No Script

«ثورة لبنان»... والسيناريوهات الغامضة في 2020

No Image
تصغير
تكبير

شكّلت «ثورة 17 أكتوبر» في لبنان نجمةَ الـ 2019 بلا مُنازِعٍ بعدما خَرَجَ طوفان الناس إلى الشارع والساحات والميادين في حركةٍ شعبية - مدنية غير مسبوقة احتجاجاً على واقع مأسوي في السياسة والاقتصاد والمال دَفَعَ البلاد إلى شفير انهيارٍ مُريع.
نجحتْ الثورةُ البيضاء، العابرة للطوائف والمناطق، في اندفاعتها الأولى، في إسقاط الحكومة وتحوّلتْ «صوتَ ضميرٍ» يُعْلي المحاسبةَ والمساءلةَ، لكنها أصيبتْ بعد 77 يوماً بـ «خفوتٍ» كأنها في حال «ربْطِ نزاعٍ» مع الـ 2020 الأكثر سوداوية.
ومع اشتعال الساحات بـ «الإرادة والفرح» ليلةَ التسلّم والتسليم بين الـ 2019 و2020، فتحتْ «الراي» البابَ أمام مجموعةٍ من المثقفين والناشطين والباحثين لطرْح مقارباتهم لمعنى الانتفاضة وواقعها ومصيرها في بلادٍ يختلط فيها المحلي بالإقليمي وتُقتاد نحو سيناريواتٍ غامضة.

لا مساعَدة دولية لحكومةٍ يسيطر عليها «حزب الله»

| سامي نادر * |

التحدي الأساسي اليوم هو إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي، والسؤال هل الحكومة الجديدة إذا تم تشكيلها قادرة على الإنقاذ الاقتصادي؟ والجواب أنه إذا بقيت الأمور على ما هي اليوم سيكون ذلك أمراً صعباً.
فمعايير النجاح لهذه الحكومة ليست متوافرة فيها. ورغم كل الجهد الذي يوضع للترويج لها مثل القول إنها حكومة مستقلين واختصاصين، إلا أن انطلاقتها أظهرتْ أنها حكومة اللون الواحد وصُوّرت في الاعلام العربي والغربي على أنها مدعومة من «حزب الله»، وبالتالي ستكون أمامها أكثر من عقبة كونها محسوبة على «حزب الله»، ولن تحصل على مساعدات غربية أو عربية لإنقاذ لبنان من المأزق الاقتصادي، علماً أن المساعدات الدولية تبقى الورقة الأخيرة المتاحة لوقف الانهيار وليس تَلافيه لأننا دخلنا فعلياً مرحلة الانهيار.
ومن هنا لا فارق كبيراً بين تشكيل الحكومة أو عدم تشكيلها، إلا إذا حلّت أعجوبة ما وجرى تأليف حكومة تستطيع استعادة ثقة اللبنانيين كما المجتمع الدولي وتواكبه في مهمة الإنقاذ. ولكن مع الأسف مثل هذا الاحتمال بعيد، ولذلك لبنان مقبل على أيام صعبة ولا سيما في الأشهر الثلاثة المقبلة، إذ هناك استحقاقات داهمة من دون أن نصل إلى القعر. وربما عندما نبلغه تستفيق بعض الضمائر ويتم تشكيل حكومة قادرة على وضْع لبنان على سكة الإنقاذ.
لبنان لم تعد لديه موارد مالية حتى يَخْرج من أزمته بقواه الذاتية، ولذلك أقول إننا نحتاج إلى الخارج ولا بد من تأمين الحد الأدنى من الشروط السياسية حتى يساعد المجتمع الدولي بلدنا، ومن هنا فإن حكومةً يسيطر عليها «حزب الله»، وهو مصنّف كتنظيم إرهابي في الغرب، لن تستطيع إنقاذ البلد.
لبنان مقبل على مجاعة، ونرى مؤشرات ذلك في عمليات انتحار مواطنين وإغلاق المصارف، والأمور ذاهبة الى مزيد من التفاقم ومن مظاهر العنف لأن المشكلة تكبر ولا تُعالَج. السيولة غير متوافرة في المصارف، والمواطن تتراجع قدرته الشرائية، والليرة خسرت 30 في المئة من قيمتها والأسعار ارتفعت بنحو 30 في المئة، أي أن المواطن خسر من 60 الى 70 في المئة من قدرته الشرائية، وهناك إفقارٌ سيتحوّل مجاعة.
هناك أيضا مزيد من التصعيد في العقوبات الأميركية. صحيح أن هناك محادثات بين إيران وأميركا في السرّ، ولكن يكفي قراءة ما يصدر عن مسؤولين أميركيين من فرْض مزيد من العقوبات على طهران والأجهزة التابعة لها. وهذا لا يعني أنه لا يمكن حصول خرْق بالتوصل الى اتفاق وتسوية قبل الانتخابات الأميركية وهذا يتوقف على إيران التي تعاني ضغط العقوبات.
الثورة اللبنانية اليوم أمام تحديات كبيرة، أوّلها مواجهة محاولات إحباطها عبر الالتفاف عليها أو تسييسها، واتهامها بالارتباط بالخارج. الثورة لم تفرض قياداتها، إنها ثورة دستورية، وبالتالي هناك محاولات لن تنجح لتقسيمها واستيعابها، لأن محرّكها هو الوضع الاقتصادي الاجتماعي، من دون استبعاد إمكان أن تتخذ الأمور مجرى عنفياً نتيجة تردّي الأوضاع.

* مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية في بيروت

سنجوع ونتعلّم كيف نواجه الطوائف السياسية

| دلال البزري *|

صعبٌ أن تنتصرَ ثورةٌ بعد ثلاثة أشهر على اندلاعها وخصوصاً إذا كانت لبنانية، أي مرهونة بعامليْن جوهرييْن. الأول مواجهتها لعدد من السلطات المحلية، غير متساوية من حيث الشكيمة، لكنها متشابهة بطرق الحفاظ على موقعها وحماية امتيازاتها والفرار من المحاسبة على فسادها. أي أن الثورة من هذه الزاوية تواجه ثورات مضادة لا ثورة مضادة واحدة: متداخلة، متلاعبة، ذات أقنية تَواصُلية شديدة التنو.
أما الزاوية الثانية، الأقل سهولة ربما من الأولى، فقوامها التداخل الخارجي مع الأطراف المحلية لهذه السلطات، في صيغةٍ تتفاوت بين التبعية المعلَنة والتامة إزاء قوة إقليمية، وأقصد هنا «حزب الله»، ثم صيغة أخرى أقلّ استقراراً ووضوحاً، تتجسد في علاقةِ تبعية أيضاً مع الطرف العالمي الذي يقود حرباً مؤجَّلة مع إيران، أي الولايات المتحدة ومعها المجموعة الأوروبية.
وما يعقد هذه الثنائية، العرب وإيران، هو انضمام روسيا إلى نادي المقرِّرين في الشأن اللبناني، وربما من بعدها الصين التي تخوض مع الولايات المتحدة حرباً تجارية ضروساً، وتعِد نفسها بأن تحتلّ في السنوات المقبلة موقع الاقتصاد الأول في الأرض. وقد يكون الجديد في عهدنا مع الولايات المتحدة أنها لم تكن يوماً على هذه الدرجة من الغموض والتقلّب والتذبذب، ما يضاعف من حجم ضررها علينا وعلى العالم كله. فلو كانت دولة وديعة، صغيرة، لا تملك السيطرة والقرار على الأمم الأخرى ولا السلاح الأول، لكانت الأضرارُ معدومةً أو ثانوية. أما أن تُمْسِك بقرارك، أو بجزء وافر منه، دولةٌ لا تعرف حلفاء ولا تملك رؤية، ولو امبريالية صريحة، ولكنها في الوقت نفسه تستطيع أن تقتل أينما كان، فهذا ما يزيد من التعقيد والاستعصاء اللبنانيين، ومن السدود بوجه الثورة.
في 2020 سنجوع كما جعنا في الحرب العالمية الأولى. وقد نتعلّم من هذا الجوع كيف نواجه الطوائف السياسية اللعوب، وكيف نحيّد التدخليّْن الإيراني والأميركي. وهذه معركةٌ طويلة ستكون انتصاراتُها بالتقسيط، حجرة فوق حجرة، وليس على طريقة الثورات الدموية الانقلابية، التي كان يفضل للجميع ألا تحصل وألا تنتصر.

كاتبة

طلقةُ الرحمة تنتظر صافرةَ الانطلاق

| مكرم رباح *|

مع دخول الثورة اللبنانية شهرها الثالث، ساد الجو العام نوع من الملل والقنوط بسبب تَعَنُّتِ السلطة السياسية الحاكمة، ورفْضها الانصياع لأصوات اللبنانيين المُطالِبين بالانتقال إلى نظامٍ سياسي واقتصادي حديث يحفظ لهم كرامتَهم وعيشَهم الكريم.
المرحلةُ الحالية من الثورة تُشْبِه إلى حد بعيد الترقّب والحذَر في الخنادق الأمامية من الحرب العالمية الأولى، حيث يترقّب الثوار صافرةَ إعلان بداية الهجوم على الطبقة الحاكمة التي ما زالت تحاول حتى اللحظة استخدام شتى الطرق، من خداعٍ وترهيبٍ وإفقارٍ واستغلالٍ للإعلام المحلي، لكسْر الثورة. وهنا يُطرح ألف تساؤل حول العامل أو بالأحرى الصافرة التي ستَفْتَح أبوابَ جهنم على الطغاة والفاسدين، وتجعل من هذه الثورة جسراً للعبور نحو لبنان قوي يُشكِّل أبناؤه جهازَ مناعةٍ ضدّ فساد النظام وأسياده المرتهَنين للمال والجشع.
بكل بساطة وسوداوية، الصافرة أو طلقة الرحمة على النظام هي الانهيارُ الاقتصادي الكامل الذي من شأنه أن يُجَيِّشَ الشعبَ اللبناني بأسْره، وعلى رأسهم المُنَظَّرون من جمهور الأحزاب الحاكمة، للنزول إلى الشارع، ليس للاحتجاج هذه المَرّة فحسب بل لاقتلاع سادتهم السابقين الذين وباسم الدين والجماعة والعشيرة فقّروا البلاد والعباد، وما زالوا يصرّون على نهْبِ ما تبقى.
الثورةُ اللبنانية مصيرُها النجاح، ليس بسبب قوّتها الذاتية فحسب، بل نتيجة انحطاط خصومها ووضاعتهم الأخلاقية والسياسية، وإثباتهم عند كل اختبار أنهم لا يملكون حلاً للانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل سوى استجداء المجتمع الدولي والأشقاء العرب، والايحاء لهم بأن إدمانهم على الفساد هو مرَضٌ عضال يمكن معالجته.
وإلى أن تدقّ ساعة الصفر وتنطلق الصافرة، على كل مواطنٍ ومواطنة لبنانية الاستفادة من لعبة الانتظار والملل عبر مراجعة خياراتهم السياسية عبر السنين، وإحداث ثورة على الذات تتكلّل انتصاراً بلبنان العظيم.

كاتِب وأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت

الحكومة ستفشل والشارع إلى تصعيد جديد

| ماهر أبو شقرا *|

الحديثُ عن المستقبل لا يمكن أن يكون بمعزل عما حققتْه الثورة من أهدافها، وما هو مطلوب منها اليوم لوضع سيناريوات المرحلة المقبلة. ما حصل في لحظة «17 أكتوبر» هو التقاء مساريْن، الأول المسار الشعبي الذي من خلاله عبّر الناس عن أوجاعهم ووجدانهم الجَماعي في ظل المعاناة التي يعيشونها نتيجة سلوكيات الطبقة الحاكمة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية وخياراتها السياسية والمالية وغيرها. ولذلك احتجّ الناس على هذا الواقع، وهذا المسار التقى مع آخَر تقوده مجموعاتٌ تحمل حلولاً سياسية وقانونية ودستورية وغيرها، وهي مجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية خارج السلطة.
وبالتقائهما ولّد هذان المساران حركة شعبية كبيرة ضاغطة. وعملياً كان هناك للمرة الأولى تعبيرٌ حقيقي نابِع من الناس. كما كانت هناك خريطة طريق لحلّ الأزمة طرحتْها المجموعات السياسية، مثل إسقاط المنظومة الحاكِمة السياسية والاقتصادية، بدءاً من الحكومة والمطالبة بتشكيل حكومة مستقلّة من أجل إدارة الأزمة الاقتصادية، وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة وفق قانون انتخاب عادل، وأيضا استقلالية القضاء كي يكون قادراً على المحاسبة.
ولاحقاً، شهدنا تراجعاً طفيفاً في حجم النزول إلى الشارع، ومردّ ذلك إلى تطوُّر الأزمة الاقتصادية وتمسُّك القوى السياسية ومجموعات المجتمع المدني بالحلول التي طرحتْها، وهذا ما أدى إلى انفصال المساريْن، فالمجموعات السياسية ما زالت على الخطاب نفسه، وفي المقابل المسار الشعبي المنشغل بالمسائل الملحّة التي فرضها الوضع الاقتصادي المتردي، صار عملياً أقرب إلى تقديم تنازلاتٍ سياسية مقابل رفع السقف بالأمور الاقتصادية والمعيشية. فانفصل المساران وحصل انكفاء فئات عن الشارع، لكن الصيرورة الثورية مستمرّة وستكمل.
المتوقَّع اليوم، في حال تشكلتْ الحكومة أنه سيكون هناك جزء من الشارع الشعبي سيقبل التفكير بإعطائها فرصة. علماً أنه على الأرجح لن يتم تأليف حكومة تُحْدِث أي تغيير جذري في السياسات الاقتصادية والمالية، بل ستكون حكومة تخدير وستفشل في توفير حلولٍ للأزمة، وبالتالي ستعود الانتفاضة اللبنانية أقوى. ربما في الربيع المقبل أو أواخر 2020.

* ناشط سياسي - مؤسِّس مجموعة «لِحَقّي»

الموجة الثورية الثانية ستكون أقوى

| زياد عيتاني *|

حققتْ الثورة أموراً كثيرة، منها فضّ التسوية الرئاسية التي كانت عاملاً سلبياً لما انطوت عليه من محاصصة سياسية «كربجت» البلد كلّه، وبالتالي كانت كل الأمور تدار بالكيدية السياسية.
لقد قلبت الثورة المشهدَ السياسي وشكّلت صدمة لأحزاب السلطة. ومن إيجابياتها أنها رسخت المحاسبة في وعي الناس. الكل صار يتحدث عن ملفات الفساد وضرورة المحاسبة، لكن هذه السلطة تحايلت على الثورة في مكانٍ ما بسبب قدرتها على التنويع في المناورات السياسية التي قامت بها، وهذا ما انعكس سلباً على الشارع.
في البداية قامت السلطة بتجاهُل الثورة ومَطالبها على مدى شهرين، ولم تضع أيّ خطة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى زيادة الاختناق الاقتصادي، وسيتضح للناس أن هذه السلطة عاجزة عن الحلّ وغير قادرة إلا على محاصرتهم اقتصادياً عبر لعبة المصارف وغيرها، وصارت التداعيات تَظهر في البيوت عبر زيادة نسب البطالة وتَصاعُد نسبة الفقر وتدهور الأحوال.
وأدّت التوقيفات التي جرت بحقّ الناشطين في المجتمع المدني والبلْطجة التي مارستْها السلطة عبر ميليشيات أحزابها في كل المناطق اللبنانية، في بيروت وجَلْ الديب وصور والنبطية وصيدا وطرابلس وعاليه وبرجا وبعلبك والبقاع الغربي وغيرها، إلى خوف الناس. والأخطر أن الورقة التي تم استخدامها من السلطة عبر إعادة تحريك الطائفية والمذهبية، تهدّد بالفتنة.
من هنا يمكن أن تكون هناك مرحلة جزْر في الثورة بعد مدٍّ مشهود. لكن هذا لن يستمرّ طويلاً لأن الازمة الاقتصادية تفرض نفسها، ولن يفلت من عقباها أحد بل ستطال الجميع، وعندئذ سيتكشّف أن ما تقوم به السلطة السياسية مجرد مناورة وأنها لا تملك الحلول. فمن الواضح أن المجتمع الدولي منكفئ عن أي مساعدة مادية للبنان وأن السلطة السياسية الموجودة لا تملك أي جسور تواصل مع الخارج، وهي لا تريد الضغط على القضاء من أجل فتْح ملفات الفساد ومحاكمة الفاسدين لاسترداد الأموال المنهوبة، فالفساد هو في صلبها. والأمر أشبه بحجارة الدومينو، إن سقط حجر سيسقط وراءه الجميع. وبما أن السلطة لا تملك الحلول فالأكيد أن الأزمة الاقتصادية المقبلة ستعصف بالجميع. وما تقوم به السلطة سيمهّد إلى الموجة الثورية الثانية التي ستكون أقوى من التي شهدناها.

ممثل مسرحي

ليس بالإمكان تَجاوُز شعارات الانتفاضة

| حسان القطب *|

جمعتْ الانتفاضة الوطنية اللبنانية مختلف أطياف الشعب اللبناني ومكوّناته الدينية والسياسية، نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والاهتراء السياسي، تحت شعار (كلن يعني كلن). وهي لا تزال مستمرّة رغم محاولات إخمادها بالقمع والتخوين والاعتداء، أو بالسعي لتحويلها إلى صراع مذهبي وطائفي.
ومع دخول سنة 2020 نرى أن الانتفاضة رسمتْ مساراً ونهجاً وعناوين لا يمكن تجاهلها من القوى السياسية، وأبرزها انكفاء بعض الرموز عن المشهد السياسي وحتى الشعبي وعن التوزير في الحكومة المقبلة، وعدم قدرة القوى السياسية على تَجاوُز الشعارات والعناوين التي رفعتْها الجماهير المنتفضة، وترسيخ الوحدة والشعور الحقيقي بالإنتماء الوطني لا الديني والمذهبي، وعدم إمكان تجاوز المُطالَبة بإعادة المال المنهوب ومحاسبة الفاسدين، وتَحَوُّل إجراء انتخابات نيابية مبكّرة جزءاً من عناوين الانتفاضة ومَطالبها الأساسية.
أهمّ مشكلة يواجهها الرئيس المكلف هي الاستجابة لمطالب المُنْتَفضين، ولذلك على الحكومة التي ستتشكل، سواء برئاسة حسان دياب أو غيره، الالتزام بتحقيق المَطالب وهي لا شك صعبة المعالَجة، لأن القوى السياسية لن تقبل بخسارة حضورها وسيطرتها على الواقع اللبناني، وخصوصاً «حزب الله» المُعارِض الأوّل للانتفاضة، لأن مطالبها تُفْقِدُه الهيمنة المباشرة على السلطة التنفيذية. وقد أكد الحزب باختياره تكليف دياب أنه مُمْسِكٌ بالسلطات الثلاث في لبنان، من حيث التسمية والأداء، لكن المعارضة الشعبية ما زالت مستمرة وإن بوتيرة متفاوتة، ما يجعل هذا الحزب المهيْمن على الملف السياسي أمام معضلة حقيقية.
وفي حال اعتذار دياب عن عدم تشكيل الحكومة قد يشكّل ذلك خسارةً محدودة لحزب الله، الذي يسعى لإعادة الاستقرار للنشاط الحكومي بأسرع وقتٍ لضمان استقرار نفوذه. وإذا قام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة وحاز على ثقة مجلس النواب واستمرّت المعارضة الشعبية في ظلّ عدم تجاوبٍ وتعاونٍ إقليمي ودولي معها، فهذا يعني أن الوضع المالي سيبقى متأزماً وستشتدّ المعارضة الشعبية مع تَفاقُم الأزمة الاقتصادية، وتالياً ستكون المواجهة بين المُنْتَفضين وحكومة «حزب الله» التي تتحمل كامل المسؤولية. ولذلك يسعى الثنائي الشيعي لإقناع كل القوى بأن تتمثل في الحكومة المقبلة، بمن فيهم تيار «المستقبل» الذي رفض المشاركة، إلى جانب «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية».

مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

الثورة تتجذّر وإيران لن ترفع يدها بسهولة

| منى فياض *|

الثورات هي صيرورات، ومن الصعب القول إنها ستنتصر سنة 2020. التغييرُ الحاصل عميقٌ جداً، ويتمّ بضرباتٍ صغيرة وعلى فترات طويلة إلى أن تتراكم المتغيرات، وفجأة ينفجر الوعي ويتحقّق التغيير ولا تعود هناك إمكانية للعودة إلى الوراء. فبعد 100 سنة من تكوُّن لبنان، تَوَصَّلَ اللبنانيون بعد تجارب مُرة ولا سيما في الأعوام الـ15 الأخيرة إلى أهمية التغيير، ومَن كان متردِّداً ويلوم جزءاً من السلطة، ظَهَرَ له أنه عندما تسلموا السلطة جميعاً بطريقةٍ توافُقية تبيّن أنهم متكاتفون وسلطة واحدة، إذ وصل التردي إلى مرحلة غير مسبوقة. لقد حصل وعي ولا يمكن العودة عنه.
اللبنانيون هذه المَرّة قدّموا وطنيّتهم على أي ولاءاتٍ حزبية أو طائفية كانت تُستخدم كذريعة لتقسيمهم من أجل الهيْمنة عليهم، رغم أن التغيير الذي حصل بدّل في الناس لكنه لم يُغيِّر في السلطة، فلا توجد سلطة تتغيّر بسهولة.
حققتْ الثورة الكثير من المكتسبات، ولم تغيّر رئيس الحكومة فقط بل أجبرتْ السلطة ولو شكلياً على تلبية مطالب الشارع. وجاء معبّراً جداً نجاح ملحم خلف في انتخابات نقابة المحامين وتحريكه للمحامين وقيام جهاز رقابي يستطيع الدفاع عن اللبنانيين، وستكون هناك مراقبة ومحاسبة لم تكن موجودة سابقاً. كما أن الفساد ضُبط، وإن نتيجة خجلٍ وليس قناعة، ولكن المراقبة والمساءلة صارت علنية من الثوار.
هناك أزمة مالية وبنيوية واقتصادية في لبنان، وثمة ممارساتٌ من البنوك تتكشف يومياً، ومن المفترض متابعة هذه الملفات داخلياً وملاقاة الاستعدادات من دول الغرب للمساعدة في مسار ملاحقة الفساد وتَقَصّي تهريب الأموال إلى الخارج. والثورة ستنتقل إلى مرحلة ثانية، والأرجح حصول عنف مجتمعي، لأن التقديرات تشير إلى إمكان حصول مجاعة، فالوضع صعب جداً، والدول قد تساعدنا بالغذاء وليس بأي شيء آخَر.
لا يمكن للثورة أن تتوقف، بل ستخضع لامتحانات كثيرة، والنبرة التي خرج بها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تشير إلى أنه ستكون هناك صعوبات أكبر أمام الرئيس المكلف حسان دياب في تشكيل الحكومة، كما أن إغلاق الروس للحدود مع لبنان، يعني أنه لن يكون هناك تهريب وإدخال مواد من سورية إلى لبنان أو العكس. وإن صحّ هذا الأمر فهناك اختناق اقتصادي وتضييق على «حزب الله»، وكلما تَأَزَّمَ الوضعُ فإن الثورة ستتجذّر أكثر.
لا شك أن الوضع مُقْلِقٌ، فالاستحقاقات التي ستواجه الطبقة الحاكمة كبيرة، «حزب الله» وإيران لن يتركا لبنان بسهولة، وردود فعلهما لا يُعرف إذا كانت ستتسم بشيء من الحكمة، مع أنني لا أرى ذلك. ونحن جزء من الوضع الإقليمي المترابط مع الوضع الدولي، وواقعنا يرتبط في جوانب منه بما سيكون عليه الوضع في العراق وإيران. ومن حسنات ما أنْتجته الثورة، هو التضامن اللبناني الداخلي الذي وصفه أحد مسؤولي جمعية «فرح العطاء» بأنه «خيالي».

* باحثة وكاتبة

ما طرحتْه الثورة الحلّ الواقعي الوحيد

| أديب نعمة *|

من الطبيعي بعد أكثر من شهرين في الشارع أن يخفّ حجم الحِراك وألا يبقى على الوتيرة نفسها، وهذا لا يعني أن الثورة تتراجع، بل على العكس، الثورة مستمرة في الساحات وما زالت موجودة في كل المناطق، وهناك مقاومة لمحاولات السلطة القضاء عليها.
ومن الطبيعي أيضاً أن يكون الناس في حال ترقب، وتشكيل الحكومة لن يخفّف من حركة الشارع، بل مع تأليفها أتصوّر أن يقوى الحِراك لأن رئيس الحكومة، بغض النظر عن موقفه السياسي ومَن أتى به، هو شخصية ضعيفة جداً، ومن المتوقّع أن يكون الوزراء أضعف منه. ولذلك ليس هناك وهم لدى الناس بأنها ستلبي الحاجات.
ما سنراه في السنة الجديدة ربما هو استمرار أزمة إعادة انتاج مؤسسات السلطة، لأن الحكومة لن تنال ثقة الناس، في حين أن أحزاب السلطة لن تستطيع استعادة التحالفات القديمة أو إحياء التسوية الرئاسية التي احتاجت إلى سنوات كي تتم، أو تجديد ما يشبهها.
والأهمّ أن الأزمة الاقتصادية بدأت ولا يمكن تلافيها، ولكن يمكن السعي لتقليل الخسائر وتَقاسُم الأعباء بشكل عادل كي لا تتحملها الطبقة الفقيرة لوحدها. لا يمكن امتصاص الأزمة، فسعر صرف الليرة سينهار، وضغط المصارف على الناس سيتواصل ويتخذ أشكالاً بشعة في عملياتِ سرقةٍ موصوفة لودائع الناس وتهريب الأموال إلى الخارج. كما أن قدرة مصرف لبنان على تأمين ما يجب مِن عملة صعبة لاستيراد المواد الأساسية لن تكون متاحة، وإمكان توفير رواتب للناس سينخفض، وهذا يعني أن مزيداً من الناس سينضمّون للثورة. وحتى الكلام عن مساعداتٍ لن يحلّ مشكلة لبنان، لأن هناك مشكلة هيكلية كبيرة وأزمة سيولة كبيرة، وهذا لا يُعالَج بمليارين أو 3 أو 4 مليارات من المساعدات. لذلك لا بد من السيطرة على الدين وارتفاع الفوائد، واستعادة الأموال المنهوبة، ووقف مشاريع الهدر الفظيعة والمستمرة. ويجب أن تكون هناك موازنة تحفز الاقتصاد من دون ضرائب، ويجب عدم بيع القطاع العام.
توقعاتي في 2020 أنه سيكون هناك نهوض شعبي كبير ومناطقي، ولا سيما داخل الطبقات الوسطى من بين الذين سيخسرون الكثير، ومن المتوقّع أن تشهد مناطق الثنائي الشيعي تحركات لن يكون بالإمكان ضبطها.
لا إمكانية للعودة لما قبل «17 اكتوبر»، فالسلطة تصدَّعت وقد تكون هناك مفاوضات اجتماعية وسياسية للتوصل إلى تسوية ما، أقرب إلى طروحات الثورة، وليس العودة إلى الوضع السابق، لأن ما طرحتْه الثورة من حكومة تكنوقراط وانتخابات نيابية مبكّرة وغيره، هو الحل الوحيد الواقعي. وحتى الدول المانحة التي تعلن دعمها للبنان، لن تقبل بأقلّ مما تطالب به الثورة. وسيكون هناك تغيير بالنظام الاقتصادي والمالي ونمط الحكم وأدائه، وإصلاحات لا تشبه ما قدّمتْه الورقة الإصلاحية للطبقة الحاكمة، لأن ما طرحتْه سيعني انفجاراً متسارعاً للأزمة.

المستشار السابق في قضايا التنمية بــ«الاسكوا»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي