولايات المتحدة وسورية، وصرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية روبرت وود أنه لن يتم تطبيع العلاقات مع دمشق حتى تستجيب للمطالب الأميركية الرئيسة، بما في ذلك التوقف عن التدخل في الشؤون اللبنانية.
لماذا الآن؟
خرجت أخيراً عديد من الكتابات في الولايات المتحدة التي تدعو لضرورة التقارب مع سورية، واستغلال الفرصة السانحة التي هيأها جو التفاؤل الذي صاحب مجئ إدارة أوباما التي وعدت بديبلوماسية نشطة وفتح حوار مع جميع الأطراف. وفي هذا السياق كتب رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» ريتشارد هاس، ومدير «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» مارتن إنديك بمؤسسة «بروكينغز» مقالة في عدد يناير/ فبراير 2009 من مجلة «الفورن أفير» عن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. وفيما يتعلق بسورية أكد الباحثان أن تقدم جهود التسوية بين سورية وإسرائيل من شأنه إضعاف العلاقة بين سورية وإيران، ومن ثم تقليص الدعم الخارجي لـ «حماس» و«حزب الله»، ودعم استقرار لبنان كنتيجة لذلك. وسيكون من شأن إبعاد سورية عن إيران تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويؤكد هاس وإنديك على أن تقدم جهود السلام بين سورية وإسرائيل ممكن بالنظر لأن سورية قد سعت بالفعل للتفاوض مع إسرائيل، وتمثلت آخر هذه الجهود في قناة التفاوض غير المباشر من خلال الوساطة التركية منذ العام الماضي، والتي توقفت مؤقتاً بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة. ويرى الباحثان أنَّ هذا السعي السوري كان مدفوعاً بالرغبة في التقارب مع واشنطن وتفادي أن يصل النظام السوري لمرحلة لا يجد فيها سوى إيران كحليف أساسي في إطار المحور السني الشيعي الذي صار يقسم المنطقة. وعلى الجانب الآخر يشير هاس وإنديك لاستعداد إسرائيل للتنازل عن هضبة الجولان في إطار ترتيبات أمنية مقابل السلام مع سورية.
ويشير هاس في مقالة في مجلة «النيوزويك» الدولية في عدد 9 من مارس 2009 أن سياسة عزل سورية التي تبنتها إدارة بوش قد أضعفت النفوذ الأميركي من دون أن تضعف الحكومة السورية. كما يرى سيمون تيسدال في مقالة بـ «الغارديان» نشرت يوم 24 من فبراير الماضي أن إدارة أوباما يمكن أن تستخدم التقارب مع سورية للضغط على حكومة نتنياهو لكي تتخذ مواقف أكثر اعتدالاً يسمح بمواصلة عملية السلام. ويرى تيسدال أن إدارة أوباما يمكن في مقابل التجاوب السوري أن تقوم بتخفيف العقوبات، وتقديم ضمانات أمنية وصولاً إلى تطبيع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية.
وفيما يتعلق بالحال الزمني للتقارب بين الولايات المتحدة وسورية، يرى ماثيو برودسكي في مقالة في «الواشنطن تايمز» أن سورية في حاجة للخروج من دائرة الحصار الدولي المفروض عليها منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، إضافة إلى تضييق الخناق عليها من قبل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التي تتشكك في طموحاتها النووية.
عقبات وحلول
رغم وضوح الرغبة في التفاهم لدى إدارة أوباما والحكومة السورية، إلا أن هناك عديداً من العقبات التي يمكن أن تعترض طريق التفاهم. أحد أهم هذه العقبات هي العلاقة بين سورية وإيران، والتي يصعب أن تتخلى عنها سورية دون ضمانات أميركية، إضافة إلى الميراث الطويل من العلاقات العدائية بين البلدين الذي خلف ترسانة من القيود النفسية، والإدارية، والقانونية التي يمكن أن تعيق التقارب.
وفي هذا السياق أصدرت «مجموعة الأزمات الدولية» دراسة تناولت فيها الفرص والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة في سبيل التقارب مع سورية. ويمكن إجمال أهم العقبات التي أشارت إليها الدراسة في النقاط التالية:
1 - هناك أزمة ثقة بين الولايات المتحدة وسورية تمتد جذورها إلى ما قبل إدارة بوش.
2 - هناك إرث من الإجراءات التي اتخذت ضد سورية مثل قرار مجلس الأمن 1559 وتشكيل المحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري، وقانون محاسبة سورية الذي وافق عليه الكونغرس عام 2003. وسيكون من الصعب تجاهل هذه التركة، وعلى إدارة أوباما أن تتخذ إجراءات تدريجية للتخفيف من العقوبات على سورية استناداً إلى تجاوبها مع المساعي الأميركية.
3 - هناك اتفاق عام في واشنطن على رفض التدخل السوري في الشأن اللبناني، خاصة مع تزايد تأييد «حركة 14 من آذار» المطالبة باستقلال لبنان في دوائر صنع القرار الأميركي. وسيتطلب الأمر أن تعيد سورية هيكلة علاقتها مع لبنان وبناء جسور الثقة معها.
4 - سوف يكون من الصعب على سورية إعادة هيكلة علاقاتها مع إيران و«حماس» و«حزب الله»، خاصة أن تأزم الوضع الإقليمي وتصاعد الضغوط على سورية في الوقت الراهن يجعل من الصعب عليها الابتعاد عن دائرة التأثير الإيراني.
5 - إن القوى العربية التي توصف بالمعتدلة أو التقليدية، وعلى رأسها مصر والسعودية، ربما تجد في غير صالحها حدوث تقارب بين سورية والولايات المتحدة، خاصة بعد أن اصطدمت هذه الأطراف مع سورية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.
6 - إن التعاون مع سورية من أجل تحقيق الاستقرار في العراق لم يعد يحظى بأولوية في واشنطن بالنظر لسيادة القناعة بأن الوضع في العراق صار مستقراً لحد بعيد.
وأشارت الدراسة إلى مجموعة من النقاط المهمة في التقارب الأميركي السوري، أجملتها الدراسة في:
1 - يجب أن تساند واشنطن إحياء مفاوضات السلام على جميع المسارات.
2 - فيما يتعلق بالمفاوضات السورية الإسرائيلية، يجب أن تؤكد الولايات المتحدة أن أي اتفاقية بين الطرفين ينبغي أن تشتمل على الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان في إطار ترتيبات أمنية وتطبيع العلاقات بين البلدين.
3 - عدم تدخل الولايات المتحدة في سير التحقيقات في اغتيال رفيق الحريري أو تتساهل مع تدخل سورية في الشؤون اللبنانية.
4 - التأكيد على أن الولايات المتحدة لا ترغب في زعزعة استقرار النظام السوري.
5 - التأكيد على أن الولايات المتحدة ستتجاوب مع أي خطوات إيجابية تتخذها سورية.
ويبقى القول: إن بوادر التقارب بين الولايات المتحدة وسورية ما تزال في بداياتها، وسوف تتوقف إلى حد بعيد على سياسات الحكومة الإسرائيلية، ونتائج الانتخابات الرئاسية في إيران الصيف المقبل وإمكانية إحداث تقارب بين الأنظمة العربية خاصة في مصر، والسعودية، وقطر، وسورية.
* عن «تقرير واشنطن»