No Script

«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»

الإسراء والمعراج... معجزة عظيمة دلّت على أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه

u0643u0627u0646 u0627u0644u0645u0633u062cu062f u0627u0644u062du0631u0627u0645 u0645u062du0637u0629 u0627u0646u0637u0644u0627u0642 u0631u062du0644u0629 u0627u0644u0625u0633u0631u0627u0621 u0648u0643u0627u0646 u0627u0644u0645u0633u062cu062f u0627u0644u0623u0642u0635u0649 u0645u062du0637u0629 u0627u0646u0637u0644u0627u0642 u0631u062du0644u0629 u0627u0644u0645u0639u0631u0627u062c u0625u0644u0649 u0633u062fu0631u0629 u0627u0644u0645u0646u062au0647u0649
كان المسجد الحرام محطة انطلاق رحلة الإسراء وكان المسجد الأقصى محطة انطلاق رحلة المعراج إلى سدرة المنتهى
تصغير
تكبير
• كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة ذا دلالات إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره

•إنعام الله على عبده ورسوله محمد بهذه المعجزة العظيمة كان تطييباً لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه

•فرض الصلاة بهيئتها ‏وعددها وأوقاتها المعروفة في رحلة المعراج دليل على أنها صلة بين العبد وربه

• النقلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والوصول إليه ليست أغرب من الاتصال بالملأ الأعلى وتلقِّي القرآن الكريم والرسالة عنه
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام ذكرى الرحلة المباركة التي قطعها سيد الخلق اجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. اسراءً من البيت الحرام الى المسجد الاقصى، ومعراجا من «الاقصى» حتى سدرة المنتهى.

انها ذكرى «الاسراء والمعراج» هذه الحادثة التي جاءت تسلية وتثبيتا للرسول صلى الله عليه وسلم لما لحقه من حزن في هذا العام لوفاة اهم نصيرين له في دعوته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه ابو طالب الذي كان يمنعه من قريش وطغيانها، كما كانت ايضا بمثابة الدعم الالهي للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يستكمل مسيرته في الدعوة الى الله سبحانه وتعالى.

تعتبر معجزة الإسراء والمعراج من أجل المعجزات وأعظم الآيات التي تفضل بها المولى سبحانه على نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب المعجزات الخالدات، ‏كرمه ربه برحلة لم يسبق لبشرٍ أن قام بها «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء: 1). وصعد به إلى السماوات العُلا إلى سدرة المنتهى «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» (النجم: 13-18).

حكم وفضائل

‏أولاً: توالت على رسول الله قبيل حادثة الإسراء والمعراج الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريكة حياته وحامية ظهره السيدة خديجة التي كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات في سبيل تبليغ دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ولذا سمي هذا العام «عام الحزن». ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد بهذه المعجزة العظيمة؛ تطييبًا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه...ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد.

‏ثانيًا: ولما كان الإسراء وكذلك المعراج خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس، فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في شهر ويعودون في شهر، لكنه - أي: رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب وعاد وعرج به إلى السماوات العلا، وكل هذا وذاك في جزء من الليل...فكان هذا شيئًا مذهلاً، أي أنه كان امتحانًا واختبارًا للناس جميعًا، وخاصة الذين آمنوا بالرسالة الجديدة، فصدَّق أقوياء الإيمان وكذَّب ضعاف الإيمان. وهكذا تكون صفوف المسلمين نظيفة، ويكون المسلمون الذين يُعِدُّهم الله للهجرة أشخاصًا أتقياء أقوياء، لهم عزائم متينة وإرادة صلبة؛ لأن الهجرة تحتاج لأناس ‏تتوافر لديهم هذه الصفات.

‏ثالثًا: لقد كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة، ذا دلالات، إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره؛ وذلك لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذي ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، وشعوبهم، ولغاتهم.

رابعًا: يعتبر فرض الصلاة بهيئتها ‏المعروفة وعددها وأوقاتها اليوميَّة المعروفة على المسلمين في رحلة المعراج دليلاً على أن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي معراجه الذي يعرج عليه إلى الله بروحه، وأنها الوقت الذي يناجي العبد فيه ربه، ويبث إليه ما يرنو إليه. فالصلاة إذن عماد الدين؛ من تركها وأهملها فكأنه هدم دينه وأضاعه.



دروس وعبر

والإسراء والمعراج من المعجزات العظيمة التي جرت في الإسلام، ولنا نحن المسلمين دروس وعبر نستنبطها من تلك المعجزة العظيمة أهمها:

‏الدرس الأول:

الاطلاع على قدرة الله تعالى:

‏إن القدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير، لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء، وإعادته إلى الأرض، في رحلة ربانية معجزة لا يدري كيفيتها بشر؛ فالإسراء: آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى، وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر؛ ولهذا ‏فقد أثار كفار قريش حوله جدلاً طويلاً، وتساؤلات كثيرة. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه، وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك، قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك.

الدرس الثاني:

الاطلاع على بدائع صنع الله:

‏عندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.

‏الدرس الثالث:

الإسراء والمعراج معجزة عظيمة من معجزات النبي:

‏لقد أكرم الله نبيه محمدًا برحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، فقد شاهد من آيات ربه ما لا يمكن لبشر أن يراه إلا عن طريق العون الإلهي، ووصل إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر، فقد منحه الله في هذه الرحلة عطاءً روحيًّا عظيمًا؛ تثبيتًا لفؤاده، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية.

الدرس الرابع:

التأييد الإلهي:

‏في صباح تلك الليلة المباركة أخبر الرسول أم هانئ بما حدث له في هذه الليلة، فتوجهت إليه بالرجاء ألا ‏يحدِّث بذلك أحدًا؛ حرصًا عليه أن تناله ألسنة أهل مكة بسوء، وهي تعلم عنادهم، وأنهم لن يتركوا فرصة للتشهير به إلا انتهزوها. ولكن رسول الله أَبَى إلا أن يصدع بالحق؛ لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ، وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها.

ولما أخبر الرسول قومه بخبر الإسراء، كذَّبوه وشككوا في قوله، وتحدوه أن يثبت صدقه إن كان صادقًا، وراحوا يسألونه: صِفْ لنا بيت المقدس. قال: «دخلت فيه ليلاً وخرجت منه ليلاً». وحينئذٍ أتاه جبريل بصورته، فجعل ينظر إليه ويخبرهم؛ فعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِس، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ».

‏الدرس الخامس:

فضل وأهمية الصلاة:

‏لقد فرضت الصلاة من بين أركان الإسلام في السماء السابعة، فأصبحت الركن الثاني من أركان الإسلام، وفي هذا دليل على أهمية هذه الرحلة العظيمة وأهمية الصلاة، وعظمها في الإسلام؛ ولذلك شدّد الإسلام عليها كل التشديد، وأمر بالقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض، وأصبحت قُرَّة عين النبي ؛ فعن أنس قال: قال رسول الله: «...وجُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة».

‏‏الدرس السادس:

فضل ومكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

‏حيث صعد به رب العزة والجلالة إلى مكان عظيم لم يبلغه أحد من البشر قبله، حيث عرج به إلى السماوات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.

‏الدرس السابع:

شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم:

‏ويتضح ذلك عندما أخبر قريشا أنه أسري به إلى بيت المقدس وعاد في الليلة نفسها، ولم يتأخر ولم يتردد مع علمه بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه في هذا الأمر العظيم حيث لا يمكن تخيل أن يتمكن بشر من الذهاب إلى بيت المقدس والعودة في الليلة نفسها فيما كانوا يستغرقون في هذه الرحلة شهرين؛ شهرًا في الذهاب وشهرًا للعودة.

‏الدرس الثامن:

عموم رسالته صلى الله عليه وسلم:

‏لقد ثبت في الروايات المتعددة أن رسول الله صلى بالأنبياء إمامًا في بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج، وفي هذا دلالات منها أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسؤولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (البقرة: 143).

‏الدرس التاسع:

الاستفادة من الخبرات السابقة:

‏ويتضح لنا ذلك من خلال استجابة سيدنا رسول الله لنبي الله موسى بالمراجعة في أمر الصلوات: «...وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ».

‏الدرس العاشر:

الإسلام دين الهداية والفطرة:

‏من أحداث تلك الليلة المباركة أن رسول الله قد اختار إناء اللبن وشرب منه، جاء في الحديث أن جبريل قال له عندما أخذ اللبن: «هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» (8). قال ‏القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة؛ لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي إليه دون غيره؛ لكونه كان مألوفًا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة. وفي رواية: «هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ».

إن سلامة الفطرة هي لب الإسلام؛ لأن عقيدته وشريعته وأحكامه كلها تتناسب مع مقتضيات الفطرة التي خلق الله الناس عليها، قبل أن تدنسها الشهوات والأطماع والأغراض الذاتية، وقد وصف الله هذا الدين بأنه دين الفطرة في قوله تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ» (الروم: 30).

‏الدرس الحادي عشر:

تعليم سيدنا محمد بالمشاهدة والنظر:

‏وذلك ليكون درسًا عمليًّا يتعلم فيه الرسول بالمشاهدة والنظر، ولقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها إلا بضرب من التخيُّل، فأنَّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حُبس عنا الكثير من العلم، وما أوتينا منه إلا قليلاً، قال تعالى: «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الإسراء: 85). والله قد أعطى كل نوع من مخلوقاته علومًا تتوافق مع استعداده وفطرته، ‏ومهمته في هذا الكون.

‏الدرس الثاني عشر:

أصل الدين واحد هو التوحيد:

‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؛ ‏ليُعلموهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة، قال تعالى: «‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء: 25). وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة، منها: قوله عن نبي الله يونس «أخي كان نبيًّا، وأنا نبي». وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. وأ‏ولاد العلات: الإخوة من الأب. أي أن شرائعهم متعددة، وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء والمعراج تؤكد المعنى السابق، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السماوات العُلا هي: «مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ».

الإسراء والمعراج من منظور علمي

يقول الدكتور كارم السيد غنيم: أدمج أينشتين المكان والزمان في نظرية النسبية الخاصة عام 1905م، وأعلن أنه «ليس لنا أن نتحدث عن الزمان دون المكان، ولا عن المكان دون الزمان، وما دام كل شيء يتحرك فلا بد أن يحمل زمنه معه، وكلما تحرك الشيء أسرع فإن زمنه سينكمش بالنسبة لما حوله من أزمنة مرتبطة بحركات أخرى أبطأ منه». ولقد تحققت ظاهرة انكماش الزمن علميًّا في معامل الفيزياء، حيث لوحظ أن الجسيمات الذرية atomic particles تطول أعمارها في نظر راصدها، إذا ما تحركت بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وطبقا لنظرية أينشتين، فإننا إذا تخيلنا أن صاروخا اقتربت سرعته من سرعة الضوء اقترابا شديدا، فإنه يقطع رحلة تستغرق خمسين ألف سنة (حسب الساعة الأرضية) في يوم واحد فقط (بالنسبة لطاقم الصاروخ)!!

وخلاصة القول: إن الزمن ينكمش مع ازدياد السرعة، وتزداد السرعة مع ازدياد القدرة على ذلك.

هكذا أصبح من المقنع للماديين أن السرعة والزمن والقدرة أشياء مترابطة، ولكن إذا كان هناك مخلوق أقوى من الإنسان ، فإنه يتحرك بقوانين أخرى غير قوانين الإنسان، فيقطع المسافات ويعبر الحواجز، وأشياء أخرى كثيرة لا يتخيلها الإنسان الذي يسكن كوكبه الأرضي. لقد أوردنا هذا العرض العلمي لكي نقرِّب للناس فهم إحدى المعجزات الحسية التي جرت لرسول الله محمد بن عبد الله، إنها «معجزة الإسراء والمعراج». ولسنا نسعى من وراء هذا العرض أن نثبت صدق هذه المعجزة، وإنما نريد فقط أن نقرِّب فهمها للذين يستبعدون حدوثها من غير المسلمين. وهذه المعجزة من الصنف الذي لم يجره الله بقصد التحدي (أي: تحدي البشر)، وأعجب ما في هذه المعجزة (بشقيها) أنها غيب من جملة الغيوب التي يجب على المسلم أن يصدق بها ويثق فيها مطلقا. وهذه المعجزة إذا ناقشناها، فإنما نناقشها لإثبات استحالة وقوعها لبشر عادي، بكل المقاييس العلمية، أو حتى بتطبيق الفروض أو النظريات... وإلاَّ لانتفت صفتها كمعجزة، ولأمكن للإنسان العادي أن يحققها عن طريق استخدامه لأي طاقات أو سبل يخترعها العلم بمرور الزمن. تشتمل «معجزة الإسراء والمعراج» ضمن ما تشتمل السرعة الخارقة والقدرة المذهلة التي انتقل بها رسول الله في الشق الأول من المعجزة، وهو «الرحلة الأرضية»، من المسجد الحرام بمكة (في الجزيرة العربية) إلى المسجد الأقصى بالقدس (في فلسطين)، ثم السرعة والقدرة اللتان لا يستطيع الإنسان -مهما أوتي من علوم وتكنولوجيا- أن يحددهما، وذلك في الشق الثاني من المعجزة وهو «الرحلة العلوية»، أي: الصعود من حيث انتهت الرحلة الأرضية إلى الأعلى في رحلة سماوية اخترق الرسول بها طبقات الجو كلها، وعبر أرجاء الكون إلى سماء لا ولن يستطيع الإنسان أن يصل إلى تحديد أي شيء فيها، ولن يعرف عنها أي شيء سوى ما أخبره به القرآن الكريم.

لماذا كان الإسراء والمعراج ؟

رجح أكثر علماء السيرة النبوية أن حدوث الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة واحدة، أي بعد مرور اثني عشر عامًا من البَعثة، وهي سنوات ذاق خلالها النبي وصحبه الكرام ألوانًا وأصنافًا من الاضطهاد والعذاب، شمل الجانب النفسي والاجتماعي والاقتصادي.

وكان من ذلك أنَّ قريشًا سعت إلى تفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف، والتجويع الجماعي لهم، كُفَّارًا ومسلمين، واتفقوا على ألاَّ يُنَاكحوهم، ولا يُزَوِّجوهم ولا يتزوَّجوا منهم، ولا يُبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يَدخلوا بيوتهم، ولا يكلِّموهم، وأن لا يَقْبَلوا من بني هاشم وبني المطَّلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسْلِموا رسول الله لهم للقتل!!

وهنا بدأت حِقبة جديدة من المعاناة والألم، حيث حُوصِر المسلمون والمشركون من بني عبد مناف ومعهم أبو طالب في «شِعْبِ أبي طالب»، وقد بلغ الجهد بهم حتى إنه كانت تُسمَع أصوات النساء والصبيان وهم يصرخون من شدَّة الألم والجوع، وحتى اضطرُّوا إلى أكل أوراق الشجر والجلود.

وقد ظلَّت تلك المأساة البشريَّة طيلة ثلاثة أعوام كاملة، حتى جاء شهر المحرم من السنة العاشرة من البعثة، وشاء الله أن يُفَكَّ الحصار البشع عن بني هاشم وبني عبد المطَّلب، وكان ذلك على يد ثُلَّة من مشركي قريش جمعتهم النخوة والحميَّة القبليَّة، ثم بفضل آية قاهرة من آيات الله، تمثَّلت في الأَرَضَة التي أكلتْ جميع ما في الصحيفة التي اتَّفقوا عليها، من جَوْر وقطيعة وظلم، إلاَّ ذِكْرَ اللَّه !! وما إن انتهت هذه السنون العجاف حتى تلاها عام الحزن، الذي لم يكن تسميته إشفاقًا من أحد، ولكنها تسمية النبي لمَّا حدثتْ له مصيبتان كبيرتان في هذا العام (العاشرة من البعثة)، أمَّا الأولى فهي موت أبي طالب، عمِّ رسول الله، والسند الاجتماعي له، وأمَّا الثانية فهي وفاة خديجة رضي الله عنها، زوج رسول الله والسند العاطفي والقلبي له!!

وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيَّام معدودة، فازدادت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله، وزاد عليه ما كان مِن تجرُّؤ المشركين عليه؛ حيث كاشفوه بالنكال والأذى بعد موت عمِّه أبي طالب.

وقد ازداد رسول الله غمًّا على غمٍّ حتى يئس من قريش، وخرج إلى أكبر القبائل بعد قريش وهي قبيلة ثقيف بالطائف؛ رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يُئووه وينصروه على قومه، فلم يرَ ناصرًا ولم يرَ مَن يُئوي، وقد قال له أحدهم: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟ وقال آخر: والله لا أُكلِّمك أبدًا... لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك!

وهنا قام رسول الله من عندهم وقد يئس من خيرهم، وقال لهم: «إِذْ قَدْ فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي». إلاَّ إنهم لم يفعلوا، بل تطاولوا عليه، وأَغْرَوْا به سفهاءهم الذين رَمَوْهُ بالحجارة هو ومولاه زيد بن حارثة، حتى دَمِيَتْ قدمه الشريفة، وشُجَّ رأس زيد، ولم يزل به السفهاء حتى ألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وهناك التجأ إلى شجرة وأخذ يدعو بالدعاء المشهور: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي...».

وهذا الدعاء يدلُّ على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا ممَّا لقي من الشدَّة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد. ثم إنه لما عاد إلى مكة حزينًا كسيرَ النفس لم يستطع أن يَدْخُلْهَا إلاَّ في جوار مشرك، وهو مطعم بن عديّ!!

وفي هذه الظروف العصيبة والمحن المتلاحقة؛ في الطائف وفيما سبقها من وثيقة المقاطعة والحصار، ووفاة سَنَدَي الرسول الكريم العاطفي والاجتماعي، زوجه السيدة خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب ؛ في هذه الظروف وبعد أن ضاقت به الأرض من المشركين اتَّسعت له أفق السماء، وجاءت معجزة الإسراء والمعراج تثبيتًا له ومواساة وتكريمًا؛ ولتكون بذلك منحة ربانيَّة تمسح الأحزان ومتاعب الماضي، وتنقله إلى عالم أرحب وأُفق أقدس وأطهر، إلى حيث سِدْرَة المنتهى، والقُرْب من عرش الرحمن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي