No Script

هل تتقبل أميركا الخسارة في سورية أم تتحدّى الدب الروسي والتنين الصيني؟

No Image
تصغير
تكبير

مع أو من دون الاتفاق النووي
فإن التحالف الإيراني - الروسي - الصيني أصبح متيناً

بعد إنهاء معركة الغوطة
وصلتْ موسكو إلى أهدافها
 في سورية

الحرب في سورية ليست أهلية
بل دولية بين محوريْن سيبقى وينتصر محور منهما على الآخر


في سورية يَتقرَّر
مصير العالم الذي كانت
تحكمه الأحادية ليصبح
عالماً يتجه نحو التعدّدية


الوجود التركي في سورية
يفرض معركةً بطيئة
... تهديد وتهديد مضاد

بعد تحرير الغوطة الشرقية وخروج مسلحيها الى مدينة إدلب الشمالية الواقعة تحت السيطرة التركية وسيطرة تنظيم «القاعدة»، تبقى مدينة دوما التي دخلت في مفاوضات مع الجانب الروسي لإيجاد مخرج للمسلّحين التابعين لـ «جيش الاسلام» والذين لا أصدقاء لهم على الساحة السورية. إلا ان هذا أصبح تفصيلاً تكتيكياً لأن العاصمة دمشق باتت خارج دائرة الخطر الذي كانت تتعرض له يومياً جراء القصف من الغوطة.
ماذا بعد...؟

مخيم اليرموك والحجر الأسود
وجود تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) وما تبقى من «القاعدة» في مخيم اليرموك والحجر الأسود جنوب دمشق، تفصيل تكتيكي، لأن لا مَخْرج لهؤلاء المحاصَرين من جميع الجهات، وبالتالي فإن القضاء عليهم مسألة قرار من الحكومة المركزية حين يحين الأمر لأنهم «في متناول اليد».

البادية وإدلب
وفي البادية، لا يزال «داعش» موجوداً في جيْب غير كبير سيتعامل معه الجيش السوري الصيف المقبل. وهذا الجيْب هو أيضاً «مُحاصَر» ولا مفرّ لـ «داعش» الى أي مكان، والموجود في منطقة مكشوفة تُسْلَب إرادته رويداً رويداً.
أما مدينة ادلب التي تتكاثر فيها مختلف القوى المعارِضة والجهادية، فهذه الأخيرة تبقى في صراع دائم على السلطة تأكل بعضها البعض... وهذا ما يستدعي تدخل تركيا لمعالجة المعارك الداخلية بحيث تُبقي حل مصير المدينة معلّقاً على الحلّ لمسألة الوجود التركي في سورية.

تهديد وتهديد مضاد
ان الوجود التركي في الشمال الغربي والشمال الوسطي أصبح أمراً لا بدّ منه في المرحلة المقبلة، فارضاً معركةً ستكون بطيئة بين الدولتين التركية والسورية سيتخلّلها تهديد وتهديدٌ مضادٌ، على دمشق ان تتولاه من دون حلفائها: فلا روسيا ولا إيران تريدان المواجهة العسكرية مع الجيش التركي. بينما لسورية الحقّ في المطالبة باستعادة أراضيها عبر الوسائل الديبلوماسية اولاً ومن ثم الضغط عن طريق الحلفاء والأصدقاء المشتركين واستخدام القوة العسكرية كحلّ يمكن ان تلجأ اليه دمشق كورقة أخيرة لاستعادة أراضيها الشمالية التي تسيطر عليها تركيا. وقد تُستدرج روسيا للتدخل الديبلوماسي وإيجاد حلّ بين دمشق وأنقرة.

دير الزور والحسكة
وتبقى القوات الأميركية في الشمال الشرقي (نحو 24 في المئة من مجموع مساحة الأراضي السورية تحت سيطرة الجيش الأميركي) ومعها جيْبٌ كبير لـ «داعش» تحميه واشنطن في الوقت الحاضر «لغايةٍ ما في نفس يعقوب». ويتواجد «داعش» على الحدود السورية - العراقية ويعيش أفراده حياةً طبيعية - كما يُظْهِرُها هو في أفلامه الدعائية - ويقوم بهجمات محدودة من وقت الى آخر ضدّ الجيش السوري وحلفائه من جهة وضدّ الأراضي العراقية من جهة أخرى.
أما الجزء الذي تسيطر عليه أميركا، فهي لن تخرج ابداً منه إلا مرغَمة او لتفادي خسائر بشرية عندما تصبح البيئة التي تتواجد فيها معادية. وقد أثبتت واشنطن أنها تتحمل الخسائر في العراق ولم تخرج رغم خسارة نحو 4500 جندي وضابط. وكما قال وزير الخارجية السابق جيمس بيكر ان «أميركا ستذهب للحرب في الشرق الأوسط للسيطرة على الطاقة اذا وجدت ضرورة لذلك».
وفي سورية هناك مصادر طاقة (نفط وغاز) تمثل نحو 13 في المئة من المخزون الإجمالي السوري الواعد. بالاضافة الى ذلك، فإن الوجود الأميركي يسهل على اسرائيل استخدام مطار أميركي في شمال شرقي سورية كمركز على الحدود السورية - العراقية. وأيضاً تستطيع أميركا معاودة خرْبطة أوراق المنطقة بين العراق وسورية وتركيا لتهديد بلدان الجوار بدولةٍ كردية لا تريدها تركيا ولا سورية ولا العراق ولا إيران.
على الرغم من انه سيناريو غير محتمل وان من المتوقع ان يتمّ التخلي عن الأكراد من قبل القوات الأميركية عند نقطة معينة وترْكهم لمصيرهم في وقت ما في المستقبل، إلا أن كثرة الدول المعترضة على أهداف أميركا في تلك البقعة السوريّة المحتلة ستقلّص من إمكان مناورتها وإزعاجها للمحور المعادي لها. لكنها من دون شك تبقى «شوكة مسمومة» في خاصرة بلاد الشام تحتلّ أرضاً بالقوة.
لكن وجود «داعش» أصبح أيضاً تفصيلاً لأنه مُحاصَر ويستطيع التحرك بحرية داخل الجيْب الأميركي ولكن بحذرٍ باتجاه أعدائه السوريين والعراقيين. ولذلك فإن لا أفق استراتيجياً له لا سيما ان ورقة الإسلاميين وأَخْذهم السلطة في العراق وسورية قد فشلتْ وسقطتْ معها «الفوضى الخلاَّقة» التي أَوْجدتها الإدارة الأميركية تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد».

درعا والقنيطرة
وهذا لا يعني أن سورية تحرّرتْ وأن سيطرة الدولة السورية شملتْ كل الأراضي السورية. بل هناك معركة مهمة آتية في الجنوب السوري. ولماذا هذه المعركة مهمة، وأهمّ من جيب «داعش» في اليرموك او البادية، أو حتى من مدينة إدلب التي تتواجد فيها «القاعدة» وأحزاب أخرى تجمعت في العاميْن الماضييْن؟
تبقى المعضلة الكبرى: درعا والقنيطرة. وهاتان المحافظتان (ومعهما السويداء) تقعان على الحدود مع اسرائيل ضمن منطقة خفض التصعيد التي شاركت فيها أميركا مع روسيا والأردن. إلا أن دمشق مصرّة على استرجاعها بموافقة روسيا او عدمها. لأنها تريد استعادة هذه البقعة التي تتواجد فيها قوات تابعة «لداعش» (قوات جيش خالد بن الوليد) ولتنظيم «القاعدة» وكذلك المعارضة السورية، وهو ما سيجيّش الإعلام الغربي بأكمله - تماماً كما فعل هؤلاء أيام استعادة القصير والقلمون وحلب ومضايا والغوطة - لدعمهم من ضمن خطة واشنطن السياسية التي استطاعت - عن طريق الـ CIA والبنتاغون ووزارة الخارجية - إيجاد أساليب مدنية، مستخدمين المنظمات غير الحكومية وتلك المعنية بحقوق الإنسان، لتسيير الإعلام ضد سورية وروسيا كما هو الحال منذ التواجد الروسي في بلاد الشام في سبتمبر 2015.
ولهذه الأسباب المحددة، يجب ان يكون حل مشكلة درعا بأسرع وقت الأولوية بالنسبة للحكومة السورية، وينبغي ان تبدأ المفاوضات لإخلاء جميع المسلّحين المستعدّين للإغراق في إدلب - سلّة المهملات، الوجهة التي يتم إرسال جميع الجاهديين من كل المناطق المحرَّرة في سورية إليها.
وبهذا تكون أميركا خسرت ورقة المتطرفين وورقة تغيير النظام في سورية بعدما استفاق الدبّ الروسي الى محاولة واشنطن محاصرته وضرْبه بطرق غير مباشرة، واستعانت موسكو بالتنين الصيني الذي يشارك روسيا الأهداف نفسها ويدعم تصفية الارهابيين في سورية - على عكس أميركا - ويعمل كدولة عظمى غير معلَنة لإنهاء أحادية الولايات المتحدة على العالم.

أهداف روسيا في سورية
بعد إنهاء معركة الغوطة وصلتْ موسكو إلى أهدافها في سورية: لقد حضرتْ ورأتْ وشاركتْ وانتصرتْ... أحبطتْ روسيا محاولة عزْلها من قبل الولايات المتحدة التي كانت تعلم ان احتواء قوة روسيا ومنْعها من الخروج من المحيطات وإيجاد نافذة على المياه الدافئة أمر ضروري قبل حلول سنة 2020 الذي اعتبرتْه واشنطن تاريخ اكتمال قوة موسكو وترميم اقتصادها، فحاولتْ وقف هذا المسار عبر أوكرانيا أولاً باستمالتها الى الفضاء الاوروبي ووقف الغاز الروسي المتدفّق الى أوروبا والذي يمثّل ثقل الاقتصاد الروسي.
وعملتْ أميركا على عقد اتفاق نووي مع إيران وضغطتْ على أوروبا لتسريعه بهدف عزْل طهران عن موسكو في مايو 2015 والانتقال الى ملفات أخرى ظناً منها أنها تستطيع انتزاع ايران من كنف روسيا وضرْب هذا التحالف.
إلا ان إصرار آية الله العظمى المرشد السيد علي خامنئي على إتمام الاتفاق النووي فقط وعدم التكلم مع أميركا في أي ملف آخر وَضَع واشنطن في موقع المتبرّع الذي أعاد فتْح إيران على العالم من دون أي مقابل. ولهذا يصرّ اليوم دونالد ترامب على نسْف هذا الاتفاق الذي لا يرى فيه إلا مصلحة لأوروبا وروسيا والصين وإيران ولا يرى أي مكان لبلاده فيه. وهذا ما يدفع ترامب لإيجاد طريقة لخروج أوروبا من الاتفاق النووي عبر الترهيب بفرْض عقوبات اقتصادية عن طريق الضرائب على المنتجات التي تصدّرها القارة العجوز إلى أميركا.
وربما لم يفهم ترامب لغاية اليوم أنه مع أو من دون الاتفاق النووي، فإن التحالف الايراني - الروسي - الصيني أصبح متيناً وان طهران باتت تلعب دوراً مهماً للصين ولروسيا (وكذلك هما لإيران) كمصدر للطاقة وممرّ للمحيطات ونافذة على الشرق الأوسط.
ولم تكتفِ إيران وروسيا بالاستفادة من رفْع الحظر عن طهران ومن الاتفاق النووي، بل واجهت واشنطن في ساحات الوغى وهزَم الطرفان «داعش» واستعاد العراق أراضيه، وهُزم «داعش» و«القاعدة» في لبنان عن طريق حليف أساسي في محور إيران - روسيا. وكذلك فقدتْ أميركا المدينة السورية تلو الأخرى لمصلحة المحور المعادي لها رغم محاولاتها البائسة، عبر الأمم المتحدة وعبر تسليح المعارضة و«القاعدة» نفسها وعبر الاتفاق مع تركيا والأردن، للسماح للمجاهدين بالمرور وتدريب عدد منهم، وأيضاً عبر الإعلام الغربي برمّته الذي فَقَدَ حياديته ومهنيته في سورية ليتبع سياسة الوسيلة الإعلامية وليس الحقيقة كما تنصّ أصول المهنة.
ولم تقبل موسكو ودمشق وطهران خطوطاً حمر كثيرة (أهمها في التنف حيث تخطت القوات الحليفة المنطقة العازلة الأميركية لتحاصرها من الشمال والغرب والجنوب) لان هؤلاء يعلمون ان الحرب في سورية ليست حرباً أهلية بل حرباً دولية بين محوريْن سيبقى وينتصر محور منهما على الآخر.
ولم تقف روسيا عند هذا الحد بل وقّعتْ عقوداً نفطية وغازية لاستثمار الطاقة الموجودة في البحر المتوسط مقابل طرطوس واللاذقية والتي تقدّر بنحو 47 في المئة من المخزون النفطي الذي من المتوقع ان ينافس باحتياطه العراق وايران والسعودية نفسها بحسب ما كشفت دراسة وُضعت العام 2010 وأجرتْها كندا وأميركا وحلّت فيها سورية في المرتبة الثانية عالمياً من احتياط الطاقة بعد روسيا.
ولأن أميركا لم تكن تريد ان تقع هذه الثروة السورية الضخمة بيدِ دولٍ لا تقبل بسلطتها وتنحاز الى المعسكر المعادي لها، كان لا بد من إخضاع سورية بعد الاحتلال الأميركي للعراق كما صرّحت كوندوليزا رايس في يوليو 2006: «لقد حان الوقت لشرق أوسط جديد... نحن سننتصر وهم سينهزمون».
لم يخضع لبنان العام 2006 ولم تستطع اسرائيل القضاء على أذرع المقاومة اللبنانية لضمّ هذا البلد لمحور الدول النفطية، فلجأت الى تكتيك مختلف مستخدمةً سياسة «الحرب الناعمة» بالاتكال على المحليين لأن المعادلة في الشرق الأوسط أصبحت واضحة: واشنطن تستطيع بقوّتها احتلال أي دولة عربية من دون أي صعوبة... ولكنها لن تستطيع البقاء فيها طويلاً.
وهنا كان دور «السلاح الأبيض» الأميركي الذي رفعتْه واشنطن في وجه دول الشرق الأوسط تحت عنوان «الديموقراطية» و«حرية ممارسة الشعائر الدينية» و«دعم الناشطين الشباب في بلادهم لفرْض الحرية والمطالبة بحقوق الانسان».
وكلها شعارات زائفة - على الرغم من أهميتها - لأنها توجّهت نحو البلدان التي لا تخضع للسلطة الأميركية. ومن هنا أتى «الربيع العربي» وخلفه رياح المخابرات ووزارة الخارجية الأميركية التي نشرت «مدارس الثورة» في العالم. فانتشر شعارٌ واحد بألوان مختلفة من كينيا وفنزويلا ومصر وجورجيا وإيران وروسيا البيضاء بعنوان «القبضة المشدودة».
واستخدمتْ واشنطن اندفاع الشباب المسلم الذي تستخدم غالبيتُه التكنولوجيا والانترنت ووسائل الإعلام الشخصية على «يوتيوب» و«غوغل» ودعمتْ التواصل الاجتماعي للشباب بأكثر من 30 مليون دولار كما أعلنت عنه هيلاري كلينتون عندما شغلت منصب وزيرة الخارجية العام 2010، وسار بوش الابن في الجزء الثاني من ولايته ومن بعده اوباما واليوم دونالد ترامب على نفس الطريق بتكتيكات مختلفة.
وترك هؤلاء للمسلمين المتشددين الطريق مفتوحةً لممارسة «سياسة التوحش» التي استفادتْ منها أميركا أكثر من «داعش» أو «القاعدة». وأطلقت العنان للإرهاب لمحاربة إيران وحلفائها وقلْب الطاولة على الحلف الايراني - السوري - الروسي والحلف الايراني - الروسي - الصيني لضرْبهم من الداخل ومحاصرتهم وإلهاء العالم الإسلامي ببعضه البعض.
إلا ان روسيا والصين وإيران لم تقف لتلقي الضربات الأميركية من دون أي حراك. فقد عرف هؤلاء حقّ المعرفة ان التمدد الأصولي سيهدّد دولهم من الداخل فكان لا بد من إنهائه في مكان ولادته. نعم، لقد أخطأت روسيا في عهد مدفيديف بترْك الساحة الدولية لضرب ليبيا التي احتفل بها اوباما يوم انهار النظام ومعه مصدر الطاقة والملاحة البحرية التي كادت ان تقع بيد الاسلاميين الذين تواجدوا في بنغازي التي اعتُبرت «مهد الثورة» الليبية ولكنها كانت أيضاً بؤرة الاسلاميين المتطرفين.
لكن روسيا - بوتين لم تسمح بسقوط سورية بيد هؤلاء ليعود خراجهم النفطي والغازي عند اميركا وحلفائها بعد إسقاط النظام وقفْل الممر الحيوي للبنان والفرْض عليه - بعد كسْر «حزب الله» - معاهدة سلام مع اسرائيل وسلْخ منطقة موالية لإيران وروسيا.

سفن «التنين» الصيني
أدخلتْ روسيا الصين إلى سورية للمرة الأولى فوصلتْ سفن التنين الصيني إلى سواحل طرطوس واللاذقية لتوجيه رسالة لأميركا وحلفائها بأن العالم الأحادي انتهى إلى غير رجعة وأن سلطة القطب الواحد لم تعد تنفع.
ولكن واشنطن لم ولن تقبل بانتزاع تاج الهيمنة عن رأسها وهي - بطرْد ديبلوماسيين روس أو فرْض عقوبات على إيران والصين وروسيا - تنازع لأنها تعلم أن لا شيء لديها تخسره اذ ان العالم لم يعد يؤمن بعضلات أميركا ما دامت هناك قوة ثانية استعادْت زمام المبادرة: روسيا والصين.
لقد فَقَدَ العالم كل أملٍ بالتوازن بين الدول العظمى العام 1991 عندما بدأ عصر الانحطاط الروسي والنزول إلى أسفل الهاوية. واستمرّ هذا الانحدار إلى حين وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة العام 2000 لتتنبّه واشنطن ان هناك خيّالاً جديداً في مبنى القياصرة ينوي إعادة مجد روسيا الذي فقدتْه. عندها كانت روسيا مقسمة لا تملك إلا سلاحاً نووياً ولا شيء آخر سوى الإرادة للنهوض من غفوة الدبّ الشتوية.
ولم يعلن بوتين الحرب على أميركا بل مدّ يده إليها وحاول بناء صداقة أو على الأقلّ حال لا عداوة. إلا ان واشنطن إعتبرتْ ان موسكو لديها القدرة لمنافستها - وكانت محقة برؤيتها وهذا ما أثبتتْه الأحداث بعد 17 عاماً - فحاولتْ إضعافها.
وبدأت واشنطن بضمّ دول أوروبا الشرقية والجمهوريات التي أعلنتْ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي إلى حلف الناتو وإلى القارة الأوروبية لإنشاء مواقع متقدّمة تحاصر فيها روسيا.

التقارب الصيني - الروسي
ورأت الصين، مثل روسيا، ان أميركا تخشى تطوّرها السريع الاقتصادي هي التي تضمّ يداً عاملة رخيصة وتستطيع استنساخ أي تكنولوجيا تجارية أو عسكرية. ومن هنا نشأ التقارب الصيني - الروسي الذي أوجدتْه أيضاً حماقة أميركا التي كانت تنظر إلى عضلاتها العسكرية القوية من دون استخدام عقولها لتحويل العالم إلى مكان أفضل.
وركّزت واشنطن على بحر الصين ومضيق ملقا لتعيد أجواء الحرب العالمية الثانية وتحاول تضييق الخناق على بيكين، وهي حاصرتها بأسطولها البحري المتفوّق وهي تعلم ان الصين تحتاج لمصادر الطاقة مفتوحة.
فردّت الصين بتأسيس منظمة شنغهاي في أبريل عام 2001 وضمّت (منها خمس دول نووية) إيران روسيا والصين وكازخستان وطاجكستان واوزبكستان وقرغيزيا منغوليا والهند وباكستان ورفضت طلب واشنطن وطوكيو بالانضمام بصفة مراقبين فقط.
وذهبت الصين إلى الدول التي تستهدفها السياسة الأميركية للتقارب والتموْضع معها. وراحتْ أبعد من ذلك فأنشأت «عقد اللؤلؤ» المؤلّف من دول وجزر محيطة بها لتحمي طرقها البحرية. وقدّمت «طريق الحرير» لتبني رابطاً لبكين مع العالم للتبادل التجاري بقيمة واحد تريليون دولار.
علماً بان طريق الحرير تصل إلى اوروبا وتجمع طرقاً بين 7 دول آسيوية تحت شعار «حزام واحد، طريق واحد». كما دخلتْ الصين مجموعة البريكس التي أنشئت العام 2009 وتضمّ اليها، روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وهي دول تمثّل نحو 40 في المئة من الإنتاج العالمي.

البنك الآسيوي الدولي وحرب الحضارات والوكالات


في العام 2013، أعلنت الصين إنشاء البنك الآسيوي الدولي (AIIB) لتضرب أميركا في الصميم وتجمع تحت راية عضويته 57 دولة - بينها دول أوروبية عدة - مستثنية بذلك الولايات المتحدة واليابان، حليفتها المطيعة.
ويهدف البنك الآسيوي الدولي - برصيد 100 مليار دولار - للتخلص من الهيمنة الأميركية على العالم الاقتصادي، وهي خطوة اعتبرتْها واشنطن استفزازية وتهدف لإيجاد بدائل عن تحكّمها بالإقتصادي السيولي في العالم والحركة المالية التي فرضتْها الولايات المتحدة طوال عقود طويلة من دون أي مُنافس لها.
لقد ذهبت واشنطن إلى حد منْع اتحاد اوراسيا الذي يبدأ من المحيط الأطلسي حتى المحيط الهندي ويضم 6 دول ضخمة تحوي 4/‏‏‏‏‏3 الطاقة في العالم ولكنها فشلت. وحاولتْ أميركا إنشاء «حلف ناتو شرق أوسطي» لمجابهة «الهلال الشيعي» و«الخطر الإيراني» وفشلتْ لأن دول الشرق الأوسط غير قادرة على إيجاد أبسط أنواع التعاون السياسي والإقتصادي وفشلت باستخدام قوّتها العسكرية في ما بينها.
وها هي الدول التي رفضتْ الهيمنة الأميركية توجِد تعاوناً في ما بينها للتخلص من واشنطن وغطْرستها وسياستها التدميرية التي تذهب إلى احتلال دول وفرض الخوة للحماية وتوجيه الإعلام كيفما تشاء وتسخّر الشباب في العالم لتُوَجِّهَه نحو سياستها التدميرية وتستغلّه تحت عنوان «نشطاء الحرية».
وها هي أميركا تنشر صواريخها في كل مكان تتواجد فيه قواعدها العسكرية المنتشرة حول العالم ولم تفكر يوماً باستخدام طاقتها وقوتها لدعم الاقتصاد والسلام ولا تفكر إلا بالتحكم بمصادر الطاقة ومصير الدول.
لقد فشل مخطط واشنطن بإحتلال سبع دول لا تخضع لسيطرتها (إيران والعراق وسورية ولبنان وليبيا والصومال والسودان) وفشلتْ في افغانستان وأساءتْ تقدير رد الفعل، فلم تستسلم واستبدلت الحرب المباشرة بحرب الوكالات وحرب الحضارات والأديان، وإتبعت سياسة الحرب التدميرية الداخلية بين البلدان المسلمة عبر أدوات تكفيرية ليُستبدل «العدو البعيد» (هدف القاعدة) «بالعدو القريب» (هدف «داعش» وحال دول الشرق الاوسط في ما بينهم اليوم).
وكلما هاجمت الولايات المتحدة، دولة انضمّت هذه إلى التحالف ضدّها، وها هي تبيع بعشرات المليارات أسلحة إلى الشرق الأوسط بينما توقّع روسيا مع الصين عقوداً لعشر سنوات بقيمة 600 مليار دولار، وتوقّع روسيا مع ايران عقوداً لعشر سنوات بقيمة 400 مليار دولار وتوقّع الصين مع ايران عقوداً بقيمة 400 مليار دولار. وهذه العقود تهدف للتعاون الاقتصادي وتبادُل الطاقة وتبشّر بمستقبل اقتصادي متقدّم لهذه الدول.
فروسيا تملك حدوداً بطول 7000 كلم مع الصين، وإيران ليست العراق وسورية ليست افغانستان. وفي سورية يَتقرَّر مصير العالم الذي كانت تحكمه الأحادية ليصبح عالماً يتجه نحو التعدّدية، ليبقى السؤال الأهم: هل واشنطن مستعدّة للقبول بهزيمتها وبأنها فقدتْ السيطرة على العالم؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي