بوتيجيج يقف إلى جانب «شعب يتعرض لاستهداف ديكتاتورية دموية له»

اهتمام واشنطن بتطورات إدلب «منعدم» ... والسوريون لمصيرهم

No Image
تصغير
تكبير

لم تعد الحرب السورية في دائرة اهتمام الأميركيين، ولم تعد أخبار السوريين الفارّين من جحيم المواجهات المسلحة في محافظة إدلب، أو العالقين تحت ركام بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومخابزهم، تثير أي تعاطف أو شفقة في الولايات المتحدة وباقي العالم عموماً.
حتى في المناظرات الرئاسية التمهيدية للحزب الديموقراطي، يندر أن يسأل المحاورون المرشحين عن الموضوع السوري، وإن حدث وسألوا، تأتي إجابات معظم المرشحين إما شكلية، أو من دون معرفة، باستثناء مرشح أو اثنين يقدمان أفكاراً تصلح لتكون سياسات تنقذ السوريين من دوامتهم الدموية.
أكثر الإجابات التي عكست دراية بالسياسة الدولية، جاءت على لسان المرشح بيت بوتيجيج، الذي قال في مناظرة الأسبوع الماضي: «أنا أقف الى جانب شعب إدلب، الذي يتعرض لاستهداف ديكتاتورية دموية له».


وأضاف بوتيجيج، وهو الوحيد من المرشحين ممن سبق أن عمل في الجيش وقاتل في أفغانستان، ان الحل يكمن في قيام الولايات المتحدة «بتغيير موازين القوى في المنطقة»، وإنه لسوء الحظ أن الرئيس دونالد ترامب تبخر عن مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، والكلمة العليا في سورية صارت لتركيا وروسيا وإيران.
وأكد: «ليس المطلوب منا أن نجتاح دولاً لندعم السلام ونعزز حق تقرير المصير».
بدورها، قالت المرشحة اليزابيث وارن، في مناظرة الأسبوع الماضي نفسها، إن المطلوب من الولايات المتحدة لمواجهة «القتل الجماعي في إدلب»، تقديم المساعدة الإنسانية، والعمل مع الحلفاء للتوصل الى تسويات.
ورفضت استخدام القوة العسكرية بأي شكل، وقالت: «نحن نستخدم القوة العسكرية مرات كثيرة، وعلينا أن نستخدمها فقط عندما نتأكد أن المخرج واضح».
وكان انعدام اهتمام المرشحين والجمهور بالموضوع السوري بادياً، الى درجة أن المحاورتين لم تطرحا السؤال نفسه على باقي المرشحين الرئاسيين. لكن من تصريحاتهم السابقة، يمكن تقديم بعض ما دأبوا على قوله حول الأزمة السورية.
متصدر المرشحين، بيرني ساندرز، يندر أن يتطرق الى موضوع سورية، ويكتفي بترداد انه يعادي كل الديكتاتوريات في العالم، ولكنه لم يذكر النظامين الإيراني أو السوري يوماً في عداد الديكتاتوريات التي يعاديها.
يكرر ساندرز انه ضد التدخل العسكري في أي بقعة في العالم، ويعتبر أن الحلول في منطقة الشرق الأوسط ممكنة إن قام رئيس الولايات المتحدة بجمع قادة المملكة العربية السعودية وايران، والعمل معهما للتوصل لتسوية شاملة في المنطقة.
أما أكثر المرشحين الديموقراطيين للرئاسة خبرة في السياسة الخارجية، فهو نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي عمل لسنوات طويلة رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
ورغم تصويت بايدن لمصلحة حرب العراق، إلا أن الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان أحد أشد معارضيها، عينه نائباً له بسبب خبرته في الشؤون الخارجية، كما سلّم أوباما بايدن «ملف العراق» قبل الانسحاب الأميركي منه، وسلّم بايدن، بدوره، ملف العراق الى مستشاره للأمن القومي انتوني بلينكن، الذي نفّذ سياسة كانت تقضي بانسحاب أميركي وفي الوقت نفسه تفادي لجم النفوذ الإيراني المتمادي في العراق، مخافة عرقلة المفاوضات التي أفضت لاتفاقية نووية مع طهران.
على أن من يعرف واشنطن يعرف أن مجموعة ثابتة من المستشارين، الذين يتداورون في الإدارات بحسب هوية الحزب الحاكم، هم الذين يوجّهون الجزء الأكبر من سياسة الولايات المتحدة الخارجية. ترامب، مثلاً، معلوماته شحيحة الى أقصى حدود حول العالم وشؤونه، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط، لكنه تمسك بالسياسة نفسها التي كان تبناها سلفه أوباما تجاه سورية... لا مبالاة.
وتنبع اللامبالاة الأميركية من تدني الأهمية الاستراتيجية لسورية، ما عدا مسألة أمن حدودها مع إسرائيل، وهذه مسألة يتدبرها الإسرائيليون وحدهم، وليسوا بحاجة أميركا لمساعدتهم. أما الكارثة التي تعصف بسورية والسوريين، منذ نحو عقد من الزمن، فهي على أهميتها الإنسانية، لا تحوز أهمية استراتيجية، وهو ما يبقي الولايات المتحدة بعيدة، حيث تقتصر مساهمتها على المساعدات الإنسانية المخصصة للاجئين السوريين داخل سورية وخارجها، وإبقاء الضغط الاقتصادي والمالي والعزلة السياسة على نظام الرئيس بشار الأسد، لا لأن أميركا يعنيها مصير الأسد، بل لأنها ترغب في حرمان خصومها في إيران وروسيا من ورقة استماتا للحفاظ عليها.
هذا يعني، انه - ما لم يصل بوتيجيج الى البيت الأبيض - ستبقى السياسة الأميركية على حالها، بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، وهي سياسة قاضية بحرمان الأسد من أموال النفط السوري، وكذلك من الأموال الغربية المخصصة لمجهود إعادة الإعمار، ما لم يتنازل الأسد ويوافق على الانخراط في شراكة حقيقية في الحكم يوافق عليه معارضوه.
أما الأعداد المتزايدة من القتلى والجرحى واللاجئين، فهي تثير شفقة الأميركيين وتعاطفهم، ولكنها لا تغير في السياسة الأميركية ولا تدفعها لتغيير موازين القوى وإنهاء عقد من الدموع والدماء السورية، وسيبقى السوريون، كما كانوا على مدى السنوات الماضية، لمصيرهم، وحدهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي