No Script

شيء ما تعدّه إسرائيل لعرب 1948

تصغير
تكبير

في ظلّ وباء كورونا وانشغال العالم به، تحصل في المنطقة أمور كثيرة تمرّ مرور الكرام بسبب حال التخبط التي تسود الكرة الأرضية ومطاراتها المغلقة في معظمها.
من بين ما يحصل في هذه الايّام الكئيبة والبائسة عودة بنيامين نتنياهو الى الواجهة في إسرائيل بعد قبول منافسه بيني غانتس بجائزة ترضية تكون بديلا من تشكيل حكومة برئاسته. تمثلت الجائزة في انتخاب غانتس، وهو رئيس سابق لاركان الجيش، رئيسا للكنسيت خلفاً لاحد انصار «بيبي» ويدعى يولي يوئيل ادلشتاين.
فجأة، من دون مقدمات، مهّد غانتس لبقاء نتنياهو في موقع رئيس الوزراء. تراجع رئيس الأركان السابق عن كلّ ما وعد به في حملاته الانتخابية في ما يخص الانتهاء من زعيم تكتل ليكود «الفاسد» و«المرتشي» الذي لا يمتلك مؤهلات تسمح له بالبقاء في موقع رئيس الوزراء، خصوصا بعد توجيه العدالة اتهامات واضحة وصريحة اليه وتحديد موعد لمباشرة محاكمته. تأجل هذا الموضوع بسبب انتشار كورونا في إسرائيل بشكل غير متوقّع.


بين ابريل 2019 ومارس 2020، أجريت في إسرائيل ثلاثة انتخابات نيابية. كانت المنافسة أساساً بين تكتل ليكود الذي يتزعمّه «بيبي» وحزب «ازرق - ابيض» المعروف بتسمية «حزب الجنرالات» بزعامة غانتس. يضم هذا الحزب ثلاثة رؤساء سابقين للاركان هم غانتس وغابي اشكينازي وموشي يعلون. ركّز الثلاثة في الحملات الانتخابية الأخيرة لـ«ازرق - ابيض» على ضرورة اخراج «بيبي» من الحياة السياسية في إسرائيل.
ليس معروفاً ما الذي جعل غانتس يتراجع لمصلحة نتنياهو، علما انّه كان مكلّفا من رئيس الدولة رؤوفين ريفلين تشكيل حكومة. كانت لديه الأصوات الكافية لتحقيق هدفه، إلى ان تبيّن ان الهدف الحقيقي بالنسبة اليه عدم تشكيل مثل هذه الحكومة مع ما يعنيه ذلك من إبعاد لـ«بيبي» عن الحياة السياسية نهائيا. ثمّة أولوية أخرى لغانتس غبر انهاء الحياة السياسية لنتنياهو. تتمثّل هذه الاولوية باستبعاد عرب إسرائيل، وهم الفلسطينيون الذين بقوا في ارضهم بعد 1948، من أي دور سياسي، حتّى لو كان هذا الدور مجرّد دعم في الكنيست لحكومة برئاسة غانتس.
بعد انتخابات مارس الماضي، استطاعت الأحزاب العربية التي شاركت في الانتخابات بقائمة واحدة، هي «القائمة الموحّدة» من الحصول على 15 مقعدا في الكنيست. هذا رقم قياسي يحققه فلسطينيو 1948، اذ ان الكنيست تضم 120 عضوا. هناك نجم صاعد بين النواب العرب في الكنيست هو أيمن عوده. يمتلك الرجل عقلاً براغماتياً الى حدّ كبير، علما انّ بين النواب العرب الـ15، نائبين اسلاميين، او ثلاثة يرفضون أي تعاون مع حزب غانتس.
قبلت كتلة النواب العرب، بأكثرية أعضائها، دعم حكومة برئاسة غانتس. قبلت أيضا عدم المشاركة في هذه الحكومة. كلّ ما تريده هو إزاحة نتنياهو الذي لم يخف في السنوات الأخيرة انّ همّه الوحيد هو استمرار الاستيطان رافضاً أيّ رغبة في أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
تبيّن على ارض الواقع ان الحزبين الكبيرين في إسرائيل، أي تكتل ليكود و«ازرق - ابيض» يلتقيان عند أولوية تهميش عرب إسرائيل، أي تهميش كلّ فلسطيني من عائلة بقيت في ارضها وتمسّكت بها بعد 1948 لدى اعلان قيام دولة اسرائيل. هؤلاء الفلسطينيون موجودون في كلّ المناطق، في الجليل والمدن الساحلية مثل حيفا ويافا، وفي الناصرة. تبلغ نسبة هؤلاء 21 في المئة من عدد سكان إسرائيل حسب آخر إحصاء رسمي.
تدلّ إعادة الاعتبار الى «بيبي»، في هذه الظروف بالذات، على انّ هناك شيئاً ما يحضّر في اسرئيل. يمكن الكلام اوّلاً عن إصرار على بقاء فلسطينيي الداخل مهمّشين رغم انّهم مواطنون إسرائيليون يتمتّعون بكلّ حقوقهم. هذا يعني، بكلّ بساطة، ان اسرائيل ليست الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، كما تحاول ان تسوّق نفسها في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة.
لم يكترث غانتس الى الانقسام الذي وقع داخل حزبه في ضوء قبوله ان يكون رئيسا للكنيست. المهمّ بالنسبة اليه عزل فلسطينيي الداخل. يلتقي في ذلك مع نتنياهو. يلتقي معه أيضا في شأن كلّ ما له علاقة بأي تسوية مع الفلسطينيين.
يبدو رئيس الأركان السابق مستعدّاً لكل شيء، بما في ذلك لاعادة تعويم «بيبي» من أجل بقاء إسرائيل على خط تكريس احتلالها للضفّة الغربية فيما قطاع غزّة عزل نفسه بنفسه عن العالم بعدما فضّلت «حماس» الحصار الإسرائيلي على التخلّي عن امارتها الإسلامية.
كشف وباء كورونا، إسرائيل. هذا على الاقلّ ما يؤكّده ايهود أولمرت رئيس الوزراء السابق الذي وجه انتقادات شديدة الى كل من نتنياهو وغانتس في مقال نشره في صحيفة «جيروزالم بوست» قبل ايّام قليلة تحت عنوان: «ازرق وابيض؟ انّه اسود».
رسم اولمرت صورة قاتمة للوضع الداخلي. ركّز على ان نتنياهو الموجود على رأس الحكومة منذ سنوات عدّة استخدم عبارات قاسية لمنع غانتس من أي تعاون مع الأحزاب العربية. لاحظ أولمرت انّ «بيبي» ذهب الى حد وصف فلسطينيي الداخل بـ«الخونة الذين يدعمون الإرهاب والذين يسعون الى تدمير إسرائيل».
لاحظ أيضا انّ قادة «ازرق - ابيض» تجاهلوا في الحملات التي سبقت الانتخابات الثلاثة الاخيرة كلّ القضايا المهمّة. تجاهلوا العلاقة بالفلسطينيين وفرص عودة المفاوضات معهم. تجاهلوا أيضا المشاكل التي تواجه القطاع التعليمي الذي بنت إسرائيل عليه الكثير وزيادة عدد الفقراء والهوّة بين الريف والمدينة... وتراجع النظام الصحّي.
ظهر هذا التراجع بوضوح من خلال انتشار وباء كورونا وعجز النظام الصحّي عن مواجهته بشكل فعّال وصولاً الى الاستعانة بجهاز الموساد (المخابرات) من أجل تأمين المعدات الصحية من دول العالم المختلفة، بما في ذلك كوريا الجنوبية والصين!
بعيداً عن كلام أولمرت الذي لم يقدم على أي خطوة في خدمة التسوية المعقولة مع الفلسطينيين، من الواضح انّ هم الحزبين الكبيرين في إسرائيل تكريس الاحتلال والذهاب الى أبعد من قيام كيان فلسطيني شبه معزول في الضفّة الغربية. يريد الحزبان التجاهل التام لفلسطينيي الداخل تمهيداً ليوم تحدث في هجرة جديدة بالقوّة. ستطول مثل هذه الهجرة ما يقارب مليوني فلسطيني يقيمون حاليا داخل «الخط الأخضر» أي داخل خط حدود إسرائيل بعد 1948.
شكّل نتنياهو حكومة جديدة ام لم يستطع ذلك. لا تبشّر التطورات السياسية التي تشهدها إسرائيل بالخير. هناك شيء ما يعدّ لفلسطينيي الداخل، لعرب إسرائيل، كما هناك حلف غير مقدّس يقوم على فكرة انّ المخاض في المنطقة سيؤدي الى ولادة «إسرائيل الكبرى» من دون حاجة إلى أيّ حروب جديدة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي