No Script

تلكؤ «سياسي» في وقفٍ كاملٍ للرحلات مع إيران

خيارات الإنقاذ المالي في لبنان أسيرة «خط أحمر» داخلي - إقليمي

تصغير
تكبير

تسود خشيةٌ في بيروت من ارتسامِ ملامحِ عمليةِ «هروبٍ إلى الأمام» على مساريْ محاولة إخراج الوضع المالي من «المنطقة الحمراء» ومنْع وقوع لبنان «فريسة» فيروس كورونا المستجد الذي سُجِّلَتْ قبل أربعة أيام أول إصابة به لمواطنةٍ آتية من قم الإيرانية.
وفيما كان وفد صندوق النقد الدولي الذي زار بيروت لتقديم مشورة تقنية حول الخيارات الممكنة بملاقاة استحقاقِ سندات يوروبوندز في 9 مارس المقبل وتالياً السيناريوهات المحتملة بإزاء مجمل مشكلة الدين العام اللبناني يمدّد اجتماعاته لاستكمال «مسح» الأرقام، عبّرتْ أوساطٌ سياسية عن ارتيابها من مناخٍ إعلامي جرى ضخّه وبدا أقرب إلى «محاصرة» مروحة المعالجات ورسْم خط أحمر عريض من «حزب الله» أمام أي دخولٍ للبنان في برنامج مع «الصندوق» تحت عنوان رفْض الوصفات الجاهزة التي تفتح الباب أمام الوصاية الدولية.
وإذ تَرافق تظهيرُ هذا المناخ مع محاولةٍ لوضْع موقف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون من طلب الدخول في برنامج مشترك مع صندوق النقد في خانة ملتبسةٍ أقرب إلى «الشُبهة» وعلى طريقة «الهجوم الاستباقي» لإحباط أيّ منحى في هذا الاتجاه، سألت الأوساط عن المصلحة في حصْر خيارات لبنان الإنقاذية بما يعكس رغبةً في تأطير خطة النهوض المفترَضة والتي لم تُنجز بعد انطلاقاً من اعتباراتٍ سياسية رافضة لـ«تدويل» الأزمة المالية وتالياً لحلولها تلافياً لأي «تَسَرُّب» لإمساك «حزب الله» بمفاصل القرار اللبناني وتموْضعه السياسي.


 ولم يكن عابراً في هذا الإطار ما نُقل أمس عن مصادر وزارية لجهة وجود توجّه رسمي لإعادة جدولة الدين بالتفاهم مع الجهات المُقْرِضة، مع تأكيد أنه «لن تُتخذ أي خطوات أو قرارات إلا بعد صدور تقرير وفد صندوق النقد»، في موازاة إبلاغ مصدر قريب من الحكومة إلى «رويترز» أن لبنان سيعيّن جوتليب ستين اند هاملتون لتقديم المشورة القانونية بشأن سنداته الدولية.
وتساءلت الأوساط نفسها إذا كانت إعادة الجدولة، بحال رسا عليها الخيار اللبناني رسمياً ستكون كفيلةً فعلاً بوقف الانزلاق نحو الانهيار الكبير أم أنها ستكون على طريقة «شراء الوقت»، طارحةً علامات استفهامِ حول كيف يمكن لمثل هذا الخيار لوحده سدّ الفجوة المالية الكبيرة (بين 40 و 60 مليار دولار) التي شكّلها «تبخُّر» المبالغ بالعملات الأجنبيّة التي وظّفتها المصارف في القطاع العام، وفي الوقت نفسه ضخّ السيولة الملحّة بالدولار لمنْع «موت» الاقتصاد وإبقاء «ممرٍّ» لاستيراد المواد الاستراتيجية.
 واعتبرت الأوساط أن أي خفْضٍ للدين العام وكلفته بإجراءاتٍ «محلية» إصلاحية وبلا أي دعم خارجي يحتاج لقرارات مؤلمة غير قابلة للحياة في ظل الواقع الاقتصادي المختنق والمعيشي البالغ الصعوبة، ناهيك عن الإشاراتِ التي جعلت المساعدة العربية والدولية مرتبطة ضمناً بوجود برنامج مع صندوق النقد بما يضمن جدية سير بيروت بالإصلاحات الشَرْطية التي لطالما تلكأت عن الالتزام بها، إلى جانب اقتناع كثيرين بأن وجود «الصندوق» في مسار الإنقاذ قد يسهّل مهمة التفاوض مع الدائنين الأجانب في أي خيارات تتصل بإعادة الجدولة أو الهيكلة، ولو من ضمن رزمة تجري «لبْننتها» بحيث تراعي تَشابُك الأزمات في الواقع اللبناني، مالياً ومصرفياً ونقدياً واجتماعياً ومعيشياً.
وفي حين استوقف هذه الأوساط أمس، حضّ المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش «صندوق النقد على توفير المشورة والمساعدة للحكومة عندما تقوم بتحضير سلسلة من الإجراءات والإصلاحات القاسية المطلوبة لبدء نقل لبنان من الأزمة الوجودية إلى التنمية المستدامة، ولكن بطريقة مسؤولة اجتماعياً»، ذكّرت بما أعلنه وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين أول من أمس، من «اننا وجدنا أن هناك برنامجاً يمكن للصندوق أن يعمل عليه لنرى استقراراً سياسياً واقتصادياً في لبنان»، وفي الوقت نفسه إشارة وزير المال الفرنسي برونو لومير، في موازاة تأكيد استعداد بلاده لدعم لبنان، إلى «أننا نريد التحرك في المنتديات الرسمية ونعتقد أن صندوق النقد الدولي قد يكون له دور يضطلع به في مرحلة ما، لكن الأمر متروكٌ للحكومة اللبنانية».
كما توقّفت في السياق نفسه عند ما نقلتْه «وكالة الأنباء المركزية» عن مصدر فرنسي رفيع المستوى أكد أن بلاده «ما زالت تبذل جهداً كبيراً على خط الولايات المتحدة والدول الخليجية لإبعاد الكأس المرّة عن لبنان، وعدم التعاطي معه كأنه في صلب «المحور الإيراني».
وقال: «أكثر ما نخشاه أن يقع لبنان بفخّ الشركات التي تسعى لوضع يدها على احتياطي العملات وموجودات الذهب (...) من خلال حصولها على حكم قضائي دولي بحال تخلّف لبنان عن دفع استحقاقات مارس المقبل من دون تفاهم مع حاملي سندات يوروبوند»، مؤكداً «على المسؤولين التعاطي بكل حكمة والإيفاء بالتزاماتهم المالية ومعالجة الهدر والفساد كي نستطيع مساعدتهم».
وفي موازاة تحذير الأوساط عيْنها من ربْطِ مسار الإنقاذ المالي بالأولويات الاستراتيجية لـ «حزب الله»، تلْفت إلى أن التعاطي الرسمي مع انضمام البلاد إلى نادي «دول كورونا» يعكس أيضاً تقديماً للاعتبارات السياسية الاقليمية على أولوية الأمن الصحي للمواطنين والمقيمين في «بلاد الأرز»، مُلاحِظة في هذا الإطار أن بيروت ما زالت تتلكأ عن تنظيم عملية إجلاء سريعة لكل مواطينها في إيران الذين لم يُعلن حتى عن عددهم حالياً، سواء الذين هم في زيارات دينية وخصوصاً إلى قم ومشهد أو المقيمين في الجمهورية الاسلامية، تاركةً رحلات العودة لبرْمجة سابقة، ورافضة إعلاناً صريحاً بوقف كل الرحلات مع إيران، بما يُخشى معه ارتفاع مخاطر زيادة الإصابات بالكورونا رغم محاولات تعزيز الإجراءات على المعابر البرية (بمعزل عن المعابر غير الشرعية) أو في مطار رفيق الحريري الدولي.
وفي هذا الإطار، لم تبدُ مشجِّعةً كثيراً تجربة تشديد الرقابة في المطار الذي استقبل أمس طائرتين آتيتين من إيران (واحدة صباحاً والثانية عصراً) وثالثة من ايطاليا. إذ كان السيناريو المفترض للرحلتين الاولييْن (على متنهما أكثر من 400 راكب) أن تحطّا على مدرج بعيد على أن يدخل رجلان أمنيان مجهّزان ليأخذا جوازات السفر ويفحص فريق طبي الركاب (لم تظهر على أي من ركاب الطائرة الصباحية عوارض)، ويتم نقْل مَن تَظْهر عليه علامات الإصابة مباشرة الى المستشفى ليعبر الآخرون في ممرّات خاصة داخل المطار مفصولين عن الركاب الآخرين.
وبينما نجح «نصف السيناريو»، فإن الباصات الخاصة التي كان يفترض أن تنقل الركاب (الذين لا عوارض عليهم)، الذين غادروا من الباب الرئيسي للمطار (قاعة الخروج) واضعين كمامات، إلى منتجعاتٍ أو مراكز كشفية في المناطق ريثما تنتهي مهلة حضانة الفيروس (14 يوماً)، فإن هذه الباصات لم تحضر لاعتبارات وُصفت  بـ«الأمنية واللوجستية»، فتوجه كل من الركاب على طريقته إلى منزله لعزْل ذاتي دعت خلية الأزمة الوزارية إلى تكليف السلطات المحلية (البلديات) بالإشراف على تطبيق إجراءاته عليهم وكذلك جميع المقيمين معهم بسكن واحد.
كذلك قرّرتْ الخلية «منْع اللبنانيين وسائر المقيمين من السفر إلى المناطق التي سجلت إصابات، وتكليف اللجنة بتزويد الأمن العام بلائحة عن هذه المناطق لتطبيق المنع في كل الموانئ والمرافئ ومطار رفيق الحريري الدولي، ووقف الحملات والرحلات الى المناطق المعزولة في الصين، كوريا الجنوبية، إيران وميلانو في إيطاليا ودول أخرى، على أن يستثنى من ذلك حالات السفر الضرورية (طبابة، تعليم، عمل)».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي