No Script

نسمات

جراحات اللسان!

تصغير
تكبير

من دُرر الكلام الذي قاله شيخ الإسلام «ابن قيم الجوزية» - رحمه الله - في كتابه القيم «الداء والدواء»:
«ومن العجب: أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول» وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه - إلى الرسول صلى الله عليه وسلم - «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، ثم قال: وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكونه، فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط، وهم أهل الصراط المستقيم - كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها في ما يعود عليهم نفعه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلّم بكلمة تذهب عليه ضائعة لا منفعة، فضلاً أن تضره في آخرته» انتهى.
من يتأمل في حياتنا الاجتماعية اليوم يجد بأن معظم مشاكلنا تنبع من زلات ألسنتنا، وتجد الكثيرين منا لا همّ له إلا الغمز واللمز والطعن في الآخرين، والتشكيك في جميع ما يفعله الآخرون، فلان منافق، وفلان حرامي وفلان كذّاب، ولا يكاد يسلم من لسانه أحد، لا مسؤول حكومي ولا شيخ دين ولا داعية إسلامي!


سمو الأمير يحذّر
تابعنا خطاب سمو أمير البلاد في افتتاح دور الانعقاد لمجلس الأمة، والذي دعا فيه إلى نبذ الفتنة، مشيراً إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، ومنها المظاهرات في كل من العراق ولبنان وقال: «علينا أن نأخذ العبرة مما يجرى حولنا، ولا خيار أمامنا إلا ترسيخ وحدتنا الوطنية وتلاحم مجتمعنا ونبذ أسباب الفتن والفرقة وإثارة النعرات العصبية البغيضة».
ثم عرج سموه بعدها إلى أكبر تحد داخلي نواجهه، وهو «انحراف وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت معاول تهدم وتمزق الوحدة الوطنية، وتسيء إلى سمعة الناس وكراماتهم وأعراضهم»، ودعا إلى تحرك جاد وعاجل «للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، وحماية مجتمعنا من آفاتها الفتاكة».
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي - التي حذّر منها سمو الأمير - تكاد تنحصر في آفات اللسان، لكنها منتشرة على نطاق واسع ما يجعلها أشد فتكاً في المجتمع!
يحاول البعض التقليل من خطورة تلك الوسائل، بحجة أنها عبارة عن كلام في كلام، من دون أن يعلم أن ذلك الكلام يتدخل في الطعن في أعراض الناس، والافتراء على الأبرياء ونشر الإشاعات التي تدمر المجتمع وتمزق وحدته، وقد تابعنا الحسابات الوهمية التي نشرها بعض مرضى القلوب وشوهوا عن طريقها كثيراً من الأمور في مجتمعنا، وزجوا بأسماء أشخاص مستورين، ومزقوها بألسنتهم ونسبوا لها ما ليس فيها!
يقول الشاعر:
جراحات السنان لها التئام
ولا يلتئم ما جرح اللسان!
والحروب الكبرى قد نشبت بين الأمم بسبب كلمات، تلفّظ بها بعض القادة أو مواقف غير مسؤولة من بعض المسؤولين!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي