حروف نيرة
لقاء خلف الشاشة
كثير من الشخصيات في الفضاء الإلكتروني إن اجتَمَعْت بها في مكانٍ مفتوح، تظهر بصورة مختلفة عمّا ظننت، من حيث الأسلوب أو الفكر والعلم والاتجاه؛ فالتحدث مع الناس بشكل مباشر يبين لك الشخصية الحقيقية، والتي قد تكون عكس التي تحدثت معها وناقشتها خلف الشاشة.
في الحوارات الإلكترونية ينبغي أن تكون أكثر حكمة، فالأَولى أن تختبر شخصية من تحاور، وذلك من خلال حواره مع الآخرين، لتعرفه بصورة واضحة، وتتكلم بما يناسب مستواه العقلي وكذلك جنسه وعمره، وتحتاج أيضاً أن تستوعب كل ما يقول، وترد بأسلوب مختصر لتوصيل الفكرة، وتهتم أكثر في الحوارات المفتوحة التي تناسب جميع العقول، فأنت بحاجة للتفكير العميق قبل التحدث بأمر مُعين مع شخص على انفراد، والتفكير أكثر إن كنت تعرض فكرك وتناقش مجموعة من الأشخاص، ولا يكون التحدث إلا بالقليل، والكلام العام الذي ينفع الجميع.
في كل موقع تقابل نماذج من الناس جاهل وعاقل، منهم من تأخذ منه العلم والفكر السليم، ومنهم من يثير غضبك ويشوش فكرك ويقلب الحقائق، ناقش الأول وشاركه الحوار، واصمت وابتعد عن الثاني لتحافظ على علمك ولا تحرق وتدمر أعصابك، ومن يتعمد إثارتك فلا يناقش ليستفيد، ولكنه يتلاعب بأعصابك ويتركك أمامه في قمة غيظك، فمن يعشقوا الجدال ويتمسكوا بوجهات نظرهم حتى وإن علِموا أنهم على خطأ فلا بد أن نمتنع عنهم.
فأعرض عن الجاهل ولا تجادله، لأن الجدل معه لن يؤدي إلى نتيجة مفيدة، فمن الحكمة الكف عن جداله، يقول تعالى: (وأعرض عن الجاهلين) والجاهلون هم السفهاء الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى، والإعراض عنهم بعدم مؤاخذتهم على سوء قولهم أو فعلهم، ولا علاج أقوى لكف أذاهم من الإعراض عنهم وتجنبهم، والمراد من الجهل الذي أشارت إليه الآية هو السفه والتمرد، ولا يعني الجهل الذي هو ضد العلم والمعرفة، فإننا نعرض ونتجنب أذى الجاهل السفيه وضرره وعيوبه.. عندما سُئل لقمان الحكيم: «ممن تعلمت الحكمة؟ قال: من الجهلاء، كلما رأيت منهم عيباً تجنبته».
الحوار خلف الشاشة مع أسماء عائمة وشخصيات وهمية قد توقعك في خطر فقد يرددون آراء وخرافات، وينشرون أفكاراً ثبت بطلانها، ويعطون أنفسهم الحق في إثبات آرائهم ويجادلون في موضوعات لا يفقهونها ولا يرجعُون عن رأيهم حتى لو أيقنوا أنهُم على خطأ، فتمهّل ولا تبدأ بالحوار إلا إن أيقنت أنك تحاور أهل العقول الناضجة والأسلوب الراقي.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @
