No Script

رحلة في ذاكرة الكويت إلى البصرة وذي قار

5 أيام حافلة في ضيافة الجنوب العراقي

تصغير
تكبير

 «نحن بخير والدنيا بصرة» مقولة رددها الكويتيون سابقاً دليل علاقاتهم الطيبة مع البصريين

 محافظ البصرة أعرب عن ترحيبه بالمستثمرين الكويتيين وتقديم كل سبل الدعم

 محافظ الناصرية طمأن الجميع بأن الوضع الأمني في جنوب العراق أصبح مستقراً

 «الصحافيين العراقيين» شددت على تطوير التعاون الإعلامي من خلال الزيارات والأنشطة

 عدنا إلى الكويت حاملين انطباعات إيجابية عن مدن جنوب العراق

اتسمت حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بذكريات عطرة ميّزت العلاقات بين الكويت والعراق آنذاك على المستويات كافة، لاسيما الاجتماعية منها، وما رافقها من تلاقح ثقافي وعلمي بين الشعبين في مختلف المجالات، أسهم بشكل واضح في تطور البلدين الجارين، لكن لم يكتب لتلك الحقبة الاستمرار بسبب خطأ تاريخي ارتكبه النظام البائد بغزوه الحاقد للبلاد عام 1990. لكن ومع مطلع العقد الحالي، بدأ الجليد بالذوبان عن العلاقات الكويتية - العراقية، وأخذ البلدان يعيدان بناء ما تهدم سابقا على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ومعه عاد تبادل الزيارات الرسمية والشعبية، ودخل بالتوازي معها قطاع الإعلام على الخط، انطلاقا من دوره البنّاء والقادر على عكس صورة حقيقية تسهم في عملية التقارب بين الدول والمجتمعات.
ومن منطلق دورنا كإعلاميين ذهبنا في رحلة نظمتها جمعية الصحافيين، أخيراً، إلى محافظتي البصرة وذي قار، دامت لمدة 5 أيام، ضمت نخبة من الإعلاميين الكويتيين الذين نقلوا صورة حقيقية للمواطنين عن الأوضاع في مدن جنوب العراق.
انطلقت بنا الحافلة في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم الأحد 1 الجاري، متوجهة بنا نحو الحدود الكويتية - العراقية للعبور من منفذ العبدلي باتجاه البصرة الواقعة على شط العرب والتي تشترك مع الكويت وإيران والسعودية بحدود دولية، وفي الطريق انطلقت بذاكرتي مستعيدة تلك الصور الجميلة عن علاقتنا الوطيدة مع سكان جنوب العراق وأهل البصرة تحديداً، باعتبارها الأقرب إلينا من حيث العادات والتقاليد، والمصيف الأول للكويتيين ومركزا لتسوقهم واستراحتهم آنذاك، حيث امتلك معظمهم البيوت والعقارات، خاصة في منطقتي الزبير وأبو الخصيب منذ ما يقارب الـ 100 عام، وشدتهم إليها العلاقات الاجتماعية مع أصدقائهم وأقاربهم البصريين، في حين كان أبناء التجار يتوجهون إليها لإكمال تحصيلهم العلمي (قبل إنشاء جامعة الكويت) في جامعتها التي تأسست عام 1964 وتضم أكثر من 10 كليات، كما رافق هذا التواصل ازدهار للعلاقات الأسرية، والاجتماعية، والتجارية والسياحية بين البلدين، وشجع الكثير من الأسر الكويتية على الإقامة الدائمة في البصرة حينها، إلى أن دمّر النظام البائد كل ما بُني بغزوه للكويت في عام 1990، تلك الحادثة التي نتمنى نسيانها تماماً لنبدأ بفتح صفحة جديدة مشرقة بين الشعبين.
بعد ساعة تقريبا من سير الحافلة، وصلنا منفذ العبدلي، ثم توجهنا سيراً على الأقدام باتجاه منفذ سفوان العراقي، وعند وصولنا كان في استقبالنا معاون محافظ البصرة ونقيب الصحافيين العراقيين وقنصل عام الكويت في المحافظة، إضافة إلى عدد من أعضاء النقابة، حيث توجهنا بعد الاستقبال إلى فندق (شيراتون البصرة) المطل على شط العرب، وفي الطريق بدت لنا ثورة العمران في المدينة التي عادت لتفيض بالحيوية، كيف لا وأهل البصرة يمتلكون القدرات العقلية والمادية؟ وعند وصولنا إلى الفندق، قابلَنا أطفالاً بدأوا ينشدون الأغاني الوطنية ويلوحون بالعلمين الكويتي والعراقي، إذ كان استقبال البصريين لنا استقبالاً صادقاً، لاسيما أننا أول وفد كويتي يزور محافظتهم منذ 30 عاماً.
وعقب استراحة قصيرة في الفندق، باشرنا بأنشطتنا وتوجهنا إلى مقر نقابة الصحافيين العراقيين، حيث شاركنا بأمسية حوارية ناقشنا خلالها أهمية تطوير العلاقات بين البلدين، ونسيان الماضي الأليم، إضافة إلى الحديث عن الصحف والإصدارات الثقافية الكويتية التي كانت متنفسا لهم زمن النظام البائد.

عسل وخبز التنور
في صباح اليوم التالي، كان ينتظرنا إفطار مميز، شمل القيمر العراقي مع العسل وخبز التنور الساخن، وجبة «الباجة» التي تعتبر من الوجبات العراقية الشهيرة، لنلتقي بعد ذلك محافظ البصرة الذي استقبلنا بحفاوة بالغة، وبحثنا معاً أملاك الكويتيين في المحافظة، حيث أكد لنا «أنها محفوظة ولا يمكن التلاعب فيها أبداً»، عقب ذلك التقينا رئيس مجلس المحافظة واستعرضنا معه العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، حيث لمسنا من المسؤولين البصريين حرصهم على ضرورة تطوير التقارب بين البلدين على المستويين الشعبي والحكومي بعد سنوات من القطيعة.
 لا يوجد ما يمنع هذا التقارب، خاصة أن هذه العلاقات لا تحكمها الجيرة فقط، بل هي علاقات قائمة على القُربة والنسب والتجارة، وكان الكويتيون قديماً يجلبون موادهم الغذائية من تمور ودقيق وأرز ومياه من هناك، إضافة إلى تواجدهم الدائم لشراء العقارات والأراضي الزراعية، بينما كان بعضهم الآخر طلاب علم، والدليل على هذا التقارب بين الشعبين، كانت هناك مقولة جميلة يرددها الكويتيون دائماً عندما يسأل أحدهم الآخر كيف حالك؟ يجيبه (نحن بخير والدنيا بصرة)، إشارة إلى أن الحال بخير وبنعمة. وعند الظهيرة، لبّينا دعوة غداء نظمتها على شرفنا نقابة الصحافيين، على متن سفينة سياحية جابت بنا شط العرب.
في اليوم الثالث من رحلتنا، انطلقنا باتجاه محافظة ذي قار الغنية بالنفط وبالمواقع السياحية والأثرية، حيث التقينا محافظها الذي استقبلنا بحفاوة، وناقشنا معاً العلاقات وأملاك الكويتيين في المحافظة، وكنظيره البصري، أبدى لنا «حرصه على عقارات الكويتيين لديهم، واستعرض أمامنا فرص الاستثمار الواعدة في المحافظة ومقوماتها لتكون جاذبة للكويتيين مع ما يمكن تقدميه من تسهيلات كبيرة واستثنائية لهم»، عقب ذلك التقينا رئيس مجلس المحافظة الذي أكد لنا أن «الأبواب مفتوحة أمام الأشقاء في الكويت، وشدد على أن زمن العداوة قد مضى وجاء دور العلاقات الطيبة مع الجميع»، لنختتم يومنا بجولة في مدينة (أور) السومرية الأثرية.
نظمت نقابة الصحافيين العراقيين في اليوم الرابع، رحلة سياحية للوفد إلى مناطق الأهوار في الجبايش التي يصفها البعض بـ«بندقية الشرق»، (المدينة العائمة على سطح الماء والغنية بالنباتات العشبية)، والتي جففها النظام البائد عن طريق إقامة السدود، عقابا لأهالي الجنوب الذين عارضوا حكمه بعد فشله ببسط سيطرته على المنطقة، لتتحول أجزاء كبيرة منها إلى أراضٍ قاحلة، وبعد هذه الرحلة، لبينا الدعوة على وليمة غداء كبيرة أقامها على شرفنا سيد قاسم الحسيني.
أخيرا، حان موعد عودتنا إلى البلاد، حزمنا أمتعتنا وتوجهنا إلى مدينة سفوان الحدودية، وكنا على موعد لتلبية دعوة غداء أقامها على شرفنا الشيخ جاسم بدر الرميض حفيد الشيخ بدر الرميض شيخ مشايخ قبائل بني مالك وآل بوصالح الذي حارب الاستعمار الانكليزي وذاع صيته في الجزيرة العربية بأكملها آنذاك.
في المجمل، كانت الرحلة إلى مدن جنوب العراق مفيدة وممتعة، كسرت الجليد على العلاقات المتقطعة منذ 30 عاماً، حيث حظي الوفد بحفاوة بالغة وكرم من الإخوة العراقيين على المستويين الشعبي والحكومي، كما رحب بنا المواطنون هناك ودعونا إلى زيارة دواوينهم ومضايفهم، كما خرجنا من هذه الرحلة بنتائج إيجابية تصب في مصلحة البلدين والشعبين، تتلخص بحرص الجميع على تطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة، وعلى مختلف الأصعدة، من خلال تقديم مقترحات تدفع باتجاه علاقات قوية أبرزها، إنشاء ملحقية تجارية في السفارة العراقية لدى البلاد تقدم التسهيلات الممكنة للمستثمرين الكويتيين الراغبين بالاستثمار في العراق.

على الهامش

البصرة والتاريخ

بُنيت البصرة في عام 636 ميلادي أو 15 للهجري، وكانت من أعظم بلاد العالم الإسلامي قبل بناء بغداد، لذا كانت من أشهر المدن في الأدب والعلم، شيد فيها العباسيون مباني معمارية جميلة وقصوراً ومساجد، لذلك هي مدينة راسخة بأعماق التاريخ، كما أنها الميناء الرئيسي والوحيد للعراق، حيث بدأ مطارها العمل عام 1936، وتشتهر بزراعة النخيل وغيره، نتيجة لالتقاء نهري دجلة والفرات حيث يصبان معاً في شط العرب، فهي الماء والموقع والنفط والحضارة والتاريخ، وهذا ما نراه ونشعر به عندما نتجول بشعابها.


رحلة شط العرب

كان تناول الغداء على متن سفينة سياحية جابت بنا شط العرب تجربة رائعة، حيث المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة، أبحرنا بين الماء الصافي وزرقة السماء الملبدة بالغيوم، على أنغام الفرقة الشعبية العراقية الجميلة، وفيما كنا نبحر ببطء بدأت تظهر أمامنا أشجار النخيل على الضفاف، كما بدت على الجانب الآخر 4 قصور كان يقيم فيها رئيس النظام البائد، واتخذت حكومة البصرة أحدها متحفاً، وتطل على النهر نظراً لطوله مدن عراقية كالبصرة وأبو الخصيب والفاو، أما من الجانب الإيراني فتظهر مدينتا المحمرة وعبادان، لكن ما يهدد هذا النهر الجميل هو بناء السدود على مجراه في الدول المجاورة، ما يؤدي إلى انخفاض نسبة المياه وزيادة ملوحتها، وبالتالي تعرض جميع الكائنات الحية في مياه الخليج العربي إلى الخطر، من بينها كائنات جون الكويت.

 الأعجوبة السومرية

خلال زيارتنا، نظمت نقابة الصحافيين العراقيين، رحلة إلى مدينة (اور) السومرية الأثرية المصنفة على لائحة التراث العالمي والتي يعود تاريخها إلى 5 آلاف عام قبل الميلاد، حيث شيد الحاكم السومري (اورنمو) معبد الزقورة الذي يعتبر أقدم فكرة للبناء المدرّج في التاريخ، إذ إنها أقدم من أهرامات مصر والمكسيك والبيرو، وكل من يزور الموقع يشاهد كيف أن تشييدها تم بطريقة هندسية رائعة، يميل فيها البناء باتجاه الداخل كلما زاد ارتفاعاً، ما اعطاها قوة شديدة لمواجهة عوامل التعرية طوال تلك السنين، كما تضم المدينة بيت نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام والذي يقع بالقرب من الزقورة التي يزورها عشاق الآثار، والتي شهدت اختراع أول عجلة وسنت أول القوانين وخط الحرف الأول في تاريخ البشرية.

كرم حاتمي

العراقيون أهل كرم، شاهدناه خلال رحلتنا في أكثر من مكان زرناه، لاسيما خلال دعوة الغداء التي لبيناها في مضيف سيد قاسم الحسيني، وشملت موائد المفاطيح «الخراف» على طول المضيف، والأسماك المشوية والدجاج والخضراوات والفواكه بأنواعها، ودرجت العادة لديهم بعدم دخول المرأة للمضيف، إلا أنهم استثنونا بصفتنا وفداً جماعياً زائراً، وراقبت عند دخولي المكان الطريقة الهندسية الدقيقة التي بني بها باستخدام أعواد القصب، وتعد من أقدم أشكال العمارة المتوارثة في الأهوار منذ الحضارة السومرية وكلفة تشييدها عالية جداً، قابلها وليمة مماثلة أقامها على شرفنا الشيخ جاسم بدر الرميض.


الوفد الإعلامي

ضم الوفد الذي زار مدن جنوب العراق، كلا من الإعلاميين: رئيس تحرير جريدة الأنباء يوسف المرزوق، أمين سر جمعية الصحافيين ونائب رئيس تحرير جريدة «الأنباء» عدنان الراشد، المحامية والكاتبة فوزية الصباح، نائب المدير العام لقطاع التحرير رئيس تحرير وكالة (كونا) سعد العلي، رئيس تحرير جريدة (كويت تايمز) عبدالرحمن العليان، مدير تحرير في (كونا) كوثر الغانم، رئيس قسم المحليات في جريدة (القبس) إبراهيم السعيدي، المستشار الإعلامي في ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء حسن الصايغ، أمين عام مساعد المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي، الصحافية زينة فتحي والمصور هاني الشمري.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي